المسلمون في بلجيكا

0 1216

بلجيكا مملكة تقع فى الشمال الغربى من أوروبا مساحتها (513ر30) كيلو متر مربع وعدد سكانها أكثر من عشرة ملايين نسمة.

وينتمي معظم الشعب البلجيكي إلى فئة الفلمنكيين الذين يشكلون حوالي 55 بالمائة من سكان بلجيكا وهم من سلالة الفرانكيين وهي قبائل جرمانية احتلت ما يعرف ببلجيكا فى القرن الخامس الميلادي ويتكلمون اللغة الهولندية.

 والوالون حوالي 30 بالمائة ، ويرجع نسبهم إلى قبائل السلتية التى عاشت فى المنطقة إبان الاجتياح الفرنكى، ويتكلمون اللغة الفرنسية.

ويعيش فى بلجيكا حاليا زهاء نصف مليون مسلم حسب تقديرات المشرفين على المركز الاسلامي والثقافي في بلجيكا ، معظمهم من المنتمين إلى الجالية الوافدة من البلاد الإسلامية وتحديدا من المملكة المغربية وتركيا وألبانيا بشكل رئيسي ، إلى جانب مختلف الجنسيات الأخرى.

ويعد المركز الإسلامي والثقافي في بلجيكا أحد أهم المراكز الإسلامية فى غرب أوروبا على الإطلاق وأحد المنارات المتقدمة للدين الاسلامى فى أوروبا.

وقد أنشئ المركز عام 1936م فى مبنى صغير مستأجر فى أحد أحياء بروكسل المتواضعة.

وفى عام 1967م قام الملك البلجيكى الراحل بودوان الأول بإهداء الملك فيصل -يرحمه الله- جزءا من متحف الآثار الدائم لمدينة بروكسل الذى يقع فى أحد أجمل مواقع العاصمة البلجيكية وعلى بعد أمتار معدودة من مقر المفوضية الأوروبية والمجلس الاوروبى، ليكون بعد ذلك مسجدا ومقرا للمركز الإسلامي الثقافي.

واعترفت الحكومة البلجيكية إثر هذه المبادرة عام 1968م بالدين الاسلامى كدين رسمى فى البلاد، مما يعد سابقة فى تاريخ تعامل الحكومات والدول الأوروبية مع الحضور الإسلامى فى أوروبا.

وصادقت الدولة البلجيكية عام 1975م بإدخال دروس التربية الاسلامية ضمن البرامج المدرسية لابناء الجالية مما زاد من ثقل ومسؤوليات المركز الاسلامى والثقافى فى بروكسل.

وفى عام 1978م افتتح الملك خالد -يرحمه الله- المركز الإسلامى الجديد، الذى بدأت رابطة العالم الاسلامى بالإشراف عليه اعتبارا من عام 1982م.

وشهدت بروكسل فى نطاق تطوير نشاطات المركز افتتاح أول معهد اسلامى أوروبى عام 1983م.

وفى عام 1986م تم افتتاح أول مسجد فى مطار العاصمة البلجيكية تحت إشراف المركز الإسلامي.

ويوجد فى بلجيكا زهاء ثلاثمائة مسجد وبيت للعبادة موزعة فى مختلف أنحاء البلاد.

ويشهد الدين الإسلامى إقبالا متصاعدا لاعتناقه والدخول فيه من قبل أبناء الشعب البلجيكى وقطاعات واسعة من الأوروبيين المقيمين فى بلجيكا، حيث لا يمر يوم واحد ولله الحمد إلا ويسلم فيه عدد من أهل البلاد لينضموا الى أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

بعد أحداث سبتمبر

يقول عبد السلام العريبي من منظمة حقوق الإنسان الأوروبية ببروكسل والنشط في مجال حقوق الجاليات العربية: "إن المسلمين قبل أحداث سبتمبر كانوا يعيشون كأي أقليات دينية أخرى، تمارس عقائدها الدينية في حدود ما يسمح به الدستور من مساواة في الحقوق، باستثناء بعض التصرفات العنصرية التي كان يواجهها بعض الأفراد، والتي كانت في الغالب تصرفات فردية من عناصر يمينية متطرفة، تلك التي تعادي الأجانب بصفة عامة".
وقال العريبي إن أحداث سبتمبر تسببت في ردود فعل سلبية على الجاليات العربية مدفوعة بالدعاية الأمريكية الصهيونية بأن المسلمين وراء كل الأحداث الإرهابية، وهذا الجانب جعل الدول الأوروبية تتشدد في التعامل مع المسلمين وتضع أنشطة الجاليات تحت الرقابة، فتحظر ما تحظر منها، وتحجر على أموالها وتصادرها أو تجمدها، وفي هذا خسارة كبيرة للمسلمين في أوروبا، خاصة المنظمات التي لها توجهات خيرية في مساعدة وإنقاذ فقراء المسلمين في العالم والمنكوبين منهم.

ويضيف قائلا:"وقد ساعدت الأحداث على محاصرة المسلمين في أرزاقهم ببلجيكا، فأصبح كثير من أصحاب العمل يرفضون تشغيل المسلمين، أو حتى تشغيل كل من يحمل اسما مسلما أو عربيا، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تراكمات سلبية بمرور السنوات ليحول المجتمع المسلم في بلجيكا إلى مجتمع أكثر فقرا، وفي هذا خطورة شديدة على المجتمع البلجيكي نفسه، ولا يختلف الأمر في بلجيكا عنه في بقية الدول الأوروبية أو الغربية عامة".
ويقول العريبي: إن هناك جانبا إيجابيا للهجمات تمثل في تسريع الحكومات الأوروبية بإعطاء المسلمين حقوقهم الدستورية كاملة، حتى لا يؤدي غياب هذه الحقوق إلى غضب وانفجار،يؤدي إلى أعمال عنف أو إرهاب، "حيث شهدنا ظهور أول مجلس إسلامي أوروبي عام في فرنسا، واتحاد لمجالس إسلامية عديدة. وهكذا كسب المسلمون ورقة مهمة ورابحة بتوحدهم وتجمعهم عبر هذه المجالس لإعلاء كلمة الإسلام وتقديمه بصورة صحيحة للغرب ".

أما  كريم عبد الله وهو أستاذ في اللغة العربية وهو مسلم بلجيكي الأصل فيقول:
إن المسلمين كانوا يعيشون في سلام نسبي في بلجيكا وكل الدول الأوروبية باستثناء بعض الإرهاصات أو الاحتكاكات مع الشرطة هنا أو هناك من قبل بعض الشباب المسلم من أبناء الجيل الثاني، ولكن أحداث سبتمبر تسببت في الإطاحة بما كان يتمتع به المسلمون في بلجيكا من سلام اجتماعي، فقد صعدت الأحداث العداء ضد الإسلام والمسلمين، وجعلتهم في بؤرة اتهام دائم ومستمر من قبل السلطات، ومحل اشتباه ومصدر خوف من جهة الأوروبيين، فأصبح مشهد السيدة بغطاء الرأس يثير القلق والتوتر، ومشهد الرجل ذي اللحية يثير المخاوف من العنف والإرهاب.

ويضيف قائلا : ولكن الأحداث في ذات الوقت أحدثت نوعا من اليقظة لدى المسلمين في العالم، فبدأوا تحركات إيجابية للتوحد والتجمع معا، ومد جسور الاتصالات فيما بينهم للتشاور في شؤونهم والتعاون على ما يواجههم من حصار أو اتهامات في الغرب، كما أفرزت الأحداث عملية تصفيات للعناصر المتطرفة التي تسيء للإسلام داخل المنظمات والمؤسسات الإسلامية، فتم نبذ هذه العناصر تلقائيا حتى في داخل المنظمات والمؤسسات الإسلامية نفسها، أو تم تحييد مسار هذه العناصر وتصحيح توجهاتها، وبذلك كسب المسلمون عملية إصلاحات داخلية في مؤسساتهم في بلجيكا بصورة ملحوظة، ولكن نتائج هذه الإصلاحات لن تظهر الآن، بل ستتضح بجلاء بعد أن تنتهي هذه الموجة العالية من العداء للإسلام والمسلمين وتهدأ، وأنا أعتبرها موجة أو صرعة عداء ستهدأ بالفعل وتعود إلى معدلها الطبيعي، لأن العداء للإسلام قائم في كل زمان ومكان كما يذكر القرآن الكريم.
ويعبر كريم عبد الله عن أسفه للمؤسسات الإسلامية التي تمت محاصرتها في البلدان الأوروبية والتي أغلقت وصودرت أنشطتها، ويقول للأسف إن المساجد والمؤسسات الإسلامية والمدارس الإسلامية أضيرت ضررا نوعيا من نتائج هذه الأحداث، وقد يمر وقت ليس بالقصير قبل أن تتمكن هذه المؤسسات من معاودة نشاطها أو إقناع السلطات الأوروبية بأهدافها الإنسانية النبيلة، وأنها لا تعمل من أجل العنف والإرهاب .

ــــــــــــــــــــــــ

عن وكالة الأنباء الإسلامية و جريدة الوطن السعودية

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة