السؤال
السلام عليكم.
أشكركم على هذا الموقع المفيد والفعال.
بعدما ضاق صدري ونفد صبري قررت أن أكتب لكم هذه الرسالة، ممتنة لكم بالشكر والاحترام والتقدير.
أنا فتاة تخرجت في أحسن الجامعات في بلادي، وفي صحة جيدة ـولله الحمدـ، لكن للأسف الشديد لم أجد وظيفة حتى أشغل بها وقتي، أحس أني إنسانة عديمة الفائدة في مجتمعي وفي أسرتي، وما زاد تعاستي أمي! في كل مرة تحسسني بأنه لا فائدة مني، وأني فاشلة! فدائما تقارنني بالأخريات، وقد تعرضت لحادث سيارة كنت أسوقها ـ والحمد لله ـ لم يحدث لي أي شيء ولا لأخي الصغير، لكن السيارة تضررت قليلا، وهي سيارة أخي الأكبر، وأمي بقي الضرب فقط لم تضربني، فقد استعملت معي كل وسائل التوبيخ كوني لا أستطيع إعادة تصليحها ماديا.
لست مرتاحة في حياتي بسبب أمي، فهي لا تحاورني ولا تتناقش معي في مواضيعي، وتفضل الذكور على الإناث، علما أننا بنتان وأربعة ذكور، لأن الذكور يعملون ولديهم رواتب.
أحيانا أحتار ماذا أفعل؟ أتجنب الجلوس معها، وأبقى وحيدة، لأن أختي تدرس، فإما أطلع على كتاب أو على الإنترنت، وفي كل ليلة أبكي، حتى رأسي يؤلمني في الصباح، مع أني -والله- الكل يشهد أني إنسانة حساسة ومؤدبة، الأهل والجيران وحتى صديقاتي.
ندمت لأني درست، مع أن دراستي كانت هي الأكسجين الذي أستنشقه، فموتي أهون من حياتي، أتمنى الموت أحسن من حياة الذل.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سيرين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -الأخت الكريمة- في موقعك استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يفرج همك، وييسر لك أمرك.
لقد لمسنا -أيتها الأخت الفاضلة- من استشارتك أنك تتمتعين بعزة نفس وتحسس زائد من كل موقف، وهذا تشكرين عليه في الحقيقة، لكن لا ينبغي لك الإفراط في هذا الخلق وأنت تتعاملين به مع الوالدين أو الإخوان، بل الذل والمسكنة أمام أمك أمر مطلوب ينبغي لك أن تتقربي به إلى الله تعالى، وقد أمرنا الله تعالى بالذل أمام الوالدين فقال: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة}.
فدعي عنك هذه الوساوس والحرج الذي تجدينه، فذلك لأمك عبادة، وكوني على ثقة بأن أمك تضمر لك في قلبها الحب والرحمة، فهذا أمر فطري فطر الله عز وجل عليه الناس، فكل أم تحب ابنتها وتشفق عليها، ولكن قد تظهر بعض التصرفات من الأم قد يبدو منها خلاف ذلك ظاهرا والحقيقة خلاف ذلك.
وهنا أمر مهم نحب أن ننبهك إليه، وهو أن الأم تشعر بالجميل الذي يقدمه أبناؤها الذكور حين ينفقون على البيت، فتحب شكرهم ومكافأتهم على ذلك، فتقدمهم في بعض الأمور، وهذا لا يعني أبدا أنها لا تحب باقي أبنائها وبناتها، ولذا نحن ننصحك بأن تسابقي أيضا في كسب رضا أمك وتقديم العون لها والقيام بخدمتها، وستجدين منها الإكرام والشكر.
إننا نوصيك -أيتها الكريمة- أن تحفظي تلك الدموع التي تذرفينها وحيدة في خلوتك، لتذرفيها أمام أمك وتطلبي منها الدعاء لك بأن ييسر الله لك أمورك، حتى تتمكني من إعطائها وإراحتها، وسترين -بإذن الله تعالى- كيف ستتغير نظرة أمك إليك.
نتمنى أن تدركي أهمية العمر للمسلمة في هذه الحياة، فإن اللحظة الواحدة في هذه الدنيا بإمكان الواحد منا أن يكسب بها من الحسنات ما يوصله إلى أعلى الدرجات في الجنة، فكيف يتمنى عاقل أن ينقطع عنه هذا الخير، فبدلا من أن تمضي أوقاتك بالحسرات وتمني الموت أشغلي ساعتك بما ينفعك عند الله تعالى من الأعمال الصالحة، من الذكر وقراءة القرآن والإكثار من الصلوات، وبر الوالدين وخدمتهما، وستجدين السعادة تملأ حياتك كلها.
أما العمل والوظيفة، فاسألي الله تعالى أن يقدر لك الخير، واجتهدي في الدعاء أن يرزقك الله الزوج الصالح الذي تسكن إليه نفسك، ويكفيك -بإذن الله- مؤن الكسب، فلا تتألمي لفقدك الوظيفة، فربما أراد الله عز وجل لك الخير، وصرف عنك شرا أنت لا تعرفينه، ولا تشعري بالذل والمهانة حين ينفق عليك أهلك، فهذا واجب عليهم أوجبه الله تعالى لك حتى يغنيك من فضله، وهذه طبيعة الحياة والناس للناس، فدعي عنك هذه الهموم واصرفي همك فيما يوصلك إلى رضا ربك عنك، وكوني على ثقة بأنه من يتق الله تعالى يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
وفقك الله لكل خير ويسر لك أمرك.