تأثير الأدوية النفسية على العملية الجنسية

0 1544

السؤال

الإخوة في الشبكة الإسلامية! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أولا: أود أن أشكركم على ما تقومون به من مساعدة إخوانكم المسلمين بالإجابة على أسئلتهم وإرشادهم إلى ما يفيدهم في الدنيا والآخرة.

أنا شاب أبلغ من العمر 35 عاما وأعاني من مرض الوساوس القهرية (في جانب العقيدة) والاكتئاب منذ أكثر من 15 عاما.

قد تناولت أدوية كثيرة لعلاج الوساوس القهرية والاكتئاب منذ ذلك الحين حتى الآن، ولكن الدواء الأخير الذي بدأت أتناوله قبل 3 سنين تقريبا هو الذي أحسست منه أكبر فائدة مقارنة بالأدوية التي استخدمتها سلفا؛ هذا الدواء هو (Fluoxetine) الأردني، المسمى تجاريا بـ (Anxetin).
لكن هذا الدواء بما فيه من هذه الفوائد الكبيرة إلا أنه قد سبب لي مشكلة جعلتني أفكر في دواء آخر يعطيني نفس الفوائد لكن ليس فيه هذا التأثير الجانبي: هذا الدواء يؤثر علي سلبيا في العملية الجنسية مع أهلي؛ أفقدني اللذة عند الإنزال؛ فعندما أجامع زوجتي لا أجد تلك اللذة التي يجدها كل رجل عادي عند الإنزال.

علما أني قد قرأت في بعض المواقع على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) أن هذا الدواء فعلا يسبب هذا التأثير.

أنا الآن لا أستخدم Anxetin بانتظام، فقد أتركه أسبوعا ثم أعود إليه بعد أن أحس بعودة الوساوس والاكتئاب. وقد تركته من قبل لمدة 3 أشهر مرتين ثم عدت إلى تناوله.

أنا الآن عندي بعض التساؤلات، وأرجو أن تفيدوني جزاكم الله خيرا:

1. قرأت في موقعكم في إجاباتكم على بعض الاستشارات أن دواء السبرالكس (Cipralex) هو أحدث الأدوية التي تعالج مرض الوساوس القهرية والاكتئاب؛ فأنا أنوي استخدامه، فما هي تأثيراته الجانبية؟ فهل له تأثيرات جانبية على الجماع والإنزال؟

2. هل هناك طريقة لتجنب أو تخفيف التأثرات الجانبية الجنسية للدواء (Fluoxetine)؟ علما أني أعاني من التأثرات الجانبية الأخرى المعروفة لهذا الدواء.

3. أنا أحس أني سأتناول هذه الأدوية طول حياتي لأني كلما تركت الدواء عادت أعراض المرض، فهل سيأتي يوم في حياتي لا أتناول فيه هذه الأدوية؟

4. أنا متدين ـ ولله الحمد ـ لكن هذه الوساوس القهرية العقدية تؤذيني وتجعلني أتمنى الموت إذا اشتدت علي؛ فهل هذه الأدوية يمكن أن تقضي عليها كليا، أم هناك أساليب أخري علاجية لابد منها للقضاء عليها كليا؟

5. أنا شخص شديد الحساسية خاصة إذا واجهت مواقف عنيفة أو معاملة غليظة من أي أحد أو انتقدني أحد بشدة؛ لهذا السبب أتجنب هذه المواقف حتى لو كانت على حسابي؛ فما هو السلوك الصحيح في مثل هذا الأحوال؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونرحب بك كثيرا في إسلام ويب، ونشكرك على تواصلك معنا في هذا الموقع.

فإن مجموعة الأدوية التي تعرف بـ (مثبطات إرجاع السيروتونين الانتقائية select.ive serotonin reuptake inhibitors)، والتي منها الفلوكستين Fluoxetine والسبرالكس Cipralex وعقار زولفت Zoloft وفافرين Faverin وزيروكسات Seroxat، دار الكثير من الحديث حول تأثيراتها الجنسية السلبية، ونستطيع أن نقول أن هنالك حقائق ولكن توجد أيضا مبالغات كثيرة فيما يخص هذا الأثر الجانبي.

هنالك إجماع أن هذه الأدوية قد تؤدي إلى تأخر القذف المنوي لدى الرجال، والاختلاف يأتي في هل تؤدي إلى الضعف الجنسي أم لا؟ وهل تؤدي إلى قلة الكفاءة الجنسية أم لا؟ البعض يشتكي منها، فإذن هنالك أثر لابد أن نعترف به، ولكن هنالك من يقول أن أداءه الجنسي قد تحسن بعد استعمال هذه الأدوية، وهذا يدعونا لأن نفكر أن الاكتئاب كان هو المعيق لهؤلاء الأشخاص، وبعد أن زال هذا الاكتئاب تحسن أداؤهم الجنسي.

وهنالك ملاحظات أخرى –على سبيل المثال– نفس الدواء قد يشتكي منه رجل ويقول أنه قد تحسن أداؤه الجنسي، وقد يقول لك شخص آخر أن نفس الدواء قد أضر بأدائه الجنسي.

هذه هي الحقائق المطروحة الآن أمامنا، ويظهر أن الأدوية يحدد فعاليتها البناء الجيني للإنسان، وحتى آثارها الجانبية السالبة أعتقد أيضا أنها تعتمد على الموروثات الجينية للإنسان، ولذا يختلف الناس في تفاعلهم مع هذه الأدوية.

حتى أجيب على أسئلتك بصورة محددة أقول لك أن السبرالكس من الأدوية الجيدة ومن الأدوية الممتازة جدا لعلاج الوساوس والاكتئاب والمخاوف أيضا بجميع أنواعها، وهذا الدواء حقيقة من أقل هذه الأدوية آثار جانبية، ولكن أيضا هناك من اشتكى وقال أنه أخر لديه القذف وهنالك من يأتينا في بعض الأحيان ويقول أن أداءه الجنسي قد اختل بعض الشيء، وأنا حين يشتكي الناس من أدائهم الجنسي حتى ولو كان هناك أثر مباشر لهذه الأدوية أعتقد أن العامل الجنسي لا يمكن تجاهله، وذلك قياسا على القاعدة التي تقول (الخوف من الفشل يؤدي إلى الفشل)، وهذا ينطبق حقيقة على المعاشرة الجنسية الزوجية.

إذن: أنا أقول لك يمكن أن تجرب هذا الدواء، لا أريد أن أترك الأمور مائعة ولا بعيدة عن النطاق العلمي، ولكنها هذه هي الحقيقة، ومن ناحية الفاعلية فهو فعال وأنا أضمن لك ذلك - بإذن الله تعالى – أما فيما يخص تأثيراته الجنسية فأعرف من لم يشتك من ذلك مطلقا، وأعرف أن هنالك قلة قليلة قد اشتكت من ذلك.

الأبحاث التي أمامنا وكذلك التجارب تقول أن عقار فافرين Faverin - فلوفكسمين Fluvoxamine – هو أقل هذه الأدوية تأثيرا على الأداء الجنسي، أي أنه لا يؤثر سلبا على الأداء الجنسي، ولذا نحن ننصح باستعماله كثيرا، ويتميز الفافرين أيضا بأنه لا يؤدي إلى زيادة في الوزن، ويتميز أيضا أنه من أفضل وأفعل الأدوية لعلاج الوساوس القهرية.

فبالرغم من أننا ذكرنا لك أن السبرالكس قد يكون علاجا ممتازا ولكني أقول لك أن الفافرين قد يكون هو الأفضل، وجرعة الفافرين يجب أن تكون جرعة كاملة حتى يتم علاج الوساوس، والجرعة الكاملة هي ثلاثمائة مليجرام في اليوم، يبدأ الإنسان بخمسين مليجراما يوما وبعد ذلك يرفعها إلى مائة مليجرام بعد قضاء أسبوعين من بداية الدواء، ثم يرفعها إلى مائتي مليجرام بعد شهر، ثم إلى ثلاثمائة مليجرام بعد شهر آخر، ويستمر على هذه الجرعة العلاجية لمدة تسعة أشهر على الأقل، ثم بعد ذلك يمكن أن يخفض الدواء بمعدل خمسين مليجراما كل ثلاثة أشهر، وبعد أن يصل إلى مائة مليجرام الأخيرة يظل عليها لمدة ثلاثة أعوام في مثل حالتك كجرعة وقائية.

والفافرين ينصح بتناوله بعد تناول الأكل لأنه قد يؤدي إلى زيادة في حموضة الأمعاء خاصة في الأيام الأولى من بداية العلاج، ولكنه قطعا من الأدوية السليمة جدا.

السؤال الثاني: هل هناك طريقة لتجنب أو تخفيف التأثيرات الجنسية لعقار فلوكستين؟ .. نعم، الطريقة هي بعد أن تستقر الحالة أن يتم تناول الفلوكستين بمعدل جرعة واحدة كل يومين. أنا لا أنصح بالتوقف من استعمال الدواء لفترة ثم الرجوع إليه، هذا ليس جيدا، لا أقول أنه ممنوع ولكنه ليس جيدا لأنه قد يؤدي إلى ظاهرة نسميها بالإطاقة، والإطاقة تعني أن الناقلات العصبية تصاب بنوع من التبلد حين ينقطع منها الدواء وقد لا تستجيب بنفس القوة والفعالية والإثارة حين نبدأ في تناول الدواء مرة أخرى، ولكن حين يتم تناول الدواء مرة واحدة كل يومين مثلا أو مرة واحدة كل ثلاثة أيام هذا يعتبر جيدا جدا وسوف تتواءم الناقلات العصبية مع هذا الوضع، وبفضل الله تعالى يعرف أن الفلوكستين له إفرازات ثانوية تساعد على بقائه في الدم لمدة اثنتين وسبعين ساعة على الأقل، وهذه من المميزات الخاصة جدا لهذا الدواء.

وهنالك أيضا طريقة أخرى وهو بعد أن تستقر الحالة يوجد نوع من الفلوكستين يسمى بـ (فلوكستين 90)، وهو مستحضر يتم تناوله مرة واحدة كل أسبوع، أي أربع جرعات في الشهر، وهذا يكفي تماما.

وهنالك من يتناول الفلوكستين بجرعة عشرين مليجراما يوميا ويتناول معه الفافرين بجرعة مائة مليجرام ليلا، هذا أيضا وجد أنه علاج فعال وممتاز لعلاج الوساوس، وفي نفس الوقت يقلل من الآثار السلبية لعقار فلوكستين.

أما بالنسبة لسؤالك الثالث: فأقول لك لا تحزن ولا تقلق، هذه الأدوية من نعم الله تعالى، وحتى لو تناولتها لفترات زمنية طويلة يجب ألا تنزعج لذلك، عامل نفسك كأنك تعاني من ضغط بسيط أو ارتفاع في السكر أو هكذا – عافاك الله تعالى من ذلك – والأمر ليس أكثر من ذلك، وهذه الأدوية بفضل الله تعالى فعالة وسليمة جدا جدا، وهذا لا يعني أنك سوف تحتاج لتناولها مدى العمر، ولكن حتى إذا تناولتها لفترات طويلة يجب ألا تنزعج لأن نعمة الصحة والعافية لا تستبدل بأي نعمة أخرى، وإذا كنت سوف أحس بالارتياح بتناول حبة أو حبتين يوميا وأعرف أنها سليمة فلماذا أحرم نفسي من هذه النعمة؟ يجب أن تؤخذ الأمور بهذا المنطق.

والشيء الآخر: نحن نعرف تماما أن الأبحاث العلمية تسير من أحسن إلى أحسن، ربما تأتي طرق أو وسائل أو أدوية تكون أكثر فعالية ويتناولها الإنسان لمدة أقصر.

أما سؤالك الرابع: فأنا سعيد أن أسمع أنك متدين ولله الحمد، وأسأل الله تعالى أن يزيدك في هذا وأن يثبتك على هذا، وأن يتقبل منك ومنا جميعا، وأقول لك أن هذه الوساوس هي نوع من الابتلاء، وأسأل الله تعالى أن يجعلك من الصابرين، وأقول لك أيضا أنها من صميم الإيمان، وأنت تعرف قصة الصحابة الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله يأتينا في أنفسنا ما لا نستطيع أن نقوله – نعتقد والله أعلم أنهم كانوا يعنون الوساوس القهرية لأنها فعلا ذات محتويات قبيحة جدا – فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (أوجدتموه؟ هذا صريح الإيمان).

فهذا الذي يأتيك من وساوس -إن شاء الله تعالى- هو من صميم الإيمان، فكن صامدا وكن ثابتا واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وأنت - إن شاء الله تعالى – في حفظ الله وأسأل الله تعالى أن يتقبل منك ومنا صالح الأعمال.

الأساليب الأخرى هي كما ذكرت لك أن تقتنع أن هذه الوساوس القهرية يمكن أن تقهر فهي قلق وليس أكثر من ذلك، وأن تستمر - إن شاء الله تعالى – على منهجك الإسلامي القويم، وأن تحقر هذه الوساوس تحقيرا كاملا وتضطهدها ولا تتبعها، فإن المبدأ السلوكي يقول: (التعريض مع منع الاستجابة) أي أن تعرض نفسك للوساوس ولكنك لا تستجيب له مطلقا.

ومن الأساليب السلوكية الطيبة جدا: أن تربط هذه الوساوس بفكرة مضادة لها، وقد وجد أن إدخال الألم على النفس يعتبر أمرا علاجيا جيدا، فعلى سبيل المثال فكر في هذه الفكرة الوسواسية وفي نفس الوقت قم بالضرب على يدك بشدة حتى تحس بالألم. الفكرة هي أن تزاوج وترافق ما بين الألم والفكرة الوسواسية، وبتكرار هذا التمرين عشرة إلى خمسة عشر مرة يوميا سوف تجد أن الفكرة الوسواسية - إن شاء الله تعالى – بدأت تضعف خاصة حينما نربطها بالألم.

تصور أن هذه الوساوس موضوعة تحت قدميك وأنت تقوم بالدوس عليها تحت قدمك تحقيرا وإذلالا لها.. هذه أيضا من التمارين السلوكية الجيدة ولكنها تتطلب العزيمة والإصرار واليقين بأنها وسيلة علاجية، أيضا أن تستبدل الفكرة الوسواسية بفكرة أخرى مضادة لها تماما، هذا أيضا شيء مفيد، ممارسة الرياضة وتمارين الاسترخاء وتطوير المهارات الاجتماعية والتواصل، هذا كله يأتي في نطاق العلاج، فأسأل الله لك الشفاء وأسأل الله لك العافية.

أما سؤالك الخامس: فقد قلت أنك شخص حساس إذا واجهت مواقف عنيفة، ويعرف أن أصحاب الوساوس القهرية يتمتعون بقيم عالية وهم يحرصون على الفضائل، ودائما ما يكون لهم نوع من الحساسية، لكن الذي يؤدي إلى متاعبهم أكثر هو أنهم يحاولون أن يفرضوا قيمهم على الآخرين، أو أنهم يتمنون أو يودون أو يصرون أن يعاملهم الآخرون بالطريقة التي يرونها مرضية وجيدة، وهذا لا يحدث، لأننا لا نستطيع أن نتحكم في الآخرين، نحن علينا بأنفسنا، وحين يتطلب الأمر منا أن نغير الآخرين نتبع سبلنا الإسلامية الثلاثة: بيدنا متى ما كان ذلك ممكنا، وبلساننا متى ما كان ذلك متيسرا، وبقلوبنا إذا لم يتيسر للإنسان السبل الأخرى كوسيلة للتغيير.

هذه المفاهيم جيدة إذا استوعبناها الاستيعاب الصحيح، فأنت لا تكن حساسا وعامل الناس بخلق حسن، وأنا لا أقول لك لا تتوقع منهم الخير، ولكن يجب أن تكون توقعاتك في حدود ما هو معقول.
لا أدعوك للتشاؤم ولكن العالم الآن به كمية من السوء والغلظة التي تجعلنا دائما نكون حذرين، أو لا نستغرب إذا حدث وأن عاملنا الآخرون بغلظة أو بتعنيف، الناس لا تهتم الآن ببعضها البعض إلا ما رحم ربي، فعليك أن تكون متسامحا مع نفسك ومتسامحا مع الآخرين ولا تكن صارما مع نفسك، ودائما خذ بمبدأ أن تدعم الناس فيما تتفق عليه معهم وأن تجد لهم العذر فيما تختلف عليه معهم، هذا مبدأ طيب ومقبول.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وقد سعدت كثيرا برسالتك الطيبة هذه، وأسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات