السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شكرا لجهودكم المبذولة في هذا الموقع.
أنا فتاة تعودت على أجواء بعيدة عن مجتمعات النساء وعن أحاديثهن، ولكنني الآن مضطرة للتعامل مع عائلة منغمسة انغماسا كبيرا في هذه الأجواء من كلام النساء الكثير، والذي لا يجلب سوى المتاعب والأفكار الخاطئة والزيارات الغير مبررة كالاستقبالات، فأنا أعاني كثيرا من التعامل معهم، وأنا حائرة لا يمكنني الابتعاد عنهم، فهم أصبحوا من الأقارب، وكذلك لا أود أن أنقل هذا المجتمع إلى البيت الجديد الذي أسعى لتأسيسه على ما يرضي الله تعالى، فماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
ابنتي العزيزة/ تسنيم
أسأل الله العظيم أن يهيئ لك من أمرك رشدا، وأن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه، ونسأله الثبات حتى الممات.
وبعد،،
فإن وجود الإنسان في جماعة له ضريبة وثمن، فلابد من صبر ومصابرة ومجاهدة للنفس، والإنسان مدني بالطبع بمعنى أنه لا يستطيع أن يعش وحدة وكما قيل:
الناس للناس من بدو وحاضرة *** بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
ولكن الصواب أن ينظم الإنسان علاقته مع الناس فيحرص على مصاحبة أهل الخير ويرتبط بالأسر الطيبة، ويفضل أن تكون اللقاءات على برامج ترضي الله، فإنه ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم يوم القيامة تره (حسرة وندامة)، ومن لا يشغل نفسه بالخير شغلته نفسه بالباطل والغيبة والنميمة والبهتان، ويمكن أن تقترحي على الزوار قراءة القرآن أو مدارسة بعض الكتب المفيدة أو الاستماع لأشرطة المحاضرات النافعة، وعندها سوف لن يبقى في ذلك المجلس إلا من فيه خير، وإذا صبرت على هذا المنهج عرفك الناس به، وقد يبدوا الأمر صعبا لكنه يسير وقد جرب ونفع جدا بتوفيق الله فبيتك يا أختي مثل السوق تحمل إليه البضائع الرابحة، فإن راج عندك الصدق والخير حمل الناس إليك كل خير، وإن عرف مجلسك وبيتك والعياذ بالله بالغيبة النميمة حملت إليك هذه المصائب.
وتذكري أن كلام الناس لم يسلم منه حتى الأنبياء المعصومون فضلا عن غيرهم، ولكن بالصبر والثبات على المنهج يصل الإنسان إلى ما يريد بتوفيق الله.
وعليك أن تجعلي علاقتك بالشريرات محدودة، واحرصي على حفظ لسانك وجوارحك، واعلمي أن كل من ينقل إليك نميمة يريد أن يسمع منك شرا لينقله فالنمام يريد الشيطان يحمل الرسائل التي تزرع العداوات والشرور بين الناس، وإذا وجدت عيبا في إحدى أخواتك فاحرصي على نصحها سرا، واجعلي هذا العمل خالصا لوجه الله فلا تخبري أحدا بما فعلته، فإن ذلك أدعى للقبول، وإذا ذكرت امرأة بالشر في مجلسك فدافعي عن عرضها بذكر محاسنها وبتذكير الحاضرات بأن كل إنسان فيه عيوب والعاقل السعيد من شغله عيبه عن عيوب الآخرين، وحولي مجرى الحديث إلى النافع المفيد الذي يرضى الله.
واحرصي على الإحسان للجميع فطالما ملكت قلوب الناس بالإحسان إليهم، والمسلم يوازن بين الحقوق والواجبات، فلزوجك حق ولزوارك حق ولربك حق.. فأعط كل ذي حق حقه، والمسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، وأكثري من الاستغفار، وقد قال ابن عمر رضي الله عنه: (كنا نعد للنبي صلى الله عليه وسلم في المجلس أستغفر الله وأتوب إليه أكثر من مائة مرة وخاصة عند نهاية المجالس)، وحاسبي نفسك على كل كلمة وتذكري أن العاقل يزن الكلمة قبل أن يتلكم بها، فإن كانت ترضي الله أخرجها، وإلا فالسكوت سلامة، ورحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم.
وعاملي الناس بما يسرك أن يعاملوك به، وقد يصعب على الإنسان أن يغير ما اعتاده الناس في يوم وليلة ولكن يمكن توجيه تلك المجالس للمفيد، أما بيتك ومملكتك فأنت وصبرك يمكن أن تحددي المنهج الذي سوف يسير عليه، وأسأل الله أن يوفقك للخير، وأن يجعل بيوتنا عامرة بذكره وشكره وحسن عبادته.
وسدد الله خطاك ونفع بك بلاده والعباد.