السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب على قدر من الاستقامة ولله الحمد، لكن المصيبة أنني أصبحت أضعف بشكل غير طبيعي، والسبب أني في إحدى المرات غلبتني شهوتي، وجلست أنظر في بعض الصور المحرمة على الإنترنت، وكنت أقول: هذه آخر مرة وبعدها أتوب، وأصبحت أفعل العادة السرية بكثرة؛ بسبب هذه الصور، وعندما أعصي الله أقول: والله إنها آخر مرة، وأتندم ندما شديدا، ولكن أصبحت على هذه الحال أعصي وأتوب وهكذا.
والآن أصبحت أعصي ولا أتوب، وأصبح قلبي أشد قسوة من الحجر، وأصبحت لا أخاف من عقاب الله، ووالله إن هذا الذي أقول حق، وأريد أن أتوب ولكن أحس بشيء قوي يسحبني ويلهيني عن التوبة، لكن لا أدري ما هو هذا الشيء. أنقذوني أرجوكم أرجوكم، فالله إني أعيش في آلام لا يعلم بها إلا الله الذي سترني كثيرا وأنا أعصيه. ما الحل أرجوكم؟ وكنت أفكر في الزواج ولكن المهر غال وليس لي وظيفة. وبعد الإيمان وقوة الإيمان أصبحت جثة بلا قلب. وأنا أكتب هذه الرسالة وكلي أمل أن أسمع ما يزيد عزيمتي في التقرب إلى الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل / أبو يوسف حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يردك إلى دينه مردا جميلا، وأن يغفر لك ما مضى من ذنوب وخطايا، وأن يثبتك على الحق، وأن يملأ قلبك من خشيته سبحانه، وأن يرزقك مقام الإحسان حتى تعبد الله كأنك تراه أو يراك.
وبخصوص ما ذكرته في رسالتك: فهذه عبارة عن انتكاسة إيمانية سببها الأول والأساس هو الشيطان الرجيم لعنه الله، فلقد استغل غفلتك ولحظة ضعفك، فزين لك المعاصي التي تبت منها، وكذلك نفسك الأمارة بالسوء كانت في صف الشيطان ضدك، وهذا شأن كل إنسان لا ينتبه لنفسه يا ولدي! فنبيك المصطفى عليه الصلاة والسلام أخبرنا قائلا: (إن الشيطان قعد لابن آدم بطرقه كلها) فكل عمل من الأعمال مهما كان يحرص الشيطان على أن يتواجد فيه؛ ليصرف العبد عن الطاعة إلى المعصية. والشيطان يا ولدي! مثل قاطع الطريق الذي يستغل غفلة المسافرين، وينقض عليهم بغتة وهم لا يشعرون، فيصعب عليهم مقاومته أو التخلص منه، وهذا هو حالك تماما.
أنت مطمئن لأنك على قدر من الاستقامة والطاعة فتراخيت بعض الشيء، ونسيت التحدي الذي ذكرك الله به مرارا في القرآن الكريم، ونسيت عداوة هذا اللعين لك وللمسلمين جميعا، وأحسنت الظن بنفسك، فكانت النتيجة هذه الانتكاسة التي تشكو منها، وهكذا يصرع الشيطان عشرات المسلمين يوميا.
ورغم ذلك فإن من رحمة الله وفضله وعفوه وبره وإحسانه أنه ما من عبد يلجأ إليه ويلوذ به إلا وقف معه وأعانه وصرف عنه كيد عدوه، فلا حل يا ولدي! إلا في العودة إلى صاحب العظمة والجلال الذي هو على كل شيء قدير، وهو الوحيد سبحانه الذي بمقدوره أن يدفع عنك كيد شياطين الإنس والجن، فهلم إلى الله! وابدأ العودة إليه، وتأكد من أنه معك، ولم لن يتخلى عنك سبحانه جلا جلاله، وعلى قدر صدقك في التوبة وطلبها سيكون وقوف الله معك ودفاعه عنك، فاتخذ القرار الشجاع والجريء والقوي، وتوقف فورا عن هذه المعاصي صغيرها وكبيرها، واعلم أنك قادر على ذلك، فلا يضحك عليك الشيطان ويضعف عزيمتك، ويوهمك بأنه لا فائدة من التوبة، أو أن الله لن يقبل منك، أو أن قلبك الآن قاس؛ لأنه قد أظلم وأسود من كثرة المعاصي، فإن الحق تبارك وتعالى قد أخبرنا في كتابه قائلا: (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ))[الزمر:53]. ويقول أيضا: (( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ))[الفرقان:70] ويقول : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))[النساء:48] . والأحاديث في هذا الموضوع كثيرة، ولله الحمد والمنة. فتوكل على الله، وابدأ الخطوة الأولى، وهي التوقف فورا عن هذه المعاصي.
ثانيا: حاول تغيير البيئة، وأقصد بذلك إخراج هذا الجهاز من مكانه المخصص له إلى مكان عام بالمنزل أو غيره؛ لأن الإنسان بطبيعته يستحي كثيرا من الناس، وأن يروه على أمر مخالف للشرع أو العرف، فأخرج الجهاز من مكانه الحالي، كذلك اجعل أوقات دخولك إلى الإنترنت أوقات تواجد الناس حولك، ولا داعي للدخول في الأوقات المتأخرة؛ لأنها تعرضك للضعف وهدم التوبة.
ثالثا: أبحث لك عن رفقة صالحة تقضي معها معظم أوقات فراغك وتذكرك بالله، فالصاحب ساحب، والمرء على دين خليله، كما ورد في السنة.
رابعا: حاول الانخراط في أي عمل دعوي أو اجتماعي تقضي فيه أوقات فراغك وتستهلك قدرا من طاقتك المخزونة والتي تريد أن تخرج وتستثمر.
خامسا: اجعل لنفسك برنامجا لحفظ القرآن الكريم ولو آية أو أكثر يوميا، وواظب على ذلك، أو تخير كتاب في أي علم تحبه، وحاول قراءاته وتحديد مدة محددة لذلك، وهكذا حتى تقوي رصيدك العلمي، وتقضي أوقاتك في بناء نفسك وشخصيتك، وتعلم شيء هادف ونافع ومفيد يرفع من مستواك الإيماني والخلقي والاجتماعي، فالعلم بالتعلم، والعلم يرفع بيتا لا عماد له، فارفع لنفسك بنيانا بين أبراج العز والكرامة.
سادسا: أكثر من الاستغفار والتوبة، خاصة في أوقات الإجابة، واحرص على ذلك دائما.
سابعا: اجتهد في الدعاء والإلحاح على الله أن يعافيك وأن يتوب عليك وأن يتقبل منك.
ثامنا: إذا أحسست بالرغبة في الوقوع في المعصية فاترك مكانك فورا وغير وضعك.
مع تمنياتنا لك بالتوفيق والتوبة النصوح والزوجة الصالحة. وبالله التوفيق.