السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أرجو أن تجدوا لي حلا لمشكلتي.
مشكلتي هي في الكمبيوتر، فما إن أبدأ في تشغيله والجلوس عليه إلا وتمر الساعات الطوال وأنا أمامه، وعندما أقوم عنه أفكر فيه تفكيرا شديدا، فبسببه ضيعت كل شيء من أجله، دروسي، وقرآني، وبري بوالدي، كل هذا بسبب الكمبيوتر، كم فكرت أن أخرجه ولكني أعود إليه، وقد يبلغ بي الحال أني أسهر اليوم واليومين من أجله، أفيدوني بنصحكم وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
ولدي العزيز / محمود ..حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يبارك فيك، وأن يوفقك لاتخاذ القرار المناسب، وأن يشرح صدرك للنافع والمفيد لك في دينك ودنياك، وأن يعنيك على بر والديك والإحسان إليهما.
وبخصوص ما ورد برسالتك:
فيبدو فعلا أنك تعلقت بهذا الجهاز تعلقا شديدا إلى هذه الدرجة المذكورة، والتي أثرت على بقية حياتك، ومما لا شك فيه أن استعمال الجهاز متعة لمن يحسن التعامل معه، خاصة إذا كان في الشيء النافع والمفيد، ولكن يبقى سؤال هام جدا أوجهه لك يا ولدي: ماذا بعد هذا كله؟ هب أنك ستقضي عمرك كله أمام هذا الجهاز، فما الذي ستجنيه في ميزان الربح والخسارة؟ هل ما ستحصل عليه يساوي ما تخسره في أمر دينك ودنياك؟ قطعا لا، وأنت معي ستقول ذلك، فلماذا إذن الاستمرار في صفقة خاسرة أو قليلة النفع والفائدة بالمقارنة بالأمور الأخرى؟ لقد أعطاك الله عقلا راجحا، ولكنك مع شديد الأسف لا تحسن الاستفادة منه، لذا لابد لك من وقفة صادقة، وقرار شجاع وجريء، لابد لك من وقفة مع نفسك ورغبتها لتقول لها: وماذا بعد هذا يا نفسي؟ حاول قرعها بشدة وتأنيبها بقوة؛ لأن عمرك يا ولدي ما هو إلا هذه الساعات التي تقضيها أمام هذه الجهاز، فهل يعقل أن تضيع عمرك هكذا يا محمود؟ أنا أكاد أجزم أنك لا تحب نفسك ولا تحترمها؛ لأنك لو كنت تحبها فعلا لحافظت عليها ولم تضيعها بهذه الصورة، ولفعلت ما يصلحها حتى ولو كان مخالفا لرغبتها وهواها.
يا محمود: توقف من الآن وفورا عن استخدام الجهاز لمدة شهر على الأقل، وأنا أعلم أن القرار صعب، ولكنك قادر عليه، فالذي يكتب يطلب المساعدة قادر وبكل كفاءة أن يتخذ القرار الصعب والذي أصعب من ضياع العمر في اللهو واللعب أو الفائدة المتواضعة.
خذ القرار الآن، وحاول إنقاذ نفسك وما بقي من دينك يا ولدي، واعلم أنك وحدك القادر على حل المشكلة، ولا أريد لمحمود أن ينهزم أمام هذه الآلة الصماء، يا محمود نفسك التي تضيعها أنت في حاجة إليها وهي في أمس الحاجة إليك، والداك في أمس الحاجة إليك وإلى برك وإكرامك، وأمتك الإسلامية الذليلة المهينة في أمس الحاجة إليك عالما متفوقا ،أو مهندسا، أو طبيبا، أو شرطيا، أو مزارعا، أو حدادا، أو بحارا، أو جنديا يذود عنها وعن عرضها وكرامتها.
دينك في حاجة إليك أن تحمله وتنشره في الآفاق كما نشره أجدادك من قبل، يا محمود يا ولدي قم من الآن وأخرج الجهاز فورا من غرفتك، وكن شجاعا، وقل لنفسك سأترك هذا الجهاز شهرا كاملا، ولن أفتحه مطلقا، لتجرب قدرتك على التخلص من هذه العبودية التي وقعت فيها وأنت لا تدري، يا ولدي أنت قادر على تركه طيلة العمر، ولكني أقول اجعلها خطوة أولى لتحرر نفسك من هذا الصنم، ثم بعدها تحدد الساعات التي تتعامل معه فيها على ألا تكون على حساب حياتك ودروسك وقراءتك ووالديك، واعلم ولدي أن الله سائلك عن شبابك وعن عمرك فحضر الإجابة من الآن، واستعد للقاء الله، واعلم أن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ولم ولن تحب الله وأنت تضيع عمرك فيما لا ينفع، فخذ القرار الآن، وتوقف فورا وأخرج الجهاز.
حاول قضاء أكبر وقت ممكن بعيدا عن المنزل في أي عمل نافع آخر، مثلا كصحبة بعض الأخيار والأصدقاء المقربين إليك، أو في زيارة رحم، أو في الاعتكاف ولو لساعات قلائل في المسجد، أو في الذهاب إلى مكة لعمل عمرة لعدة أيام، وكذلك زيارة المدنية المنورة للسلام على خير الأنام، أو المشاركة في بعض النوادي الرياضية ولو بصفة مؤقتة، المهم ابدأ من الآن في استغلال وقتك في أي شيء آخر غير المنزل حتى تتعافى من هذا المرض وتعود إليك عافيتك الإيمانية، والنفسية، والسلوكية، والاجتماعية، واعلم أن الله ناصرك وموفقك على قدر صدقك في ذلك، فأر الله من نفسك خيرا، وسله أن يعينك على أن تتخذ القرار المناسب، وأن تتمكن من تنفيذه، وأن يثبتك على ذلك، وأنا على يقين وثقة من قدرتك على ذلك كله يا ولدي، فتوكل على الله، واعلم أن الله قال: (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه)) [الطلاق:3] وبالله التوفيق.