السؤال
الوحدة قتلتني، أنا فتاة إخوتي بعيدون عني على الرغم من أننا في بيت واحد، أحتاج كثيرا لشخص أتكلم معه، ولا أجد أحدا، صحيح أن كل من حولي يحببونني، لكنني دائما أتمنى لو أن أحدا يحضنني، أحتاج للشعور بالحنان.
منذ صغري لم يحضني أحد ولا حتى أبي وأمي، دائما أبكي لوحدي في غرفتي، وأتمنى أن يدخل أحد علي -أبي أو أمي- ويحضنني.
هم يحبونني لكنني أريد أن أشعر بذلك، ولهذا السبب بدأت أفكر في أنني أريد عائلة، أريد شخصا يقف قربي يمسك يدي .
أنا طالبة في السنة الأخيرة من الجامعة، وأعمل أيضا، من الأوائل في دراستي، وأحاول أن أكون ملتزمة بديني، لكن في الفترة الأخيرة شعرت بأنني أصبحت غبية أو لم تعد لدي القدرة على إعطاء أفضل ما لدي في مجال دراستي وعملي، وذلك بعد أن تعرفت على شاب قريبي، وبدأت أتمنى أن أكون عائلة معه، وأن أكون أما، هو السبب لأنني تعلقت به بشكل لا يصدق بسبب تصرفاته معي.
على الرغم من أن حولي الكثيرين لكن لا أعرف لماذا تعلقت به هو بالذات، وهو الآن يدرس ليكمل الماجستير، ولقد تكلمنا مع بعض عدة مرات في الموضوع، وأحيانا أشعر أنه لا يريدني، وأحيانا أشعر بأنه يخاف علي ولا يريدني أن أنتظره إلى أن يكمل تعليمه.
لا أعرف ماذا أفعل، هل أتركه أم أنتظره؟ المشكلة أنه لا أحد قربي آخذ رأيه ويدلني على الحل، وأريد أن أعود كما كنت لدراستي ومهنتي، لكن لا أستطيع، أريد أن أتكلم مع أي شخص يسمعني.
أرجو منكم عوني ومساعدتي، وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
ابنتي العزيزة/ المهتدية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يحفظك من كل سوء، ونسأله تبارك وتعالى أن يرزقنا الطمأنينة بذكره، وأن يعيننا على شكره وحسن عبادته.
إن الجفاف العاطفي تعاني منه كثير من الفتيات، وليس بالخبز والطعام وحده يعيش الإنسان، فلابد من تلبية حاجة النفوس إلى الأمن والطمأنينة وإظهار مشاعر العطف والحنان تجاه الأبناء والبنات.
وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم على من أنكر تقبيل الصبيان بقوله: (أو أملك إن كان الله قد نزع من قلبك الرحمة؟).
والوحدة شر ولابد أن يجتهد الإنسان في ملء الفراغ بما يرضي الله، وأرجو أن تبحثي عن صديقات من أهل الدين والصلاح حتى تجدي من يعوضك عن بعض الذي فقدته من الحنان.
احمدي الله يا ابنتي، فأنت تعترفين بأن من حولك يحبونك، ولكنهم فقط لا يحسنون التعبير عن ذلك الحب، وأنا أؤكد لك هذا، فكثير من الأبناء والبنات لا يشعرون بحب والديهم إلا عند الأزمات، عندها تظهر الدموع والتأثر البالغ والشفقة الزائدة، وهذا رجل كبير في السن كثيرا ما كان يرتفع صوته مع أبنائه، لكنهم إذا ناموا في الليل يسهر لحمايتهم من البرد، فإذا انكشف الغطاء عن أحدهم سارع إليه، وإذا جلسوا على الطعام وضع أطيب الطعام تحت أيديهم، ولا ينام إذا تأخر أحدهم حتى يراه، فأرجو أن نقدر هذه الوسائل في التعبير، وإن كانت غير كافية؛ لأننا في زمان تباع فيه العواطف الكاذبة على الشاشات، ويظهر الذئاب الفساق في صورة الحمل الوديع ليخدعوا الفتيات بإظهار مشاعر الحب الكاذب والود الخادع، فإذا وجد أحدهم ما يريد تخلى عن فريسته وذهب ليخدع غيرها.
لا شك أن شعورك بأنك محبوبة سوف يخفف عنك الكثير بإذن الله، وهذه طبيعة الفتاة، لابد أن تشعر أنها محبوبة ومقبولة عند كل من حولها، وطبعا المسلمة يهمها ذلك مع محارمها وزوجها فقط، فلابد أن تشعر أنها مقبولة عندهم.
قد ألقت الحياة المادية بظلالها القاتمة وظلامها الدامس على دفء العواطف، وشغلتنا الأموال والاجتهاد في تحسين الأوضاع عن واجباتنا اتجاه إخواننا وأخواتنا، ولكن المسلم يقيم الميزان العدل فلا يرجح جانبا على آخر كما جاء في التوجيه النبوي: (إن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولزوجك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه).
أرجو أن تجتهدي في إظهار مشاعر الحب لأفراد أسرتك، ووجهي عاطفتك إلى الخير، فأحسني إلى الصغار، وأشبعيهم عاطفيا بالقبلة واللمسة الحانية والمسح على رأس اليتيم ومساعدة المحتاج، وقبلي رأس والديك، وإذا ابتعد عنك إخوانك فاقتربي منهم وأشعريهم باهتمامك بهم وعطفك عليهم، واطلبي منهم الاهتمام بك.
المرأة لا تجد نفسها إلا في مملكتها، أرجو أن يوفقك الله بزوج صالح تجدين عنده مشاعر المودة والرحمة، وأن يرزقك بأطفال يسعدون بعطفك عليهم واهتمامك بهم.
يقع على عاتق المتعلمين والمتعلمات تصحيح هذا الواقع الذي يعاني فيه المجتمع من البرود العاطفي.
تذكري أن نعم الله مقسمة، والسعيد هو الذي يرضى بما عنده ويشكر الله عليه، فإذا حرمت من بعض الجوانب فتذكري أن الله وهبك التفوق في دراستك ويسر لك سبل العمل، وهذا ما لا يجده كثير من الشباب فضلا عن الفتيات، فاحرصي على شكر هذه النعم، ومن شكر نعم الله طاعته، واستخدام النعم في مرضاته، والمسلم ينظر إلى من هم أقل منه في كل أمور الدنيا؛ حتى يتمكن من معرفة قدر نعم الله عليه ويقوم بشكره، لكن في أمر الدين ينظر إلى من هم أفضل منه ليتأسى بهم، فلا يكفي أن تحاولي الالتزام ولكن أرجو أن تتمسكي بهذا الإسلام، وتشغلي نفسك بذكر الله وطاعته؛ لأن الذي لا يشغل نفسه بالحق ستقوده نفسه للباطل والهلاك والعياذ بالله.
أنصحك دائما بالتقيد بهذا الإسلام الذي يكرم المرأة ويريد لها الخير، فكل علاقة لا تحكم بضوابط الشرع سوف ندفع ثمنها غاليا: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [النور:63].
عليكما المسارعة في تصحيح هذا الوضع، فإذا كانت لهذا الشاب رغبة أكيدة فعليه أن يطلب يدك رسميا، ولا يعيق الزواج الدراسة، بل إن الاستقرار النفسي من أهم عوامل النجاح.
أوصيك بأن تنظري في دين الخاطب وأمانته وخلقه، فهذه هي البضاعة الرابحة في الدنيا والآخرة، ولا تندفعي وراء الكلمات المعسولة؛ فالإسلام يريد للمرأة أن تكون مطلوبة لا طالبة؛ لأن ذلك في مصلحتها.
إذا لم يعرف الإنسان وجه الخير واحتار في أمره فعليه أن يصلي صلاة الاستخارة، وهي طلب الدلالة على الخير ممن بيده ملكوت كل شيء سبحانه، ولأهميتها فقد كان عليه الصلاة والسلام يعلمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن، وفي الاستخارة لجوء إلى الله وتوجه إليه وتوكل عليه سبحانه، فهو الذي يعلم ما يصلح الإنسان في عاجلته والآجلة.
قولي: (اللهم إن كنت تعلم أن زواجي من فلان خير لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي، وإن كنت تعلم أن في زواجي منه وانتظاري له شر لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به)، ولا بأس من تكرار الصلاة والدعاء، وتأملي عظمة هذا الدعاء؛ فإن النفوس قد تتعلق بأمر ليس في مصلحتها، ولذا قال: (فاصرفه عني واصرفني عنه).
إذا كان أمر هذا الفتى متعثرا فأنصحك بالبعد عنه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، واشغلي نفسك بدراستك وعبادتك لله، فإن تبادل النظرات والعبارات يؤجج العواطف، وقد يدفع إلى الشرور والعياذ بالله، فصوني بصرك واحفظي نفسك واتقي الله واصبري، وسوف يأتيك ما قدره الله لك، فلا تستعجلي الأمر قبل أوانه، وابتعدي عن مواطن الرجال، فإن النظر سهم مسموم، وإذا كان السهم مسموما فإن آثاره تكون شاملة في الجسد وليس في مكان ضربة السهم، ومن أطلق نظراته طالت حسراته.
أنت ما زلت في مقتبل العمر وناجحة في دراستك فلا داعي للقلق، وعليك بحسم الأمر مع هذا الشاب، وإذا كانت له رغبة أكيدة فسوف يسهل الحل بعد ذلك بإذن الله، وإن كانت الأخرى فاتركيه ولا تفكري في أمره، ففي الناس أبدال وفي الترك راحة.
حتى تتمكني من العودة لدراستك أرجو أن تتركي التردد والخوف من المستقبل؛ فإن الأمور بيد الله، ولن يحدث في كونه إلا ما أراده سبحانه.
أكثري من الاستغفار وذكر الرحمن؛ فهذا هو خير دواء للهموم، وهو طارد لعدونا الشيطان الخناس الذي يريد أن يحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله، وعلى الله فليتوكل المؤمنون، وبالله التوفيق.