السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة مسلمة، عمري 24 سنة، موظفة في الدولة، وحاصلة على شهادة معهد متوسط كمبيوتر، مشكلتي تتلخص في أنني أعجبت بشاب يعمل معي في نفس المكان ولكن في قسم آخر، أي لا عمل مشترك بيننا، ولقد بدأ إعجابي به منذ أول مرة رأيته فيها دون أن أعلم عنه شيئا، وشعرت أنني أعرفه منذ زمن، وشعرت بانجذاب كبير نحوه، وقويت مشاعري بعدما عرفت تدينه وقوة إيمانه وتعامله الراقي مع الجميع، واحترام كل من حولي له، وابتعاده عن الاختلاط ليحافظ على دينه ولخشيته من الفتنة، ولرفضه أكل المال الحرام، حتى أنه رشح لدورة في السعودية في موسم الحج ورفض العودة دون أن يؤدي الفريضة، كل ذلك جعلني متعلقة به أكثر، ولكن لا سبيل لي للتعبير عن مشاعري أو معرفة إن كان يبادلني إياها، ولا مجال إطلاقا لتوسيط أحد بيننا؛ لأنني لا أثق بأحد من الموظفين، ولما يسود جو الوظيفة لدينا من فتنة وفساد، وفي نفس الوقت أخاف من غضب الله إذا بدر مني أي شيء يعبر عن مشاعري ولو بالنظرة، وأخاف أن أفقد احترامي لنفسي، حاولت كثيرا النسيان، ودعوت الله كثيرا ولا أزال، وتوكلت عليه كما هي عادتي دائما، وفوضت أمري إليه، وأخذت بالأسباب باللجوء إليكم لحل هذه المشكلة، وما يزيد تعقيدها أنه لا يتقدم لخطبتي أحد، فمنذ عام أو أكثر بقليل لم يأتني أي خاطب، حتى بعض من يعجبون بي في العمل لا يتقدمون لي، وإنما يخطبون فتاة أخرى، رغم أن جميع من حولي يؤكدون لي أنني من المفروض أن أكون متزوجة منذ زمن؛ لأنني والحمد لله على رأيهم أملك كل شيء من التدين والأخلاق والنسب، ولا ينقصني الجمال الذي أملك كل مقوماته، ولكن بالنسبة لي رغم كل إطرائهم والإعجاب الذي أشعر به ممن حولي من الجنس الآخر بسبب هذا الموضوع لا أملك الثقة بنفسي، ومشكلتي الحالية زادت الأمر سوء.
أؤكد لكم أنني راضية بحكم الله وقدره، والحمد لله على كل حال، ولا أطمح للمال أو أي زواج عابر، إنما أريد شخصا مثل هذا الشاب يعينني على ديني ويصوبني إذا أخطأت، ويكون لي السكن الدافئ، ويعيدني إلى الله إذا ابتعدت عنه، ويشاركني هدفي بإنجاب أولاد نربيهم على التدين وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وإنشاء جيل يحرر فلسطين ويعز الله به الإسلام، وينقذ الأمة مما هي فيه، ولقد وجدت كل ما أتمنى في هذا الشخص، لكن لا يمكنني الوصول إليه، فكيف الحل وأنا غير قادرة على النسيان، وقد مر عام على الأمر، وأنا في صراع مع نفسي، ماذا أفعل؟
لقد نصحتني صديقة لي أن أبادره بالسلام دون زيادة أي كلمة بما أننا نعمل في نفس الطابق، وقد تصدف لي رؤيته، فهل أفعل ما نصحتني به صديقتي؟
أرشدوني أرجوكم، جزاكم الله عني كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ N.a حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
ابنتي الكريمة! إن كل شيء بقضاء وقدر، ولكل أجل كتاب، وليس من الضروري أن تكون السعادة في الزواج، أو بوجود الجمال، ولكن السعادة الحقيقية إنما تكون بالإيمان بالله وطاعته؛ فمن نال بعد ذلك شيئا فهو خير إلى خير، فلا تتأثري إذا تأخر مجيء الأزواج؛ فالإنسان لا يدري متى وأين يكون الخير، ففوضي أمرك إلى الله، واجتهدي في طاعته واللجوء إليه.
وقد أعجبتني هذه الثقة في الله والتوكل عليه، وشكرا لك هذا الحرص على صاحب الدين، وإذا وجد الدين والصلاح فهذا ربح في الدنيا والآخرة، وأهل الدين والخلق كثيرون ولله الحمد، فحافظي على احترامك لنفسك، واعلمي أن معظم زملاء الوظائف يتزوجون من الخارج وليس في هذا عيب للزميلات، ولكن الرجل يفضل أن يتزوج من امرأة لا يشعر أنها ندا له ومثيل؛ لأن المعادلة تصبح معقدة بعد الزواج، وقد يكون نجاح الزوجة وفشله في العمل سبب في مشاكل زوجية مستقبلا، كما أن تعامل الزوجة مع بقية الموظفين يملأ قلب الزوج بالغيرة، وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة التي سوف تفسر كل ضحكات زوجها وتعامله مع الموظفات بتفسيرات بعيدة، والشيطان حاضر لتعميق تلك الشكوك في النفوس.
وننصحك بالمحافظة على ما عندك من الحياء، وابتعدي عن مواطن الرجال، وأرجو أن تعاونك هذه الصديقة في إيصال هذه الرغبة له، وقد أرسلت خديجة رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه رغبتها فيه عن طريق امرأة عاقلة، وهذا أسلوب يرفع الحرج عن الطرفين، وطالما أنه صاحب دين فسوف يحفظ هذا السر، ويفضل أن يكون أسلوب العرض لطيفا ومحتشما كأن تقول له: فلانة تذكرك بالخير، وهي معجبة بدينك وأخلاقك وتتمنى أن تفوز برجل مثلك، فهل لك رغبة فيها، ثم تذكر له ما علمته من صفاتك الطيبة.
ولا أنسى أن أذكر بناتي الفضليات بأننا ندفع في كل يوم ثمنا باهظا لمخالفتنا لآداب هذا الدين الذي يحرم الاختلاط ويباعد بين أنفاس الرجال والنساء، فكم من شاب توسع في علاقاته مع فتاة ثم لم يتمكن من الزواج فكانت الآهات والحسرات، وكم من فتاة تطلعت للزواج من شاب فحيل بينها وبين ما تشتهي فكان الشقاء، والإسلام يدعو الشباب والفتيات إلى غض الأبصار؛ لأنه السبيل إلى حفظ الفروج وصفاء النفوس: ((ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون))[النور:30].
ولا تبادريه بالتحية خاصة إذا كان وحده، وقد لا يشعر بأي شيء من خلال السلام؛ لأن الشخص المميز كل الناس يهتمون به ويحبونه فيصبح الأمر عنده عادي جدا، ولكن هذه الصديقة تستطيع أن توصل هذه المشاعر ولو عن طريق قريباته ومحارمه.
وحاولي معرفة أخبار هذا الشاب عن طريق الصديقات، فربما كان مرتبطا بفتاة أخرى في خارج دائرة العمل، وتوجهي إلى الله بالدعاء، واسأليه أن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، وعمري قلبك بحب الله ورسوله، واعلمي أن الخير بيد الله، ((ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا))[الطلاق:4].
أسأل الله لك التوفيق والسداد.