السؤال
ضاقت علي الدنيا بالهموم والمشاكل، ودعوتي لا تستجاب، ماذا أفعل؟ ليس لي سبيل غير الموت فهو راحة لي من كل شيء، هل أرضي ربي أو أهلي ومجتمعي؟ فإذا أرضيت ربي غضب الأهل، وإذا رضيت أهلي فقدت سعادتي وفرحتي، ماذا أفعل؟
كلنا يخطئ، وخيرنا التائب، فقد تبت إلى الله، ومع هذا أشعر بأن همومي مستمرة، ودعوتي لا تستجاب، ماذا أفعل؟
أرشدوني وانصحوني .
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ أم عبد العزيز حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله العظيم أن ييسر الأمور ويغفر الذنوب، وأن يعيننا جميعا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا شرور أنفسنا.
فإنه لا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت لضر نزل به، فإن كان لا محالة فاعلا فلا بأس من أن يقول اللهم: أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، (وخير الناس من طال عمره وحسن عمله)، ولعل الإنسان يعيش فيفعل خيرا أو يتوب وينيب إلى الله.
وإذا حرص الإنسان على أن يرضي ربه رضي عنه وأرضى عنه الناس، وما تقرب العباد إلى الله بأحب مما افترضه عليهم، ولا يزال العبد يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه، وإذا أحب الله عبدا أمر الملك أن ينادى بأن الله يحب فلانا فيحبه أهل السماء، ثم يلقى له القبول في الأرض، وينال محبة الناس وإكرامهم له، وقد قال سبحانه: (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ))[مريم:96] وقال في وصف أوليائه المتقين: (( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا ))[يونس:62-64] وهي الثناء الحسن والقبول بين الناس عند ذلك، فاجعلي هدفك وغايتك رضوان الله، وسوف يرضى عنك الخلق عند ذلك، أما إذا طلب الإنسان رضا الناس فهذا محروم من الخير؛ لأن رضا الناس غاية لا تدرك، فكما قيل: لا يعجبهم العجب.
وإذا مدحوا الإنسان اليوم ذموه غدا، وهم لا يملكون لأنفسهم -فضلا عن غيرهم- نفعا ولا ضرا، وإذا رضي الله عن الإنسان فلا يضره سخط الناس وغضبهم، ولن ينال الإنسان السعادة إلا بطاعة الله وطلب رضوانه، فلنجعل عملنا لله، وفرحنا بما أكرمنا به الإسلام والهدى والقرآن (( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ))[يونس:58] واعلمي أن الطمأنينة والسعادة لا توجد إلا في رحاب الإيمان والذكر، قال تعالى: (( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ))[الرعد:28].
واعلمي أن التوبة تمحو ما قبلها، (والتائب من الذنب كمن لا ذنب له)، بل إن الذي يصدق في توبته ويخلص في أوبته يبدل الله سيئاته إلى حسنات، كما قال تعالى: (( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ))[الفرقان:70] وعليك بالذكر والاستغفار واللجوء إلى الغفار سبحانه، واجتهدي في تلاوة القرآن، وابحثي عن رفيقات صالحات، واجتهدي في تحصيل الحسنات الماحية، ولا تتوقفي عن الدعاء والتضرع، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: وما الاستعجال يا رسول الله؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجب لي فيتحسر عند ذلك ويدع الدعاء) وأبشري فإنه ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: أما أن يستجيب دعوته، وأما أن يدفع عنه من البلاء مثلها، وإما أن يدخر له من الأجر والثواب مثلها، فأكثري من الدعاء، واعلمي أن الإجابة قد تكون بإحدى الصور السابقة، ورحم الله رجالا في سلفنا كان يدعون الله فإن أعطاهم شكروه، وإن تأخرت الإجابة يرجع أحدهم بالملامة على نفسه ويقول لها: مثلك لا يجاب، ويجتهد في الاستغفار والطاعات، أو يقول: لعل المصلحة في أن لا أجاب، فالمسلم يحرص على الدعاء؛ لأن الدعاء عبادة يؤجر عليها فاعلها، بل إن الدعاء هو العبادة.
وللدعاء آداب لا بد من مراعاتها، منها:
1- الإخلاص وحضور القلب، فالله لا يستجيب الدعاء من قلب ساه لاه.
2- أن لا يكون في الدعاء إثم أو قطيعة رحم.
3- أن يحرص الداعي على طلب الحلال.
4- أن يعزم في المسألة، ويلح في الدعاء، ويكرر الطلب.
5- أن يوقن بالإجابة.
6- أن يقدم بين الدعاء طاعات، ويثني على الله، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
7- أن يجتهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب استطاعته.
والله الموفق.