ما علاقة الاستخارة بالفشل المتكرر للزواج؟

0 562

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فمشكلتي أنني اعتدت الاستخارة في جل قراراتي، ولكني فشلت بتجربتي زواج بعد استخارات عديدة قبلها، ثم تتيسر الأمور للزواج، وقبل زواجي الثاني استخرت قرابة شهر كامل، وتيسر الزواج، وكنت عازمة على الاستمرار؛ حتى لا أكرر مأساة الطلاق الأولى - التي حدثت بسبب إدمانه (زوجي الأول) - فقدمت تنازلات عديدة لم تفلح، وقبيل مغادرتي لبيتي بينما كان زوجي بكل هدوء يحفزني للخروج (لخلافات بسيطة بينه وبين أهلي)، وباستفزاز عجيب (وهو صاحب حيلة) ولثواني شاهدته برأس شيطان بأذن كبيرة، وشعر ممتد طولا لأعلى! ثم عاد إلى شكله طبعا.

لم أشعره بذلك، إلا أنني تملكني الخوف من رؤيته بهذا المنظر.

استخرت الله في أمر الخروج من بيتي، وانتظرت عقبة تمنعني؛ فلم أجد إلا كل تسهيل منه وخرجت، بعدها بيومين أرسل طلاقي؛ بحجة أنني خرجت من بيته، وقد كان غاضبا! مما أشعرني بلوم الذات كثيرا، وطوال العدة أتودد إليه برسائل لإعادتي مستعينة بالاستخارات شبه اليومية، وأعادني بعد شهرين لفظا فقط، حيث يرفض عودتي إلا بشروط لا أملكها، تتعلق بأهلي، ولي عام تقريبا.

أنا مؤمنة - بحمد الله - بالقدر، وقد أنعم الله علي بنعم عظيمة، ولكن أتساءل عن هذه الاستخارات، والفشل في الزواج، والخروج من البيت، والطلاق بعدها مباشرة؛ حتى بات أهلي يضحكون إذا نصحت أحدهم بالاستخارة.

أرجو أن أجد لديكم ما يدعمني نفسيا، مع الشكر الجزيل لحسن تجاوبكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نسأل الله العظيم أن يقدر لك الخير، وأن يرضيك به، وأن يكتب لك التوفيق والسداد.

فإنه ما ندم من استخار، ولا خاب من استشار، والاستخارة لا تأتي إلا بالخير، والإنسان لا يعرف أين يكون الخير، وعجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، والاستخارة لا تعني أن الإنسان لا تواجهه صعوبات في حياته أو أزمات في طريقه؛ لأن عظم الجزاء مع عظم البلاء، ومن رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط، وأمر الله نافذ، وأعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم.

ولكن من فوائد الاستخارة وثمراتها أن الإنسان لا يندم إذا حدث له مكروه؛ لأنه قد أدى ما عليه وفوض الأمر إلى الله، وسأل العظيم أن يرزقه الرضى بما يقدره له سبحانه، وهو في كل حال مأجور ومعذور؛ لأنه لا يملك تغيير ما قدره الله، فلن يحدث في هذا الكون إلا ما أرداه سبحانه وتعالى وقدره على عباده، وكم من مسلم يتوجه إلى الله فلا تستجاب دعوته، ولكنه يؤجر على لجوئه إلى الله، فما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يستجيب له دعوته، وإما أن يصرف عنه من السوء والشر مثلها، وإما أن يدخر له من الثواب والأجر مثلها، ورحم الله سلفنا الأبرار الذين كانوا يتوجهون إلى الله فإن أعطاهم شكروه، وإن حرموا الإجابة كانوا بالمنع راضين، يرجع أحدهم بالملامة على نفسه، فيقول لها: مثلك لا يجاب، أو لعل المصلحة في أن لا أجاب، ثم يستغفرون الله ويتوبون إليه، فإنه ما ترك بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، قال تعالى: (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ))[الشورى:30].

واعلمي أن اعتيادك للاستخارة ليس مشكلة، بل هو نعمة من الله عليك، وليس للاستخارة علاقة بالفشل المتكرر، وتأكدي أنك لا تصلي الاستخارة بعد تحديد هدفك؛ لأن الاستخارة إنما تكون عندما لا يتبين الحق، أما إذا حدد الإنسان ما يريد فإنه يمضي، فبعض الناس يصلي الاستخارة مع أنه حدد رأيه واختار ما يريد قبل الاستخارة، وهذا غير صحيح، وعند التأمل نلاحظ أن الخير كان في مفارقة ذلك الرجل المدمن.

أما مسألة استعجال الخروج من المنزل، فلا شك أنها لم تكن موفقة، فمن الخطأ للمرأة أن تترك بيت الزوجية حتى إذا طلقها زوجها طلقة رجعية، فالصواب أن تمكث في بيتها، ولا تخرج إلا إذا جاءت بفاحشة متناهية في القبح، قال تعالى: (( لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ))[الطلاق:1] وفي ذلك حتى يسهل للرجل مراجعة نفسه، وكذلك المرأة، فإن رغبا في العودة تمت في يسر وستر.

ولا شك أن الشيطان يحضر هذه الخصومات، ويسيطر على الغضبان، والغضب من الشيطان، حتى قال بعض السلف: ألا ترون إلى حمرة عيني الغضبان وانتفاخ أوداجه وقبح منظره، ولذا كان من علاج الغضب التعوذ بالله من الشيطان، والحرص على ذكر الرحمن؛ لأنه يطرد الشيطان، والوضوء كذلك؛ لأن الشيطان من نار والنار تطفئ بالماء، فالغضان يسيطر عليه الشيطان، وإذا رأى الإنسان منظرا قبيحا فإنه يتعوذ بالله من الشيطان، ويذكر الله، ويقرأ القرآن أو يردد ألفاظ الأذان، وأرجو أن تصبري وعاقبة الصبر محمودة، ولا تتركي الاستخارة والتوجه إلى الله لأجل تعليقات الأهل وضحكاتهم، وعليك بزيادة التمسك بصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة، وأكثري من ذكر الله وطاعته والاستغفار، فهذا هو الذي يغيظ الشيطان ويطرده من بيتك.

وإذا تذكر الإنسان مصائب الناس هانت عليه مشاكله، وإذا سلم للإنسان دينه فكل مصيبة بعد ذلك هينة، ولا شك أن حرصه على إرجاعك بعد شهرين دليل على أن لديه رغبة، ولكن ربما كان بعض الأصدقاء والأهل يطلب منه عدم الاستعجال، ونسأل الله أن يؤلف بين القلوب، وأن يجمع شمل أسرتكم، وأن يعين الجميع على ذكره وشكره وحسن عبادته.

وبالله التوفيق.



مواد ذات صلة

الاستشارات