كيفية التعامل مع من يغرقون في تعاملهم مع الناس حسب المستوى والطبقات

0 515

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
مشكلتي مع العائلة، أو بمفهوم آخر (القبيلة): فقبل حوالي عشرين سنة كنا جميعا بمستوى واحد تقريبا، من الناحية العلمية والمالية والمعيشية، وكان السائد بيننا الحب والمودة والتعاون، وبعد هذه الفترة تعلم الأبناء، ومنهم من حصل على مناصب، وهنا تغيرت الأسر، فمنها الفقير، ومنها الغني نسبيا، فصار هناك طبقية في التعامل فيما بينهم، مع وجود التواصل، فأصبح هؤلاء ينظرون إلى أنفسهم نظرة استعلاء، ومما ساعدهم على هذا الاستعلاء هو نظر بعض الأسر لهم نظرة إكبار وإجلال، أما بعض الأسر فتنظر إليهم نظرة طبيعية؛ نظرا لأصلهم قبل عشرين عاما.
المشكلة أن زوجتي وأهلها ممن ينظرون إلى هؤلاء نظرة إكبار، أما أنا وعائلتي فننظر إليهم نظرة طبيعية، وهذه النظرة بين الفريقين أحدثت تفريقا في المعاملة والمعاشرة في القبيلة، ففي الحفلات تجد من بعض أفراد القبيلة من يرحب بهؤلاء ويجالسهم ويهتم بهم؛ نظرا إلى مناصبهم أو مساكنهم أو غير ذلك من الشكليات التي لا تقدم ولا تؤخر، أما نحن فلا يهتم بنا، ولا يجلس معنا، فقط سلام ثم انصراف، وسؤالي: كيف أتعامل مع هؤلاء وهؤلاء؟ وكيف أتعامل مع زوجتي وأهلها الذين يجعلونهم قدوة ورمزا لهم على التقدم؟

أرجو أن تفيدوني أفادكم الله.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل / سلطان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله العظيم أن يوفقك للخير، وأن يهدينا جميعا لأحسن الأخلاق؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو سبحانه، وأن يرزقنا السداد والرشاد، اللهم آمين.
إن الإنسان يبتلى بالخير والشر، وامتحان النعم قل من ينجح فيه، وهذا نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام سأل الوهاب؛ فوهبه سبحانه، ولما وجد عرش بلقيس بين يديه، قال بلسان أهل الإيمان: ((هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر))[النمل:40]، ومن تمام شكر نعمة الله استخدامها في طاعته، وعدم التفاخر بها على الناس كما يفعل أهل الغفلة، فإن العمل بالطاعة شكر لله، (( اعملوا آل داود شكرا ))[سبأ:13]
والعاقل لا تزيده المناصب والأموال إلا تواضعا؛ لأنه يعرف أن المال عرض زائل، وأن المناصب لو دامت لغيره لما وصلت إليه، وإذا رفع الله الإنسان في هذه الدنيا، فعليه أن يرفع معه أهله، وخاصة والديه، لا كما يفعل أهل الشر الذين ربما تنكر بعضهم إلى من رباه وسهر من أجل راحته.

والمؤمن لا ينخدع بالمظاهر، فرب رجل مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره، والله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسادنا ولا إلى أموالنا، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، وقيمة المرء بطهارة قلبه وجودة عمله وتقواه لله.

وفي القرآن تهديد ووعيد للذين تغيرهم المناصب والأموال، فيتكبرون ويقطعون أرحامهم، قال تعالى : (( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ))[محمد:22-23].
وإذا كان التواصل موجودا بينكم، فهذه نعمة وخير كثير، وعليكم تصحح المفاهيم ليدوم التواصل والتعاطف، ولاشك أن كثيرا من الناس تفسدهم نظرة الناس إليهم، ولكن العاقل يعرف قدر نفسه، ويعلم أنه يرتفع بتواضعه، وقد ورد عن رسولنا صلى الله عليه وسلم: (وما تواضع أحد لله إلا رفعه ...)، ولكن الصواب أيضا أن ننزل الناس منازلهم، وعلى المسئول أن يظهر التواضع، ويحذر من شياطين الإنس والجن، وهذا صديق الأمة رضي الله عنه كان يحلب الشياه للأيتام والأرامل، وسمع امرأة تقول : "أصبح أبو بكر خليفة لرسول الله، فمتى يحلب لنا شياهنا؟!" فقال رضي الله عنه: "أنا سوف أحلب الشياه، وأرجو ألا يغيرني الله عن خلق كنت أعتاده".

والحق وسط بين الإفراط والتفريط، والمسلم يظهر البشاشة والاهتمام بالناس جميعا دون النظر إلى مناصبهم أو أموالهم، وكان - صلى الله عليه وسلم لا يصرف وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرف وجهه، ولا ينزع يده إذا صافح حتى يكون الرجل هو الذي ينزع، وكان كل من يجالسه يشعر بحفاوته واهتمامه، وكان يوزع النظرات والكلمات والاهتمام بين جلسائه عليه صلاة الله وسلامه، ولا يقدم المسلم رجلا على غيره إلا إذا كان من أهل القرآن العاملين به، أو كان كبيرا في السن، أو له فضل على غيره، كالوالد مثلا.

والمؤمن مأمور بأن يكون مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه، ولا يمد عينه إلى ما في أيدي الناس من متاع، وقد انقسم الناس أمام نموذج قارون، وكان اختيار أهل الإيمان في النظر إلى ما عند الله في ثواب وحسن عاقبة، وقد سرد القرآن قصته فقال: (( فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون ))[القصص:79-80].

فاجتهد في نصح أهلك من الأغنياء والفقراء، ولا يجوز لنا أن نتهم كل مسئول أو غني بأنه متكبر، وعلينا أن نعين إخواننا على الشيطان وليس العكس، وسوف يساعدكم في تصحيح الوضع اللطف والكلمة الطيبة والاهتمام بالجميع.

ونسأل الله أن يعين الجميع على طاعته!.


مواد ذات صلة

الاستشارات