السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سأقول مشكلتي، وسؤالي وحكايتي.
مشكلتي الصداقة: أريد أن أستأجر العام الدراسي القادم مع زملاء في الدراسة، غير أنهم كالتالي:
اثنان يعتقدان بضرورة اتباع السلف حتى شكليا، وهما يتعبدان ولكن بسبب اختلاطهما بغير المتعبدين يقولان كلاما غير لائق أحيانا.
وثالث غير متعبد، وهو غير مؤثر على الآخرين، ولكن يعتقد بضرورة اتباع السلف في كل شيء وهو يتصرف كغالبية الشباب.
سؤالي: لا أجد من الشباب من أحبه في الله أكثر من هؤلاء الثلاثة، لأنهم بحسب رأيي مفتاح تطويري لأفكاري وسلوكي الاجتماعي الإيجابي، فهل اختياري في مصاحبتهم سليم؟
حكايتي: أنا تائه منذ أن بلغت المراهقة، لا أعرف للحياة طعما، ولا تتمتع نفسي بنعمة الإحساس بالحياة كالشباب، لم أطور تفكيري، ولا جسمي، وإنما سعيت للتدين ولم أفلح ونجحت في دراستي.
في الجامعة لم أستطع التكيف مع التطورات الخطيرة للبيئة حولي، فانكفأت على نفسي وعلى الإنترنت، وصرت أبحث وأبحث في ذاتي ومكونات هويتي، وأسعى للتطور، وطبعا فشلت كثيرا، ولم أيأس حتى الآن! ولن أيأس مستقبلا بحول الله؛ لأني أريد نفسي صانعا للحياة بإذن الله كما يدعو برنامجي المفضل الذي تابعته منذ البداية -صناع الحياة- لأنه يجعل الشاب يستكشف قدراته على فعل الخير في سبيل الله، ويزيد في قوة الشخصية والصحة النفسية.
بحثي في نفسي وفي الإنترنت وفي المجتمع عن مكونات شخصيتي التي أريد أن تجعلني أطور من تفكيري وسلوكي الاجتماعي، وهما مشكلتان بالنسبة لي، كما أن الجسم والدين مشكلتان، ولكن بالنسبة للدين يلزمني توبة نصوح عاجلة، وللجسم لأكون رياضيا نشيطا.
أما مشكلة التفكير ـ سرعة البديهة والتخيل ـ والسلوك الاجتماعي فأتعلمه بحسب رأيي من الأصدقاء إضافة إلى اجتهادي الذاتي. أخي في الله، أرجو إن كان رأيي غير صحيح تماما أن تصحح مفاهيمي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ عبد الله حفظه الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك، ويلهمنا جميعا رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
فقد أعجبني إصرارك على النجاح، وكرر المحاولات، فلابد لمن يكثر طرق الأبواب أن يلج، والمؤمن يفعل ما عليه ثم يتوكل على الحي الذي لا يموت، فليس فعل الأسباب وحده كاف إذا لم يكن قبله وبعده توفيق من مسبب الأسباب خالق الدنيا ومالك يوم الحساب.
والمؤمن إذا لم يتبين له وجه الخير يتوجه إلى من بيده الخير، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم أصحابه الاستخارة كما يعلهم السورة من القرآن، وإذا كان جميع الأخوة فيهم خير وحرص على اتباع سلفنا الأبرار فإننا ننصحك بمراعاة الجوانب التالية:
1- النظر في أعمارهم ومصادقة الأقرب إليك في السن؛ لأن الإنسان لا يصادق من هو أكبر منه ولا من هو أصغر منه.
2- حاول معرفة الأسر التي خرجوا منها إن أمكن.
3- أبحث عن الأقرب في ثقافته ومركزه الاجتماعي.
4- صادق الأرفق فإنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير.
5- عليك بصاحب الخلق الحسن، فلا خير في من لا يألف ولا يؤلف.
6- وإذا وجدت في صديقك سلبيات فتذكر ما عنده من حسنات، والتمس له الأعذار، وأرجو أن تتأكد أنك تستطيع أن تفعل الكثير بإذن الله؛ فإن كثيرا من العظماء كان عاديا في بدايات حياته، وربما وجد من يعيب عليه تقصيره فكان ذلك دافعا له إلى النجاح.
ومن المهم جدا أن يحدد الإنسان لنفسه هدفا يسعى لتحقيقه؛ لأن وجود الهدف يحرك في النفس عناصر الجدية، وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام، وقد اقتضت حكمة الله أن يقسم المواهب كما يقسم الأرزاق، وكلنا صاحب نعمة ولكن أكثر الناس لا يشكرون، ومن واجب الإنسان أن يجتهد في اكتشاف مواهبه ويسعى في تنميتها دون النظر إلى ما عند الناس، فكل ميسر لما خلق الله، والبشرية تحتاج لكافة التخصصات؛ لأن الإنسان مدني بطبعه فهو لا يستطيع أن يعيش وحده وأحسن من قال:-
الناس للناس من بدو وحاضرة *** بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
وما ذكرته صواب، فإن الإنسان يتعلم من مدرسة الحياة المفتوحة الكثير والكثير، كما أن القراءة عن الناجحين مفيدة جدا فإن من يقرأ التاريخ يضيف خبرات عظيمة إلى مواهبه ويبدأ من حيث انتهى أوائل العظماء، بل إن الإنسان يتعلم حتى من مخلوقات الله الأخرى فأمة النمل منظمة، والنحل حشرة نظيفة ونشيطة ومتعاونة وهكذا.
وأرجو أن تحرص على طاعة الله، وتواظب على الصلوات في وقتها، ونطلب أعلى صور التأسي فنقتدي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته البررة، واحرص على صيانة أوقاتك، فإن تضييع الوقت من علامات المقت كما قال ابن القيم رحمه الله، وقال أيضا تضييع الوقت أشد من الموت؛ لأن الموت يقطعك عن الناس وتضييع الوقت يقطعك عن الله.
ولاشك أن الرياضة مهمة بشرط عدم الإسراف في ذلك وعدم جعلها غاية فهي وسيلة فقط، وإذا لم تثمر نشاطا في العبادة وجدية في الحياة فلا خير فيها. ولا تؤخر التوبة فإن الإنسان لا يدري ما يعرض له، وأبشر فإن الله يحب التوابين ويجب المتطهرين، والذنوب لها آثارها المدمرة ومنها حرمان التوفيق والنجاح.
والله ولي التوفيق والسداد!