السؤال
أنا محاضرة في الجامعة، وبالرغم من تحضيري الجيد للمادة التي أقوم بتدريسها إلا أني لا أشعر أني أستطيع إيصال المعلومة إلى الطلبة، مع العلم بأني أحاول بذل جهدي لعمل ذلك!
كما أن بعض الطلبة الكسالى والذين قد وجهت إليهم بعض الملاحظات لقلة أدبهم في المحاضرة قد ذهبوا إلى بعض الأشخاص في الكلية، وقالوا لهم: إنهم لا يفهمونني أثناء المحاضرة!
من جهة ثانية: أريد أن أقول بأن صوتي ليس قويا، وشخصيتي ليست قوية بالشكل المطلوب لمثل هذه الوظيفة، فماذا أعمل؟ هل العيب مني أم هو من الطلبة، أم منا جميعا؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ه-ح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك، ويلهمنا جميعا رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
فإن إحساس الإنسان بالنقص ينبغي أن يدفعه لطلب الكمال، ولن يبلغه إلا بالاستعانة بذي العظمة والجلال، فإنه لا خاذل لمن وفق، وما على الإنسان إلا أن يفعل الأسباب، ثم يتوكل على العزيز الوهاب.
وإذا كان بعض الطلاب لا يفهمون عنك، فإن الآخرين يفهمون وينتفعون ويتعلمون على يديك بإذن الله، ولا داعي للقلق؛ فإن الإنسان يتدرب مع مرور الوقت، ومن خلال تكرار المحاولات والاجتهاد في تفادي العثرات.
وهذه بعض التنبيهات والوسائل التي تعينك ـ بإذن الله ـ على تحسين الأداء، وهي كما يلي:-
1- التوجه إلى الله والاستغفار، وإظهار الفقر إليه، وطلب التأييد منه سبحانه.
2- الاهتمام بالمظهر المحتشم والاتزان في التصرفات حتى لا تفقدي السيطرة على الطلاب.
3- إشاعة العدل بين الطلاب، والمعلم الناجح يعدل بين طلابه في الاهتمام والسؤال وتوزيع الفرص.
4- مراعاة الفروق الفردية والأخذ بأيدي الضعاف.
5- التغافل عن الأخطاء الصغيرة، وترك كثرة العتاب واللوم.
6- تجنب الإساءة للطالبة أمام زميلاتها، وضرورة اختيار الألفاظ المناسبة عند النقد والتوجيه حتى لا نكسب عداء الطلاب.
7- تجنب المقارنات السالبة، فلا تقولي فلانة كسولة وفلانة جيدة، والصواب أن نقول: نعم الطالب فلان إذا سمع الكلام، ونعم الطالب فلان إذا ركز في دورسه، وهذا منهج نبوي: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل).
8- عفة النفس والاستغناء عن ما في أيدي الناس كما قال الحسن البصري الذي ارتفع لأنه استغنى عن الناس واحتاج الناس لما عنده.
9- الثقة بالنفس والفهم للمادة وحسن التحضير، وتنويع أساليب العرض.
10- تكرار الشرح والاجتهاد في توضيح الدرس للطلاب ومعاونة الضعيف، ومن كان في حاجة المسلم كان الله في حاجته، ومن يسر على معسر يسر الله عليه.
11- استخدام الوسائل الإيضاحية، واستعمال أساليب الحوار، والاهتمام بدراسة الأساليب التربوية، والاستفادة من طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم، فقد كان يستخدم الاستفهام والقصص، وضرب الأمثال إلى غير ذلك من الأساليب النافعة.
وأرجو عدم الاستعجال؛ فإن الممارسة العملية تكسب المدرس مهارات جديدة، ويعتاد المواجهة، ويستطيع أن يطور الأداء، وهكذا فعل أغلب الأساتذة الكبار الذين واجهتهم نفس المشاكل لكنهم تغلبوا عليها بإصرارهم بعد توفيق الله.
والأفضل للمرأة أن تدرس بنات جنسها لأنها أعرف بطبائع النساء، وقد تواجه المرأة صعوبات إذا كانت تدرس طلابا ذكورا خاصة ونحن في زمان كثرت فيه التحديات التي تواجه المربين والآباء، حيث أصبح العالم قرية واحدة، ويؤسف الإنسان أن يقول بأنه قد انتشرت ثقافة مدارس المشاغبين من خلال (الكوميديا الضاحكة) التي لم تراع الأسس التربوية، وتنازل كثير من الآباء والأمهات عن مهمة التربية، وتدنت مكانة المعلم في نفوس الآباء فضلا عن الأبناء، مع أننا أمة تحترم المعلم وتجعل ذلك من تعاليم هذا الدين وواجباته (وليس منا من لم يعرف لعالمنا حقه).
وأرجو أن تثقي بنفسك، وتتوكلي على الله، فلا شك أن مؤهلاتك العلمية هي التي أوصلتك – بعد توفيق الله – إلى هذا المستوى، والمطلوب هو الصبر وتطوير الأداء والاستفادة من النظريات التربوية.
أما بالنسبة للطلاب؛ فلا شك أنهم قد تأثروا بالمتغيرات السريعة والغزو الثقافي الذي بات يهدد الناس في داخل بيوتهم، وقد ماتت في نفوس كثير من الأطفال معاني البراءة والصفاء، وهذا تحد كبير يواجه العاملين في حقل التربية، والعاقل يعرف أحوال زمانه ويربي أبناءه لزمان غير زمانه، ومنهج التربية الإسلامية صالح لكل زمان ومكان؛ لكننا نحتاج لاستخراج تلك الدرر والجواهر من بطون تاريخنا، وقبل ذلك من كتاب ربنا وسنة نبينا، حتى نتمكن بعون الله من إنقاذ هذا الجيل الذي تنصل من رعايته كثير من الآباء والأمهات.
ونسأل الله أن يعيننا على خدمة شباب الأمة، فإنهم نصف الحاضر، لكنهم كل المستقبل، وإذا أحسنا تربيتهم وتعليمهم وصبرنا عليهم فإننا نضمن بإذن الله لأمتنا غدا أفضل من يومها.
والله ولي التوفيق والسداد!