السؤال
السلام عليكم.
فأنا طالب في الصف العاشر (الأول ثانوي) تراجع مستواي العلمي في آخر سنتين، كانت علاماتي تتراوح بين ال 92 - 96، والآن صارت علاماتي بين الثمانين والخمسة والسبعين، لا أريد وضع اللوم على الظروف التي مررت بها من تغير المدرسة والانتقال للعيش في بلد آخر ثم العودة للوطن في منتصف الفصل الدراسي الأول.
والمشكلة أن هذا يشكل بالنسبة لي نوعا من النقص، ولقد اطلعت على مقال الشعور بالنقص، لكني لا أمارس هواية معينة أي لست بارعا في مجال معين، فلست متميزا برياضة أو بإبداع أو أي شيء، فحياتي روتينية أعود من المدرسة إلى البيت، قد أخرج إلى النادي لكن كوني غير محترف أو حتى مستواي ليس متقدما في نوع من الرياضة يجعلني لا أحب المشاركة مع الشباب. فأرجو منكم مساعدتي لأوقف زحف اليأس والفشل إلى قلبي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
فإن نعم الله تدوم بالشكر، وكان السلف يسمون الشكر بالحافظ، وبالشكر ينال الإنسان المزيد، فكانوا يسمون الشكر بالجالب للنعم قال تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)[إبراهيم:7]، وهنيئا لك بتوفيق الله لك وأرجو أن تجتهد في طاعة الله، فإن من أوسع أبواب الشكر العمل بطاعة الله قال تعالى: (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور)[سبأ:13].
وليس في نقص هذه الدرجات عيب ولكل جواد كبوة، ولن يعرف الإنسان قدر النجاح إلا إذا نقصت درجاته، ولكن أصحاب الهمم العالية لا يتوقفون عند العوائق بل يتخذونها منطلقا للنجاح.
وهذا الإحساس دليل على أنك صاحب همة عالية لا ترضى إلا بالمعالي، وهذه نعمة أرجو أن تؤدي شكرها، وتجتهد في اتخاذ أسباب النحاج ثم تتوكل على الكريم الفتاح.
وكيف يشعر بالنقص من كان متفوقا في دراسته، فاطرد عن نفسك هذه الوساوس واجتهد في اكتشاف مواهبك الكامنة، فقد اقتضت حكمة الله أن يكون لكل إنسان جوانب يفوق فيها أقرانه والنجاح الحقيقي يكون باكتشافنا لتلك المواهب وتوجيهها لتكون في خدمة عقيدتنا وأمتنا، وقد أرجع بعض الباحثين أسباب التفوق الباهر والانتصارات الكبرى التي حققها الصحابة الأبرار وتابعوهم الأخيار إلى إيمانهم العميق وطواعيتهم لله ورسوله واتحاد كلمتهم، بالإضافة إلى حسن تربية النبي صلى الله عليه وسلم التي وضعت الرجل المناسب في المكان المناسب، ووجهت المواهب والقدرات في خدمة الدين المنزل من رب الأرض والسموات.
والصواب أن تعرف أن الدرجات المرتفعة التي كنت قد حققتها دليل على أنك متفوق في أكثر من ميدان، وأرجو أن تركز على المواد التي تجد في نفسك حبا وميلا إليها.
وأنصحك بعدم النظر إلى ما عند الناس، فإن المسلم ينظر إلى من هم أسفل منه ولا ينظر إلى من هم فوقه كيلا يزدري نعمة الله عليه، قال تعالى: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى)[طه:131].
والله تبارك وتعالى يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولكنه لا يعطي الدين إلا من أحب، والفلاح أن ينظر المؤمن إلى من هم فوقه في الدين والطاعة ليتأسى بهم، وينظر إلى من هم أقل منه في درجات النجاح وفي العافية وكل نعم الدنيا ليعرف قدر نعمة الله عليه حتى يتمكن من الشكر ويرضى بقسمة الله بين عباده.
وأرجو أن نعلم أن الرياضة ليست غاية لكنها وسيلة فقط، وإذا تحولت إلى غاية وأمنية فهذا خسران كبير لأننا خلقنا لعبادة الله وطاعته، وكل موهبة تنال أهيمتها بحسن خدمتها لهذا الهدف العظيم الذي هو غاية وجودنا في الأرض قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)[الذاريات:56].
ويؤسف الإنسان أن يقول أن كثيرا من المواهب توجه للعصيان فإذا وجدوا صوتا جميلا سرقوه ليكون مزمارا للشيطان، أو وجدوا شابا قويا خدعوه ليكون عبدا للكرة والشهرة، ولكن رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما سمع جمال صوت أبي محذورة الذي كان يستهزئ بأذان بلال رضي الله عنه اتخذه مؤذنا، وكذلك فعل ابن مسعود رضي الله عنه مع بعض المغنين عندما قال له: (ما أجمل هذا الصوت لو كان بالقرآن)، فكانت هذه الموعظة القصيرة سببا في هدايته، وقد قالت أمنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن أقل ما يجب على من أنعم الله عليه بنعمة ألا يستخدم نعمة الله في معاصيه، وقد جاء في قصة موسى عليه السلام الذي منحه الله قوة: (قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين)[القصص:17] فلن أستخدم هذه النعمة في معاونة المجرمين.
والأصل في كل مهارة أنها هبة وعطية من الله لكنها تقوى وتظهر بالتدريب وكثرة الممارسة، وقد يتعود الإنسان بعض الأشياء ويواظب عليها حتى تصبح سجية وصفة له، ولا داعي للقلق فالأمر طبيعي ويمكنك رفع مستواك بقليل من الاجتهاد ثم التوكل على الله، وأرجو أن تبتعد عن المعاصي صغيرة كانت أو كبيرة فإن العاقل لا ينظر إلى صغر الخطيئة ولكن ينظر إلى عظمة من يعصي، فإن للمعاصي شؤمها وآثارها.
ولا شك أن تغيير مكان الدراسة له أثر على المستوى، وكذلك الانتقال من مكان إلى مكان، والانتقال من مرحلة دراسية إلى أخرى، ولكن هذه الآثار سوف تزول بسرعة – بعون الله وتوفيقه – لأنها أشياء عارضة، والإنسان الناجح يطوع الظروف المحيطة ويستثمرها لتكون في خدمته.
وعليك بتقوى الله فإنه من يتق الله (يجعل له من أمره يسرا)[الطلاق:4]، وأكثر من الدعاء فإنه تبارك وتعالى يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرا.
ونسأل الله العظيم أن يديم عليك توفيقه ونعمه، وأن يعيننا جميعا على ذكره وشكره وحسن عبادته، والله الموفق.