السؤال
ابنة صديقتي بالثانوي وهي وحيدة ووالدها بالسلك الجامعي ووالدتها جامعية ولكنها بعد ولادة ابنتها الوحيدة أصيبت بمرض أطرحها الفراش وزوجها لا يحرم ابنته من أي شيء؛ كل طلباتها تقريبا مجابة إلا أنه ليس لديه عقل للتفاهم رغم منصبه.
المشكلة أن هذه الابنة لا تحترم، والدتها منذ الصغر، وغير مقتنعة بأن المرض من عند الله وأنها لا تخاف من الأب ولا الأم، وكثيرة الكذب والحلفان، وتحب كل شيء وأي شيء في يد أي أحد، والأم لا تقدر عليها والأب يحبها حبا جما ولكنه أيضا لا يحسن تربيتها، وقد وصل الأمر إلى محادثة الشباب وعمل علاقات معهم والله أعلم بمدى ما وصلت إليه هذه العلاقات حتى مدرس المدرسة، والأم عرفت بالمصادفة فاستعانت بي، فقرأت رسائل على موبايل البنت من شباب خجلت من قراءتها، والأم حائرة، ماذا تفعل مع هذه الابنة التي ترفض النصيحة؟ ولو علم والدها لطردها الأم المريضة من البيت، ولطلقها وضرب الابنة، وفضحها في كل مكان، فهذا أسلوبه في الحياة، وقد يرتكب جناية بسبب هذا الموضوع ولا أحد قريب منهما للاستعانة به، وأنا لا أقدر على الابنة العديمة الأدب والحياء ... والتي لا يهمها شيء، وأمها تعاني المرض وعدم الرحمة من تلك الابنة الجاحدة ... فماذا نفعل أفيدونا يرحمكم الله؟ وكيف نربي أبناءنا كي لا نري مثل هذه الابنة العاقة لأمها؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / ابتسام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لقد وصلتنا هذه الاستشارة في 6/1/2003 ونظرا لغرابتها وتحيرني في شأنها أخرتها للبحث لها عن حل مناسب، أو الاستعانة ببعض الأفاضل، إلا أن الطروحات غالبا لم تعجبني فتأخر الرد حتى دخل موسم الحج، ومن بعده توقفت الشبكة حتى وصلتني الرسالة مرة أخرى، مع العلم أنها الأولى أمامي الآن؛ لأننا هنا بالشبكة نحافظ على أي رسالة مهما كانت؛ لأننا نعلم أنها أمانة، وأن الله سائلنا عنها يوم القيامة، وأن ثقة المتصلين بنا لابد أن تحظى عندنا بالتقدير.
وأما بخصوص ما ورد برسالة الأخت صديقة الأسرة عن ابنة صديقتها فنقول وبالله التوفيق: تكاد أن تكون هذه المشكلة من أعقد المشكلات التي مرت بي خلال فترة عملي بالشبكة، وذلك نتيجة سلبية جميع الأطراف، وعجزها عن تقديم أي حلول مناسبة لهذه الفتاة المسكينة التي هي الضحية الأولى لهذه السلبية القاتلة، ولذلك لا أجد حلا أنجع وأهم من ضرورة قيام جميع الأطراف بلا استثناء.
ولنبدأ بدور الأم المريضة فأقول لها: كان الواجب على حضرتك عند بدء الانحراف إبلاغ الوالد؛ حتى يأخذ على يد ابنته، ويمنعها من هذه التجاوزات، ثم أين دورك في النصيحة، وعدم التوقف منها مهما كان استهتار البنت وعدم انصياعها، ولذلك أنصحك بمواصلة عملية النصح والتذكير والتوجيه، حتى ولو تسمع الفتاة لك، كما أوصيك بالدعاء لها بالهداية والاستقامة وصلاح الحال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وأن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فواصلي الدعاء لابنتك مهما كان انحرافها وتمردها، وثقي من أنه سينفعها يوما من الأيام، واحذري من الدعاء عليها؛ لأنه لا يزيدها إلا تعاسة وشقاء وانحرافا، فلا تدعي عليها أبدا.
وأما عن دور الصديقة فهو أيضا دور هام يلزمها أن تقوم به رحمة بهذه الأسرة، وحرصا على سمعة هذه الفتاة المسكينة، فعليك أولا: بالنصح والتذكير بهدوء وعدم تأنيب أو توبيخ أو إشارة للانحرافات أو السلوكيات الشاذة، وإنما وجهي لها النصح كما لو كانت لم ترتكب خطأ قط، وأشعريها بمحبتك لها وحرصك على مصلحتها، وأنك تريدين لها النجاح والسعادة والاستقرار، وأن ذلك لا يأتي إلا بالسلوك الفاضل والعلاقات السوية، وأن الشباب أو الأزواج عموما لا يرغبون إلا في البنت الثقيلة الرزينة المحترمة، التي ليس لها مقاصد في العلاقات مع الشباب.
ثانيا: الاستعانة ببعض البنات الملتزمات، وشرح ظروف الفتاة لهن، وطلب مساعدتها في التعرف علها ومصاحبتها والمشي معها، وشغل أوقات فراغها بشيء نافع ومفيد؛ لأن الصاحب ساحب، (المرء على دين خليله) كما أخبر البني صلى الله عليه وسلم، على أن يقمن بإهدائها بعض الأشرطة الرقيقة التي تحمل بعض المواعظ الهادية، ولتكن هذه الأشرطة مثلا للأستاذ عمرو خالد، فإنها مفيدة ومناسبة للشباب والفتيات في هذه السن الحرجة.
ويأتي بعد ذلك دور الأب:
لابد من قيام الوالد بدوره في التوجيه والنصح، على أن يتم إخباره بصورة مبسطة، وعلى أن الأمر مجرد خوف عليها نظرا لأنها وحيدة وتحتاج إلى نوع من المصاحبة والمتابعة، وأنها يخشى عليها أن تتعرف على صحبة غير طبية نظرا لقلة خبرتها وعدم وجود إخوة لها، وأنها تحتاج إلى نصح بخصوص استعمال الجوال مخافة أن يستغلها البعض استغلالا سيئا، المهم أن تلمحوا له بالأمر دون التصريح؛ حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، ما دام بهذه الشدة والسلبية في نفس الوقت .
خلاصة الكلام: لابد من تضافر جهود الجميع، وعلى رأسهم الأب في إنقاذ هذه الفتاة المسكينة، التي هي أساسا ضحية هذه الظروف الأسرية الصعبة، والتي أدت بها إلى هذا الوضع المحزن، ولا ينبغي أن ييأس أو يستسلم بحجة أن البنت غير مؤدبة وغير مطيعة، وإنما لابد من مواصلة النصح بالرفق واللين والعطف والحنان، وفوق ذلك الدعاء، فإنه أعظم علاج.
مع تمنياتنا بالتوفيق.