العصبية والقلق والتوهان .. الأعراض والعلاج

0 434

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا أعرف ماذا أقول! أنا طالبة في السنة الأولى جامعة، أحس بأن المشاكل وكل ما يحيط بي أكبر مما يحتمله أي بشر، أنا أحس دائما بشبه حالة إعياء مستمر، فأنا دائما أعاني من ضيق في التنفس، ودوخة، وصداع، لا أستطيع أن أقول إني نحيفة لدرجة تقلق كثيرا، لكني لست بالقوية، فبنيتي ليست قوية تماما، كل من في سني يستطيع أن يفعل أشياء كثيرة لا أستطيعها أنا.

لا أعرف لماذا أنا عصبية جدا، ولا أحتمل المشاكل، ولا أحتمل الصراخ، أو حتى المناقشات العادية، وإذا حدثت مشكلة لمجرد التحدث بها أحس وكأن أعصاب جسدي بكامله تنهار، وألم بأطرافي حتى أني في أوقات أحس وكأني شللت، الجو العام لدى حياتي ليس بالجيد، فعلاقة أبي وأمي ليست بالجيدة، كما أنهم كثيروا التحدث عن تحملهم، والكثير من هذه الأمور.

كما أني غير مقتنعة تماما بأصدقائي، فأنا أحس أنهم لا يتقدمون بي إلى الأمام، كما أني الآن بكلية ليست لدي رغبة بها، إني أحمدالله فأنا أرضى بكل ما قسمه الله لي، سواء في أهلي أو في دراستي، ولكني لا أفهم حالة الضيق الدائمة، وتوترات أعصابي التي لا تنتهي أبدا، كما أني دائما أشعر بأني لست بالشخصية الجيدة، وأحس وكأن حياتي ليست ما أريد.

أنا أريد التحرك، أريد الحرية، أريد أن أعمل، أنا أحمد الله على قسمتي بالذكاء، فأنا والحمد لله أمتلك من الذكاء ما يؤهلني، ولكن كيف؟ دائما ما تقف حالة إعيائي هذه في طريقي، كما أني أحس دائما بالتوهان، وأن كل ما حولي ليس بمادي ملموس، ودائما أحاول تفهم ما إذا كنت أحلم وأن ما يحدث من حولي هو ملموس.

لا أعرف ما إذا كنت وفقت في أن أصف ما أشعر به، وما يجعل حياتي غير صالحة.

أرجو أن يجعل الله في هذا دواء لي، ولما أشعر به، مع العلم أني لم أزر طبيبا نفسيا، ولم أتناول أيا من العلاجات النفسية، كل ما أتناوله من مقويات لأني مصابة بأنيميا حادة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الأعراض التي سردت في رسالتك، لا تدل حقيقة -وبحمد الله- أنك مصابة بمرض نفسي شديد، إنما هو فقط نوع من القلق، أنت تعانين مما يعرف بقلق العصاب، وهذا القلق هو الذي يجعلك تحسين بهذه الضيقة الشديدة، وعدم تحمل الصراخ أو الأصوات المرتفعة، كما أنك سريعة التعصب.

الآلام التي تحدث في الأطراف وكأن شللا قد حدث لك، هي الأعراض الجسدية المصاحبة للقلق، يظهر أن هذا القلق هو جزء من شخصيتك، وهو في هذه السن من المرحلة العمرية، يكون أكثر وضوحا وظهورا من ناحية الأعراض.

لا شك أن هذا الضيق والقلق والتوتر أدى إلى بناء الكثير من المشاعر والعواطف والأفكار السلبية لديك، مما جعلك تفتقدين الثقة في مقدراتك، والشعور بالإحساس بأن ما حولك ليس بمادي هو وصف جميل لنوع خاص من القلق يسمى بقلق توهان الشخصية، أو عدم التأكد من الذات وعدم التأكد ممن حولك، هذا أيضا –كما ذكرت– عرض من أعراض القلق والعصاب.

أولا: هنالك أشياء أساسية لابد من الالتفات لها، وهي ضرورة معالجة الأنيميا الحادة التي تعانين منها، ولابد من معرفة أسبابها وأخذ العلاج الصحيح لها، هل هي ناتجة من عدم الانتظام في تناول الأطعمة المفيدة، أو هي ناتجة عن نقص في الحديد أو خلافه، هذا الأمر ضروري جدا، لأن الضعف العام -خاصة فقر الدم- يؤدي إلى نوع من الإحباط النفسي وضعف في الصحة النفسية بصفة عامة، أرجو الالتفات لذلك.

ثانيا: أرجو أن تؤمني بمقدراتك وأن ترفعي من التقييم الذاتي لنفسك؛ بمعنى ألا تحتقري نفسك، وأنت -الحمد لله- تتمتعين بقدر عال من الذكاء وهذا شيء عظيم، لابد أن تسعي لاستغلال ذلك، من أجل تضخيم وتجسيد أفكار أكثر إيجابية؛ لأن هذه الأفكار سوف تساعدك كثيرا، لتخرجي من حالة الضيق والإحباط والتفكير السلبي التي أنت بها.

لقد أجمع أشهر علماء السلوك والصحة النفسية، ومنهم (آرون بك)؛ الذين رأوا التفكير السلبي المعرفي، هو الذي يؤدي إلى الإحباط، وليس الإحباط هو الذي يؤدي إلى التفكير السلبي كما كان يعتقد سابقا.

أرجو أن تستبدلي كل فكرة سلبية تنتابك أو تسيطر عليك بفكرة إيجابية، ابحثي في حياتك بدقة، وسوف تجدين -بإذن الله تعالى- أن الإيجابيات كثيرة جدا في حياتك؛ لابد أن تضعي أهدافا وبرامجا، وأنت الحمد لله بيدك أسلحة فعالة، أنت طالبة جامعية، ولديك المقدرة من ناحية الذكاء والاستيعاب، أرجو أن يسخر ذلك من أجل التميز.

أرجو عدم الالتفات للجو السلبي من حولك –كما ذكرت في المنزل– خاصة الخلافات بين الوالدين، لأنها تحدث في كل بيت، وأنا متأكد حتى في علاقة والديك يمكن أن تنظري إلى الجانب المشرق، وسوف تجدين أن هنالك أشياء طيبة كثيرة في حياتهما، فقط التفكير السلبي هو الذي جعلك تنظرين إلى الجوانب السلبية في حياتهما، كما أنك يمكن أن تكوني باعث أمل وسلام من أجل تحسين علاقتهما.

إذن: فالتفكير الإيجابي لابد أن يكون هو الوسيلة التي تعتمدين عليها في كل تصرفاتك وأفكارك.

الشيء الآخر والمهم جدا هو أن تكون لك القدرة على الصبر والتعبير عن الذات، أرجو أن تخرجي كل ما هو داخل نفسك، وألا تتركي هذه السلبيات تتراكم داخليا، نحن نسكت في حالات كثيرة عن أشياء لا ترضينا، ولكن الإنسان الحساس -مثل حالتك- تؤدي هذه الصعوبات أو الاحتقان الداخلي، يؤدي إلى شعور بالقلق والتوتر، ولذا من الضروري جدا أن تعبري عن نفسك أولا بأول في كل تصرف لا يرضيك من الآخرين، وأنا على ثقة تامة بأنك سوف تعبرين في حدود الذوق والتواصل الإنساني الصحيح، هذه الطريقة العلاجية تعرف بالتفريغ النفسي، وهي فعالة جدا لمن يمارسها بصورة صحيحة.

سيكون أيضا من المفيد لك أن تمارسي تمارين الاسترخاء، أي نوع من هذه التمارين، وأبسط هذه التمارين هو أن تستلقي في مكان هادئ، ثم تغمضي عينيك وتفتحي فمك قليلا، ثم تأخذي نفسا عميقا وبطيئا عن طريق الأنف، ثم بعد ذلك أمسكي الهواء قليلا في صدرك، ثم أخرجيه بنفس البطء والقوة التي أدخل بها الهواء.
إذن: عملية الشهيق والزفير تطبق بهذه الصورة، ويجب أن تكرر ثلاث إلى أربع مرات في كل جلسة، بمعدل مرتين في اليوم على الأقل.

في أثناء هذه التمارين، لابد أن يكون لك الشعور والتأمل الاسترخائي الداخلي، ولابد أن تنقلي هذا الاسترخاء للعضلات المختلفة في جسمك، يمكنك من أن أجل تطبقي هذه التمارين بصورة أفضل، الاستعانة بأحد الكتيبات أو الأشرطة الموجودة في المكتبات، أو مقابلة أخصائية نفسية لتدريبك على القيام بهذه التمارين.

أخيرا: هنالك أدوية جيدة جدا سوف تفيدك إن شاء الله، هذه الأدوية تعرف بمجموعة المطمئنات أو مضادات القلق، ومنها العلاج الذي يعرف باسم فلونكسول، أرجو أن تتناوليه بجرعة حبة واحدة من فئة نصف مليجرام، حبة واحدة يوميا لمدة أسبوعين، ثم ترفع إلى حبة صباحا ومساء، أي حبتين في اليوم، لمدة شهرين، ثم تخفض إلى حبة واحدة يوميا لمدة شهر آخر، ثم تتوقفي عنها.

أنا على ثقة تامة أنك الحمد لله متمسكة بدينك وعباداتك وأذكارك والدعاء؛ ففي هذا إن شاء الله خير كثير، عليك أيضا بتنظيم الوقت بصورة صحيحة وإدارته بالصورة المطلوبة؛ فهذا أيضا مفيد، وعليك أيضا بالتواصل الإنساني مع أهلك وأقربائك وصديقاتك؛ ففي هذا إن شاء الله خير كثير، وإزالة لهذا الضيق والقلق والتوتر.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات