الزواج من امرأة كبيرة في السن ذات دين وخلق، مع عدم موافقة الأهل

1 724

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:

شيخي الفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد أن أستشيركم في قضية مهمة بالنسبة لي، وهي أنني تعرفت على فتاة موظفة معي في نفس المركز الذي أعمل فيه، وهي ذات أدب ودين، وحصل انسجام بيننا وتآلف روحي من خلال التعارف بيننا من خلال العمل بالطرق الشرعية والتعارف، وأعجبت بأخلاقها وأدبها وأنها من بيت -إن شاء الله- بيت علم وأدب ودين، والفتاة عمرها (37) سنة، وأنا عمري (24) سنة، ولكن -سبحان الله- فارق السن غير موجود، والذي حصل الانسجام الروحي والفكري والتوافق في الأهداف، -وإن شاء الله- نكون بيتا مسلما على دين الله -عز وجل- ونهج النبي -صلى الله عليه وسلم- إن شاء الله، والفتاه تقدم لها خلال حياتها أناس كثيرون، وهي تبحث عن رجل صاحب دين وخلق.

والحمد لله وجدت فيها صفات الزوجة الصالحة -إن شاء الله-، وهي وجدت في صفات الزوج الصالح -إن شاء الله-، وعرضت عليها الموضوع لكنها كانت مترددة بسبب فارق السن، لكن أنا أقنعتها أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج أمنا خديجة وكانت عمرها 40 سنة وهو ابن 25 سنة، ولا حرج في ذلك، وواقع الحياة العملية مليء بهذه القصص، وأهم شيء أننا قررنا أن يكون زواجنا -إن شاء الله- تجارة مع الله -عز وجل- نريد بها بيتا إسلاميا على الدين والإيمان والأدب، وحقيقة هي فرصة لا تعوض بالنسبة لي، وأريد الزواج منها، وحالة الحب الفطري موجودة بيننا -إن شاء الله-.

وقد زرتها في البيت لأتعرف على أهلها ووجدت البيت نظيفا سلوكيا وأخلاقيا، والحرص على الدين والصلاة والحمد لله، وأهلها موافقون وعندما تعرفوا علي أعجبوا بشخصيتي، وطبعا قبل هذا وذاك التوكل على الله -عز وجل- والدعاء بأن ييسر أمر زواجنا والاستخارة، -والحمد لله- أنا وهي قد استخرنا ربنا أكثر من مرة ووجدنا -إن شاء الله- انشراح الصدر وعدم الخوف من أي عواقب، والتي يخوفوننا الناس منها موضوع الأولاد والخلفة وما شابه؛ لأننا إن شاء الله متوكلين عليه، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، والذي زادنا إصرارا حديث أورده الإمام ابن كثير في تفسير آيات كظم الغيظ في سورة آل عمران عن الرسول صلى الله علية وسلم: (من تزوج لله كساه الله تاج الملك)، فبزواجي من هذه الفتاة أريد أن أنال هذه الجائزة إن شاء الله يوم القيامة، وهدفنا أن نأخذ بيدي بعضنا البعض لنفوز في الدنيا والآخرة -إن شاء الله-، مصداقا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام أن يرزق العبد لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وزوجة تعينه على أمور الآخرة، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-.

ولقد قمت بالاستشارة لأصحاب الفضيلة والاختصاص والسادة العلماء ولقد شجعوني على هذه الفكرة، وكنت أطلب منهم المشورة والنصيحة، وكان كلامهم طيبا وهو أن أجد طريقة مناسبة لإقناع أهلي بهذا الكلام، وطبعا فتحت الموضوع مع أهلي وهم يرفضون الفتاة للأسباب التالية:

1- فرق السن.

2- الاستهزاء بكلامي وقولي تجارة مع الله.

3- ماذا يقول الناس عنا؟

4- إنها أدنى مني شهادة علمية، كوني أنا حاصل على بكالورويس وهي دبلوم، وهي أسباب ليست قوية ومقنعة شرعيا، وهم الآن غاضبون مني.

وأنا متوكل على الله وأدعوه أن ييسر الأمور ويبارك لنا في مشروعنا أنا وتلك الفتاة التي اخترتها أن نكون إن شاء الله زوجين صالحين، ولقد كانت اقتراحات العديد من علماء السعودية والشام والأردن أن أدخل رجلا من أقاربنا أو معارفنا على أهلي، ففعلت ولكن الرجل الآخر عندما اقتنع بكلامي ومشاعري انقلب السحر على الساحر، وأصبح يحتج بأمور الدنيا ونفس كلام أهلي، ولا أخفيك أن الهم والغم بي وبها وصل حده، لكن ما لنا سوى الله والدعاء والصبر إن شاء الله وأهلي يشنون علي حربا وكلاما واستهزاء، فأرجو من حضرتكم التكرم علينا بتقديم المشورة والعمل والنصح، وإنني فعلا عندما وجدت هذه الفتاة كأنني وجدت كنزا، ومنذ البداية كنت أعرف أن أهلي سوف يعارضون، لكن كوني عقدت تجارة مع ربي فانني متوكل عليه، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، لذا أرجو التكرم بتقديم يد المساعدة والنصح والاستشارة، وبارك الله فيكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل / مهند حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية يسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، ونسأله تعالى أن يكثر من أمثالك في المسلمين، من رجال يحبون الله ورسوله، ويحرصون على إقامة حياتهم على شرع الله وهدى رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث بدا لنا من رسالتك أنك على قدر طيب من الالتزام والطاعة، وهذه عملة عزيزة خاصة في هذه الأيام، فنسأله جل جلاله أن يثبتك على الحق، وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تكون عونا لك على أداء رسالتك.
وأما عن موضوع الاستشارة فإليك ما يلي:

1- مما لا شك فيه أن هذا الانسجام الروحي الذي حدث بينك وبين الأخت المشار إليها، أمر يستحق الاهتمام والمحافظة عليه من حيث المبدأ، واحتفاء الشرعية عليه.

2- كأني فهمت من استشارتك رغم هذا الانسجام والتوافق المشار إليه أنك تحتاج إلى من يدعم فكرتك، ويقف بجانبك؛ لإقناع أهلك، ولا تحتاج إلى استشارة خاصة إذا كنت مقتنعا تماما بهذه الأخت كما ذكرت.

3- هل التجارة مع الله لا تكون إلا من خلال ارتباط بامرأة لا يريدها أهلك ولا يقبلون بها زوجة لك؟ ألا تصلح التجارة مع الله غيرها؟ إني أرى أنك حجرت واسعا، فما دام الهدف واضحا تستطيع أن تنفذه مع أي إنسانة، مادامت تحمل مواصفات نجاح أعلى وأنفع .

4- استدلالك بزواج الحبيب صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها ليس في صالحك، لأنك لو نظرت إلى آلية اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لها، لعلمت أنها تختلف تماما عن وصفك الذي أنت عليه .

5- هل تتصور أنه بمقدورك أن تؤسس أسرة صالحة مباركة بعقوق والديك، وعدم رضاهما؟ وهل يمكن لنا الاكتفاء بالسنن عن الفروض والأركان؟

6- إن إصرارك على الزواج من هذه الأخت الكريمة، يطرح أمامك سؤالا ألا وهو: هل أنت صاحب علاقة متزنة مع والدتك، وتشعر بحبها لك ودفئها العاطفي، أم أنها علاقة باردة روتينية؟ لأنني كأني أشم رائحة حاجتك إلى مصدر عطف وحنان بديلين، فتم اختيار هذه الأخت الفاضلة لتمارس هذا الدور المطلوب، حيث أن فارق السن يجعل الأمر الظاهر للعيان هو ذلك، ولا شيء سواه غالبا.

7- بالنسبة للاستخارة: ألا ترى أن تعقيد الأمور، وعدم رغبة أهلك ورفضهم، دليل على عدم التوفيق في هذا المشروع؟ حيث لا يعول العلماء كثيرا على الراحة النفسية، إذ قد يكون الهوى والرغبة قد فاقا أثر الاستخارة؛ لأن واقع الاستخارة يقول: بأن الله لو علم أن الخير في هذه الزيجة لأرضى عنك الجميع، وأزال تلك العقبات بصرف النظر عن أي شيء آخر مهما كان، ما دام الخير فيما استخرت وأقدمت عليه.

8- أرجو أن تفهم أخي أنني أساعدك فقط، ويعلم الله ليس لدي أي اعتراض على الأخت الفاضلة، لا من قريب ولا من بعيد، ولكنها الأمانة التي تقتضي مني، وقد استشرتني أن أقول لك ما أراه مناسبا، بصرف النظر عن صحته وخطئه من وجهة نظرك، وعن قبولك أو رفضك له، أنا أتكلم عن واقع وشرع وحياة مستقبلة يجب أن تضعها في اعتبارك، ولا تفكر فقط في اللحظة الحالية، دون وضع المستقبل في الاعتبار؛ لأنك لا تتزوج لنفسك وحدك، وإنما لأهلك وأولادك والمسلمين قبلك.

9- الحياة يجب أن نعيشها بواقعها، فبعد الزواج وطول مدته تبرد عاطفة الحب قطعا، وترزق بأطفال يريدون أما قوية، بل وتريد أنت ذرية صالحة، فكيف يكون الحال إذا كنت أنت في الثلاثين وهي فوق الأربعين؟ أي في سن حرجة للحمل والإنجاب، واسأل الأطباء -أخي الكريم- أن فارق السن كبير فعلا، حيث ستكون أنت في ريعان الشباب، وزوجتك قد خرجت من تلك الدائرة، مما قد يضطرك إلى أن تتزوج عليها لتعيش حياتك، وقد لا توافق هي على مشروع الزواج هذا، فماذا أنت فاعل؟

10- ما رأيك لو أجلت هذا الموضوع قليلا، وانقطعت عن هذه الأخت، وفكرت بعيدا عن العواطف، ووضعت المستقبل بين يديك، ولو لمدة سنة أو نصف، أعتقد أنك ساعتها سيكون لك رأي آخر.

فنصيحتي لك: أجل هذا الموضوع قليلا، وواصل الدعاء والإلحاح على الله أن يرزقك الخير، وأن يقدره لك، وأن يرضيك به، لأنني لا أتصور خيرا يبدأ بمعصية، ولا أتصور حاجة ماسة وملحة لقبول هذا الفارق الكبير من السن، حيث أنك لست مضطرا إلى ذلك، خاصة وأنك من بلاد ولادة، وأنجيت الملايين من النساء والآلاف من الصالحات المناسبات لك في السن، واللواتي يقبلهن أهلك بدون مشاكل.

الرجاء أن تسامحني، فقد يكون كلامي غير مقبول لديك، ولكن هذا ما عندي، فرجائي أن تفكر فيه، وإلا فالأمر أولا وآخرا لك أنت، ولكن لا تنس حقوق الآخرين عليك.

مع تمنياتي لك بالتوفيق والسداد، والسعادة في الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات