السؤال
السلام عليكم
أساتذتي الأعزاء، أشكركم أولا على هذه الخدمة، ولا نملك لكم سوى الدعاء.
مشكلتي باختصار أني بمجرد ما يشغلني موضوع معين، يظل هذا الموضوع يشغل فكري بشكل مستمر، وتبدأ الوساوس والتشاؤم حيال تنفيذ هذا الأمر، وأصبح يزعجني جدا!
أعطي لكم أمثلة:
في حالة وجود اجتماع عمل مهم أظل أفكر فيه ليل نهار، وماذا سيحدث؟! وما أتوقعه، وتبدأ تنشأ في فكري أوهام، وخيال غير طبيعي.
مثال آخر:
الآن -الحمد لله- عقدت قراني، ولكن الزواج بعد خمسة أشهر -إن شاء الله- الآن يشغل تفكيري موضوع إتمام مراسيم الزواج، من شقة، وأثاث ولوازم، مع أن الوقت مبكر على ذلك.
حتى أثناء الحديث مع زوجتي أفسر كل كلمة تقولها، ولم قالت، ولم لم تقل، مع أنها إنسانة ملتزمة جدا بالدين.
بدأت الأفكار والتفكير والوساوس بشأن الزواج ليل نهار في كل لحظة حتى في صلاتي، وأصبحت أكاد أنفجر من كثرة التفكير.
أحاول أن أصرف تفكيري في أشياء مفيدة، ولكن أنجر إلى التفكير في موضوع الزواج بالقوة.
نومي غير جيد، ويزداد التفكير قبل المنام وبعده، وأيضا أجد في نفسي لهفة وعجلة في إنهاء الموضوع في أسرع وقت.
أشيروا علي، بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ fahmi حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسرنا أن نرحب بك -أيها الأخ الحبيب- في موقعك استشارات إسلام ويب، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله تعالى لنا ولك دوام التوفيق، ويسرنا أن نبارك لك زواجك، فنقول: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير.
ما تتصف به -أيها الحبيب- من أخذ الأمور بجدية وإعطائها حقها من الحزم والاستعداد، كل ذلك شيء جيد، وليس أمرا سلبيا، لكن المشكلة تبدأ حين تعطي الأمر فوق قدره من الاهتمام، والحكماء يقولون: ما زاد عن حده انقلب إلى ضده. ونحن نشعر بما تعانيه أنت من وراء هذا السلوك.
العلاج لذلك كله من وجهة نظرنا علاج معرفي، أي غرس القناعات في داخلك لتكون سببا في تغيير سلوك هذا.
هذه القناعات تتمثل في أن تدرك -أيها الأخ الكريم- إدراكا جازما أن كل شيء يحدث في هذا الكون إنما يحدث بقضاء الله تعالى وقدره، وقد كتب الله تعالى ما سيحدث قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فلا داعي للهم والقلق، فلن يستطيع الإنسان تغيير شيء مما قد كتب، وهذه الحقيقة أكد عليها الشرع أبلغ تأكيد، فقد كررها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، وقال مبينا لصاحبه أبي هريرة رضي الله عنه، قال له: (جف القلم بما أنت لاق يا أبا هريرة)، وقال صلوات الله وسلامه عليه: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس).
إذا آمن الإنسان بهذه العقيدة استراح من الهموم، وزالت عنه كل الغموم، لأنه يعلم أن ما كتبه الله له لن يفوته أبدا، وما لم يكتبه لن يحصل له أبدا.
من المهم جدا أن يدرك المسلم أن السبب البسيط المباح يوصل إلى ما قدره الله تعالى وقضاه، فلا داعي للمبالغة في الاعتناء بالأسباب، بحيث تصبح هذه الأسباب هما وقلقا وخوفا، وصدق من قال:
دع المقادير تجري في أعنتها *** ولا تبيتن إلا خالي البال
ما بين غمضة عين وانتباهتها *** يغير الله من حال إلى حال
نحن ننصحك -أيها الحبيب- بأن تفكر في هذه الحقائق جيدا وقت صفاء ذهنك، وتوقن بأنه في أحيان كثيرة قد يبالغ الإنسان في الاجتهاد بإتمام الأمر، وأخذ كل الحيطة والحذر من أي فشل فيه، ثم يحصل خلاف ما كان يتوقع، وما ذاك إلا لأن الله تعالى لم يقدر ذلك، وعلى العكس من ذلك يهيئ الله تعالى الأسباب السهلة لتحصيل ما قد قدره وأراده، فأرح نفسك من هم وعناء التفكير الزائد في تحصيل ما تريد، وتيقن أنه إن كان الأمر مقدرا فإنه لا محالة واقع.
لا ننسى أن نذكرك بأن حسن الظن بالله تعالى، وأنه سيحقق لك ما تتمنى؛ من أهم الأسباب في تحقيق ذلك؛ فقد قال الله سبحانه في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي).
أحسن ظنك بالله، وخذ بما تقدر عليه من الأسباب، وفوض الأمر إلى الله تعالى، وبهذا تريح نفسك وما قدر سيكون.
وفقك الله لكل خير.