السؤال
طالب في جامعة يدرس الهندسة أو الطب، ولكنه يحب أن يكون من أهل العلم الشرعي، ويحب المطالعة في الكتب الإسلامية، ويريد أن يحفظ القرآن ويتوق إلى ذلك، ولكن يرى نفسه أنه بين العلمين مشتت لا يعطي تخصصه حقه ولا العلم الشرعي حقه، وأيضا لا يحب أن يقدمه الناس للإمامة بهم لأنه لا يحب الشهرة، علما بأنه يحفظ شيئا من القرآن، فبماذا تنصحونه لكي تستقيم حياته الإيمانية والعلمية ويشعر بحق أنه يحصل العلم الشرعي ويجني ثماره؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنحن نشكر لهذا الأخ علو همته، وحرصه على تحصيل العلم النافع؛ فإن من علامات التوفيق، وأمارات حب الله تعالى للإنسان، أن يحبب إليه تعلم دينه وشرعه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين).
ومما ينبغي أن يعلمه هذا الأخ أن العلم الشرعي منه ما هو فرض عين يجب على كل مكلف تعمله، وهو العلم بالفرائض الشرعية التي كلف الله - عز وجل - بها عموم الناس، كالصلاة، والصوم، وقبل ذلك العلم بأركان الإيمان، ونحو ذلك من العلم، فهذا القدر يجب تقديم تعلمه على تعلم كل علم، ولا يجوز أن ينشغل المسلم عن هذا القدر من العلم الشرعي بأي شاغل كان، ومن هذا النوع من العلم، تعلم الأحكام المتعلقة بالمهنة التي يزاولها المسلم حتى لا يقع في الحرام.
وأما ما زاد على هذا القدر من العلم، فهو فرض كفاية لا يطالب به كل الناس، لكن المشتغلين به لا شك أنهم مشتغلون بخير الأعمال.
وقد أحسن هذا الأخ بتعلمه لمهنة يكتسب منها لينفق على نفسه وعلى زوجته وأبنائه في المستقبل، وهو إن أحسن النية في هذا العمل، وتعلم بقصد نفع الناس وإعفاف نفسه، فإنه مأجور على هذا التعلم، والعلماء لا يزالون يوصون طالب العلم بأن يتعلم مهنة يحصل منها كفايته، فنحن نشد على ساعد هذا الأخ، ونوصيه بأن يجتهد في إتقان تعلم هذه المهنة، وهو في وقت اشتغاله بالدراسة يستطيع أن يحصل مفاتيح العلم الشرعي؛ وذلك بأن يحاول دراسة المختصرات الصغيرة في فنون العلم الشرعي، كاللغة العربية، والفقه وأصوله، وعلوم الحديث، وخير ما نوصيه به أن يكثر من مجالسة العلماء المتقنين، ويتعلم على أيديهم، ثم إذا هو فرغ من الدراسة الجامعية فإنه سيجد وقتا كافيا للتوسع في دراسة العلم الشرعي، وقد سبقه الكثير من الرجال الأخيار إلى سلوك هذا الطريق فأفلحوا ونجحوا.
وأما تركه التقدم للإمامة، فإن كان في الناس من هو أصلح منه للإمامة، فالأولى له أن يترك ذلك للأولى، وأما إن كان هو أحسنهم قراءة، وأفقههم في الصلاة، فلا ينبغي له أن يترك هذا العمل الجليل فرارا من الشهرة؛ فإن هذا مدخل من مداخل الشيطان، فعليه أن يجاهد نفسه على الإخلاص، ويتذكر أن الشهرة إن حصلت لن تغني عنه شيئا، فليتقدم وليصل بالناس، ويستعين بالله تعالى ويسأله أن يرزقه الإخلاص، وقد قال بعض السلف: (العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجل الناس رياء، والإخلاص أن يعافيك الله منهما).
نسأل الله أن يوفقنا وهذا الأخ لكل خير.