السؤال
السلام عليكم
أشكر جميع القائمين على موقع الشبكة الإسلامية.
أنا شاب كنت مدخنا لمدة خمس عشرة سنة -والحمد لله - توقفت عن التدخين منذ 6 أشهر، ولكن المشكلة أنني عندما أغضب غضبا شديدا جدا أفكر في التدخين، وأقوم بتدخين سيجارة، ولا أقوم بتجويفها داخل الصدر، وبعدها أرتاح ويخف الغضب، علما أنني ابتعدت عن أصدقائي المدخنين، ولا أحد من عائلتي مدخن، فهل هذا الشوق للتدخين أنه لا زال النيكوتين في دمي أم أنها عادة؟ وكيف أستمر في تثبيت نفسي في البعد عن التدخين؟
تأتيني مخاوف أنني سأعود للتدخين، فكم المدة التي تجعل الإنسان يكره التدخين بعد التوقف، فهل هي سنة أم ثلاث أم أكثر؟
وفي المقابل تأتيني أفكار أنني سوف أقاوم التدخين طول عمري، فما تشخيصكم لذلك؟
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن هذا سؤال جيد جدا حقيقة؛ لأن الكثير من الناس قد لا يتفهم الديناميات المتعلقة بالتدخين والعودة للتدخين.
يعرف عن كثير من الذين يتعاطون المواد الإدمانية - ولا شك أن النكوتين الذي يوجد في الدخان هو مادة إدمانية في المقام الأول، لا نقول أنه مشابه للمواد الإدمانية الأخرى كالحشيش أو حبوب الأنفتامين أو الأفيونات، ولكن هنالك نمط واحد لدى الذين يتعاطون هذه المواد المخدرة، وكذلك التدخين – يعرف أن الواحد منهم متى ما واجهته مشكلة أول ما يفكر فيه هو اللجوء إلى ممارسة عادته الإدمانية تدخينا كان أو مخدرات مثلا، وهذه حقيقة تواجهنا كمشكلة أساسية لدى معظم المتعاطين للمواد المخدرة؛ ولذا فأحد فنيات العلاج الرئيسية هو ما يعرف بتحسين الدافعية من أجل الابتعاد عن المادة الإدمانية، وكيفية التعامل مع المشاكل ومع الغضب. هذه إحدى الوسائل المهمة جدا.
والسبب الذي يجعلك تتشوق للدخان أنه من الناحية العلمية توجد مراكز للنكوتين في الدماغ، وهذه المراكز تكون قد شفرت فيها خارطة معينة وبرامج معينة جدا قامت على أساس تناولك وتعاطيك السابق للنكوتين.
إذن هنالك خبرة تم تخزينها، وهذه الخبرة تثار متى ما كان هنالك نوع من الانفعال، هذه إحدى النظريات العلمية المعتبرة.
ولا شك أن كثيرا من الناس يلجؤون إلى تعاطي بعض المواد المخدرة، ومنها النكوتين كنوع من المتنفس أو نوع من الوسائل الاسترخائية حسب اعتقادهم، هذا بالطبع اعتقاد خاطئ وليس صحيحا؛ لأن النكوتين نفسه بالرغم مما يسببه من تحسين في التركيز وبعض الاسترخاء البسيط، لكنه أيضا يؤدي إلى زيادة في العصبية والانفعال لدى بعض الناس.
هذا هو التفسير لفترة الحنين هذه أو التشوق، وهذه الفترة حقيقة تختلف من إنسان إلى إنسان، فبعض المدخنين يكفيه أسبوعان أو ثلاثة بأن لا يحس بهذا التشوق، ولكن قد تأتيه نوبات من الحنين للنكوتين، هذه النوبات تكون في لحظات الهشاشة أو الضعف النفسي، خاصة حين تواجه الإنسان بعض المشاكل الحياتية.
إذن أيها الفاضل الكريم: أنت هنا محتاج أولا بأن تدعم قرارك بالتوقف عن التدخين، وأن هذا التدخين سيئ وأنه خطير، وأن قرارك هو قرار نهائي، وأنه حتى لو واجهت الإنسان مشكلة كالغضب أو خلافه، يجب أن لا يحل ذلك بمشكلة أخرى.
إذن بناء مفهوم استبصاري جديد هو الذي سوف يساعدك في أن لا تلجأ للدخان مرة أخرى، ولابد أن يكون لديك العزيمة والتصميم، واتخاذ القرار الداخلي.
ويا أخي الكريم: تعلم أيضا الآليات البديلة، فالتعامل مع الغضب له فنون، وله وسائل سلوكية، ومن أفضلها ما ورد في السنة النبوية المطهرة، فمثلا حين يغضب الإنسان يجب أن يغير مكانه، يغير من موقعه، إذا كان جالسا فليقف، وإذا كان واقفا فليجلس، وأن يستعذ بالله من الشيطان الرجيم، والاستغفار، وأن تنفث ثلاثا على شقك الأيسر، أن تتوضأ، أن تصلي ركعتين.
هذا العلاج النبوي - أيها الأخ الكريم - جربه كثير من الناس، وفائدته غير مشكوك فيها أبدا، فقد كان لدي أحد الإخوة الذي كان يتردد علي في العيادة، وقد وصف نفسه بأنه ذو انفعال، وغضوب جدا، وحين تكلمنا عما ورد في السنة وطالبته بأن يطبقه، أتاني بعد فترة، وقال لي إنه فعلا قد طبق هذا العلاج النبوي مرتين، وبعد ذلك لم يحتج أبدا لتطبيقه؛ حيث إنه حينما ينتابه الغضب يتذكر ما ورد في السنة النبوية، وهذا يكفي تماما لإجهاض نوبة الغضب التي أصابته.
وهنالك ما يسمى بالعلاج الاسترخائي، أن تجلس في مكان هادئ، أن تأخذ نفسا عميقا وبطيئا عن طريق الأنف، وتخرج هذا الهواء أيضا بقوة وبشدة من الصدر عن طريق الفم، وتكرر هذا التمرين ثلاث أو أربع مرات متتالية، هذا إن شاء الله فيه نفع وخير كثير جدا بالنسبة لك.
أيضا من الطرق الجيدة لعلاج الغضب والانفعالات تناول بعض الأدوية مثل العقار الذي يعرف تجاريا باسم: (دوجماتيل Dogmatil) ويعرف علميا باسم: (سلبرايد Sulipride) إذا تناولته بجرعة كبسولة واحدة: (خمسين مليجراما) صباحا ومساء لمدة شهرين، ثم بجرعة خمسين مليجراما مرة واحدة في الصباح، فإن شاء الله سوف تحس أنك أصبحت أكثر هدوءا.
إذن اقطع هذه الصلة بالتدخين، ولابد أن تكافئ نفسك وتحفز نفسك على هذا الإنجاز العظيم، وهو أنك قد توقفت من التدخين، هذا في حد ذاته يجب أن يحسن من دافعيتك على أن يكون قرارك قرارا أبديا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكر لك تواصلك مع استشارات إسلام ويب.