السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أول مرة أدخل هذا الموقع، وفي الحقيقة لقد ارتاحت نفسي بعدما دخلت وقرأت عنكم، فجزاكم الله ألف خير، وجعله الله في ميزان حسناتكم.
أرجو مساعدتي في موضوعي، وأسأل الله أن يفرج عنكم مصائب الدنيا.
أنا رجل كرهت نفسي جدا، وأصبحت منعزلا، وأخاف مواجهة الناس، ولا أريد أن أتناول الطعام مع أحد؛ لكي لا يحمر وجهي، وإذا بدأت الحديث يحمر وجهي وأرتجف، وأريد الهروب إلى الحمام أو أي مكان؛ لكي أخفي عيوبي، حتى أن حالتي وصلت إلى والدتي وهي كل شيء في حياتي، فمنذ سنة تقريبا أو أكثر لم أجلس معها في طعام، وهي دائما تدعوني، والله إني أبكي ليلا ونهارا، وأريد الجلوس معها؛ لأنني أحبها أكثر من نفسي، ودائما أقول في قلبي: سامحيني يا والدتي، وأتمنى أنها تسامحني.
وللعلم فإنا إنسان مرح وفكاهي، ولي أصدقاء، ولكن قطعت علاقتي بهم، ولا أزورهم إلا قليلا جدا عندما أتأكد أنهم في المجلس 2 فقط أو 3، وأجلس خائفا من احمرار وجهي والخجل الذي سوف يقتلني.
أرجوكم أريد علاجا دوائيا، فقد بدأت أخسر كل شيء: الناس وأهلي ونفسي، ودائما أدعو الله أن يشفيني من مرضي، وأنا على يقين أن الله غفور رحيم، وله حكمة في خلقه.
أنا لا أريد مالا ولا وظيفة، فقط أريد أن أصل رحمي، وأكون اجتماعيا وقوي الشخصية، ولا يحمر وجهي.
أتمنى من الله العلي القدير ثم منكم إخواني أن تساعدوني.
وجزاكم الله ألف خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنشكر لك على ثقتك في إسلام ويب، ونشكرك على كلماتك الطيبة.
فقد أحسنت وصف حالتك، وأنا أؤكد لك أنها من الظواهر النفسية البسيطة، فأنت أحجمت عن التفاعل مع الناس؛ وذلك نسبة لعدم الارتياح الذي ينتابك، وكذلك احمرار الوجه، ولا شك أنك أصبت بشيء من الكدر وعسر المزاج، وهذه الحالة تشخص بأنها نوع من القلق أو الخوف أو الرهاب الاجتماعي، هذه كلها مسميات معروفة لهذه العلة، ويظهر أن الحالة أيضا أخذت لديك الطابع الوسواسي، وهنالك صلة قوية جدا بين الخوف الاجتماعي والقلق والوساوس، وكلها تنتمي إلى منظومة نفسية واحدة، وهي لا تعتبر من العلل الرئيسية، وإن كانت مزعجة لصاحبها.
أيها الفاضل الكريم: نحن نحرص كثيرا في إسلام ويب على أن يعرف الإنسان التشخيص بقدر المستطاع؛ لأن هذا يفيد كثيرا، وحالتك لا تعني أي وجود لأي مرض عقلي أو شيء من هذا القبيل، فأرجو أن يكون ذلك مطمئنا لك.
من الواضح –أيها الأخ الكريم- أن هذه الحالة جعلتك تفكر سلبيا، وجعلتك تكون مفتقدا للتفاؤل وتميل للتشاؤم، وبدأت تفقد الفعالية، ولكن أنا أؤكد لك أن الحالة أبسط من ذلك، ويجب أن لا تعطلك، يجب أن تعيش الحياة بقوة وبأمل، وتتفاعل مع الآخرين، وتجلس معهم، وتجلس مع والدتك، ومن حقك أن تكون لك وظيفة، ومن حقك أن يكون لك مال، ومن حقك أن تفرح...هذا كله إن شاء الله يتيسر، ويجب أن لا تعزف عن ذلك، ويجب أن تذهب هذه الأمور، نعم الإنسان يجب أن يكون معقولا ويجب أن يكون متوكلا ويرضى بما قسم الله له، ولكن في ذات الوقت عليه بالاجتهاد وعليه بالمثابرة، وعليه أن لا يقلل من قيمة ذاته، فأنت -والحمد لله- ذاتك قيمة، ولديك الكثير من الإيجابيات في حياتك، وبهذه المناسبة يوجد كتاب جيد اسمه (التعامل مع الذات) ومؤلفه الأخ الدكتور بشير صالح الرشيدي، هو موجود في الكويت ويمارس العلاج النفسي، فأرجو أن تتحصل على هذا الكتاب الجيد، وتقرأه بتمعن وتركيز.
أمر آخر: أريدك أن تضع لنفسك برامج يومية تصر فيها على التفاعل مع الآخرين، اذهب لزيارة الأصدقاء، ولزيارة الأرحام، والتق بالمصلين في المسجد بعد الصلاة؛ فهذا يا أخي كله نوع من التفاعل الاجتماعي المثمر وغير المكلف أبدا، أيضا مارس الرياضة مع أصدقائك فهي تعتبر تفاعلا جيدا، وهناك علاجات سلوكية أخرى يمكنك مراجعتها من خلال هذه الروابط:
( 259576 - 261344 - 263699 - 264538 )
أما بالنسبة للعلاج الدوائي فهو الحمد لله متوفر وسهل وسليم جدا، ولا يتطلب وصفة طبية، وهنالك عدة أدوية من أفضلها دواء يعرف تجاريا باسم (لسترال Lustral)، ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline)، وربما له مسميات تجارية أخرى منها (زولفت Zoloft).
تحصل على هذا الدواء، وابدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجراما (حبة واحدة) بعد الأكل، استمر على الجرعة هذه لمدة أسبوعين، بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبتين في اليوم – أي مائة مليجرام – ويمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة ليلا أو بمعدل حبة في الصباح وحبة في المساء، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى خمسين مليجراما يوميا، تناولها مساء، واستمر عليها لمدة ستة أشهر أخرى، ثم بعد ذلك قلل الجرعة إلى حبة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.
كما هو واضح فقد أوضحنا لك جرعة البداية، ثم جرعة العلاج، ثم جرعة الوقاية، ثم طريقة إيقاف الدواء.
أؤكد لك أن الدواء سليم وغير إدماني وغير تعودي، وليس له آثار جانبية، سوى أنه قد يزيد الوزن قليلا لأنه يفتح الشهية للطعام عند بعض الناس، كما أنه يؤخر القذف المنوي قليلا لدى بعض الرجال، ولكنه لا يؤثر أبدا على خصوبة الرجل أو مستوى الذكورة لديه.
بالنسبة لاحمرار الوجه، فأنا أؤكد أنه ناتج من عملية فسيولوجية طبيعية جدا، فحين يكون هنالك قلق يزداد إفراز مادة في المخ، وهنا يحصل تدفق زائد للدم.
إذن: هي عملية فسيولوجية طبيعية، والإشكال يأتي أن الإنسان الذي يأتيه هذا النوع من الخوف الوسواسي ينظر لهذا الاحمرار بتوجس وتخوف، وبشيء من المبالغة، ويعتقد أن الآخرين يلاحظونه، ونحن نعتقد أن هذا الشعور هو موجود، ولكن هنالك مبالغة في الطريقة التي يحس بها الإنسان حول هذه المخاوف.
إذن أخي الكريم: أنا متفائل جدا أنه باتباعك للإرشادات السابقة، وتناول الدواء الذي وصفناه، وقراءة الكتاب الذي ذكرناها لك، سوف تحس أن حالتك - إن شاء الله - قد تحسنت كثيرا وزالت عنك هذه الأعراض، ويجب أن تعيش حياتك بصورة طبيعية.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والصحة والعافية.