نظرة في كره الولد لأبيه المحسن إليه لغضبه المفرط

0 506

السؤال

السلام عليكم.

لا أعرف لماذا أكره والدي كثيرا ولا أطيقه من داخلي، على الرغم مما قدمه لنا من تربية وعناية أكثر من رائعة، فلم يقصر معي في مال؛ حيث وفر لي ما احتجته خلال عمري، ومؤخرا أحضر لي سيارة، وهو على استعداد لتمويل دراستي الماجستير والدكتوراه، وأيضا تزويجي.

أبي رجل مثقف وطبيب ومتدين، ولكن عنده صفة ذميمة، ألا وهي الغضب المفرط، فعندما يغضب ولأتفه الأسباب يتصرف بشكل مزر ومعيب، بحيث إنه يصرخ ويكسر، وفي بعض الأحيان يضرب، فقد ضربني وأنا في الـ (21) من عمري، وطبعا لشدة معرفتي بالبر لم أستطع سوى الدفاع عن نفسي بلا رد، طبعا هذه العادة أتذكرها منذ طفولتي، ولقد تركت عندي ردود فعل إلى الآن أحملها من خوف ورهبة منه، ولقد ولد لدي أيضا كرها للبيت وكرها للعيش فيه، ولكن من باب البر أحاول ألا أتذكر مثل هذه الأفكار.

أبي ليست لديه علاقات قوية من أصدقاء أو حتى أقارب، فكلهم يكرهونه بسبب غلظته في التعامل معهم وتكبره عليهم، فلدى أبي شيء من الشعور بالعظمة والكبر، وهو أيضا من النوع الذي يكبت مشاعره تجاه الآخرين، ولا يخرجها إلا عندما يغضب ويفرغها أثناء غضبه.

كرهي لوالدي شيء ينبع من داخلي، وغير قادر على التخلص منه، بحيث في بعض الأحيان يصيبني الشعور بالاكتئاب الحاد عند دخولي للبيت ورؤيته بداخله، بل وحتى أبغض سماع صوته، أو حتى صوت تحركاته في المنزل.

أرجو العون من الله ثم منكم للتخلص من مثل هذه المشاعر، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أيها الحبيب في استشارات إسلام ويب، ونحن نشكر لك حرصك على تذكرك بر الوالدين في جميع مواقفك التي تعرضت لها، ولكن مع هذا نقول أيها الولد الحبيب: ينبغي أن تتذكر على الدوام عظم حق الوالد على ولده، وإن كان الوالد مسيئا، فكيف إذا كان الوالد محسنا إلى ولده -كما هو الشأن في والدك-؟! ولا شك أيها الأخ الحبيب بأنك إذا نظرت بعين الإنصاف فإنك ستجد أن والدك يحمل الكثير من الصفات الطيبة التي تدعوك إلى الإكثار من حبه والمبالغة في بره، فقد ذكرت أنت وأنصفته حين قلت بأنه يوفر لك كل ما تحتاج، واشترى لك سيارة، ويبذل استعداده لتمويلك في الدراسات العليا وتزويجك، ونحو ذلك، وهذه لا يفعلها كثير من الآباء، فينبغي أن تنظر إلى من هو دونك حتى تعرف نعمة الله تعالى عليك، وحتى تعرف فضل هذا الوالد عليك.

والوالد -أيها الأخ الحبيب- لو لم يفعل شيئا من هذا لكان من حقه عليك البر والإحسان إليه، لفضله السابق عليك وأنت في الصغر، ولهذا جعل الله عز وجل حق الوالدين بعد حقه سبحانه وتعالى، فقال جل شأنه: (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ))[الإسراء:23]، وأمر سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الوالد في أشد حالات إساءة الوالد إلى الولد، ولك أن تتصور هذه الصورة التي ذكرها الله عز وجل في كتابه في سورة لقمان، والد يقسو على ولده بكل أشكال القسوة ليحوله عن دينه ويخرجه من دين الإسلام إلى دين الكفر، وهو بهذا يريد أن يكون الولد من حطب جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، هذه الصورة البالغة في الإساءة من الوالد لا يجوز أبدا أن تكون مانعا للولد من معاملة الوالد بالإحسان، كما قال الله تعالى في سورة لقمان: (( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ))[لقمان:15]، فأمر سبحانه وتعالى بمصاحبتهما بالمعروف، ونهى عن طاعتهما في الكفر، هذا وهما يجاهدان الولد ليكفر بالله تعالى، ومع هذا أمر بأن يصاحبهما بالمعروف.

ولا شك -أيها الأخ الحبيب- أن حق الوالدين عظيم، ولا يستطيع الإنسان أن يجزي والديه عما فعلاه معه وهو صغير، فكيف إذا استمر الإحسان منهما إليه وهو كبير بعد البلوغ وبعد بلوغه سن الرشد، ولا يزال الوالد يتعهده بأنواع المدد ويوفر له ما يحتاج؟!

أما احتجاجك بأن الوالد فيه صفة ذميمة وهي الغضب المفرط؛ فهذا ما أقبحه من عذر في الحقيقة، فإنه لا يوجد إنسان إلا وفيه عيب، ومن هذا الذي يخلو من العيب، فما من أحد إلا وفيه بعض العيوب، ولو صح أننا نكره ونبغض كل من وجدنا فيه خصلة ذميمة فإننا لن نجد أحدا نحبه في هذه الدنيا من الموجودين، لن نجد أحدا كاملا في صفاته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما من أحد إلا وفيه بعض السيئات وفيه بعض الخطايا، فلو صح هذا العذر لكرهنا جميع الناس، ولا شك ولا ريب بأن الشيطان يحاول أن يدخل إلى نفسك ويضخم لك الجانب السيئ في صفات والدك؛ ليوجد بينك وبينه البغضاء والقطيعة، ويحاول أن يدخل الحزن إلى قلبك، ولو أخذت بطرق العلاج لهذا الداء لأعانك الله تعالى عليه، وأول ما ينبغي أن تفعله:

أولا: أن تتذكر إحسان والدك الدائم إليك، منذ كنت في بطن أمك وإلى يومك هذا.

ثانيا: ينبغي أن تتذكر إذا أردت العلاج وصية الله تعالى بالوالد وعظيم حق الوالد عليك.

ثالثا: ينبغي أن تتذكر فضل المسامحة والعفو عمن أساء، فإنك إذا تذكرت هذا عرفت بأن أولى الناس بالمسامحة عند الإساءة هما الوالدان.

رابعا: ينبغي أن تكثر من قراءة قصص وسير الناس الصالحين في برهم لآبائهم، وكيف كانوا يفعلون مع آبائهم وأمهاتهم، فإن رجلا منهم -كما جاء في الأثر الصحيح- حمل أمه من اليمن على ظهره حتى أوصلها إلى الكعبة، وحجت وهي على ظهره، ثم بعد ذلك جاء إلى عبد الله بن عمر يسأله: هل قضى حقها أم لا؟ فقال: (ليس بزفرة من زفرات الوضع)، ولا شك ولا ريب أنك إذا قرأت تاريخ الصالحين وكيف فعلوا مع آبائهم وأمهاتهم ستجد أنك في تفريط عظيم في حق أبيك عليك، مع كثرة ما يبذله لك ويعطيه لك ويحسن إليك.

خامسا: ينبغي أن تكثر أيها الأخ الحبيب من قراءة الآيات والأحاديث التي تدل على عظم حق الوالدين، وتكثر من قراءة الأحاديث الآمرة ببر الوالدين، ففي هذا كله ما يدفع عنك هذه المشاعر التي تجدها في نفسك تجاه والدك، إنها بعبارة مختصرة -أيها الولد الحبيب- كراهية غير مبررة، حاول الشيطان أن يذكيها في نفسك، وأن يبالغ فيها، مستغلا بعض سيئات الوالد، أو موقفا من مواقف الوالد التي أساء فيها إليك، فينبغي لك أن تجاهد نفسك لتتجنبه وتدفعه عن نفسك، ويكون دفعه بالوسائل التي سمعتها، مع الاستعانة بالله تعالى وكثرة دعائه بأن يحبب إليك والدك، وأن يغرس في قلبك المحبة والبر له، وحاول مع هذا أن تنصح والدك بلطف ولين أن يترك الغضب، وأن يستعيذ بالله تعالى عند الغضب، وهذا خير لك من أن تكرهه أو تهجره، أو تحاول الابتعاد عنه بسبب هذه الصفة، فإن نصيحته ومحاولة مداواة هذا الجانب فيه باللين والمعروف خير لك وله.

ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يعينك على برك بوالديك.

مواد ذات صلة

الاستشارات