السؤال
بماذا تنصحون الأشخاص الذين لديهم استعداد للأمراض النفسية، كالقلق والتوتر والاكتئاب والوسواس القهري، كإجراءات وقائية؟ وهل جميع الناس لديهم الاستعداد لهذه الأمراض بنفس الدرجة؟
بماذا تنصحون الأشخاص الذين لديهم استعداد للأمراض النفسية، كالقلق والتوتر والاكتئاب والوسواس القهري، كإجراءات وقائية؟ وهل جميع الناس لديهم الاستعداد لهذه الأمراض بنفس الدرجة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طوبال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
من الناحية النظرية، فإن الأمراض النفسية بصفة عامة -وحتى الأمراض العقلية- تتبع نموذجا معينا فيما يخص أسبابها ومسبباتها، فهنالك ما نسميه بالعوامل المهيأة، وهنالك العوامل المرسبة، وهنالك العوامل المعجلة، ورابعا هنالك عوامل الاستمرارية، وهذه العوامل الأربعة هي التي تحدد إصابة الإنسان أو قابليته للإصابة بهذه الأمراض، كالقلق والتوتر والاكتئاب والوسواس القهري من عدمه، وكذلك مآل حالة الإنسان -أي ما سيؤول إليه إذا أصيب بهذه الأمراض-.
ويقصد بالعوامل المرسبة الظروف الحياتية التي تمر بالإنسان من ضغوطات وأحوال اجتماعية واقتصادية وأسرية، فإن كانت سالبة فلا شك أنه ربما يكون لها مردود سلبي على صحته النفسية، وربما تساهم في العلة النفسية التي سوف تظهر، وكذلك الأعراض المهيأة ويقصد بها الاستعدادات الوراثية، والتي تعتمد أيضا على التكوينات الغريزية وتكوين الإنسان الفطري، وكذلك البناء النفسي لشخصيته.
أما بالنسبة للعوامل المعجلة، فهي الأحداث الحياتية الشديدة والقوية التي ربما تعجل وقوع الاكتئاب النفسي، فمثلا بعض الناس لديهم استعداد للاكتئاب النفسي، وهذا الاستعداد يكون إذا وجد تاريخا أسريا قويا، ولكن إذا كان الإنسان يعيش حياة طيبة ومتوازنة، فهذا سوف يقلل من فرص الإصابة بالاكتئاب، لكن قد يأتي فجأة حدث حياتي ضخم، كفقد الوالدين مثلا، فيرفع من جرعة الهشاشة النفسية والقابلية للإصابة بالحالة، أرجو أن أكون قد أوضحت الفكرة.
هنالك أيضا عوامل استمرارية، فالإنسان قد تقل لديه عوامل التهيئة أو العوامل المرسبة أو العوامل المعجلة، ولكن تظل عوامل الاستمرارية موجودة، فمثلا: إذا أصيب الإنسان بقلق نفسي أو اكتئاب بالرغم من أن الظروف المهيأة والمرسبة لم تلعب دورا أساسيا، أو لعبت دورا في هذه الحالة ولكن تم العلاج، لكن كانت مثلا الحالة الاقتصادية للإنسان غير طيبة وأصبح في ديون، أو كانت لديه مشاكل صحية كثيرة، كارتفاع الضغط والسمنة واضطراب في الغدد الدرقية، أو الإصابة بالأورام غير الحميدة، فهذه تسمى بعوامل الاستمرارية، أرجو أن أكون قد أفدتك وأفهمتك الشق الأول من سؤالك.
أما النسبة للوقاية، أولا: إذا كان هنالك تاريخ مرضي قوي لدى الإنسان في أسرته، فلابد أن يتزوج من أسرة لا توجد بها أمراض نفسية؛ فهذا يقلل من الاستعداد.
ثانيا: إذا كان الإنسان لديه الاستعداد، نسبة لتكوينه الغريزي، أو بسبب شخصيته، أو الوراثة، فمن أفضل سبل الوقاية تهيئة الظروف الحياتية الطيبة والسوية والمتوازنة والمعتدلة، بعد أن تكون التربية تربية جيدة، بأن تقل النزاعات والمشاحنات بقدر المستطاع، هذا أيضا يقلل من الاستعداد للمرض؛ لأنه -أخي الكريم- حتى في حالة وجود العوامل الجينية والوراثية، فإن الذي يورث ليس المرض ذاته، إنما الاستعداد له.
من العوامل الوقائية أيضا أن يحافظ الإنسان على صحته الجسدية بصورة جيدة، وأن يمارس الرياضة؛ فهذا عامل كبير جدا للوقاية، وأن يبني ويطور مهاراته الاجتماعية ومهاراته الوظائفية، وأن يكون قنوعا بما قسم الله له، وأن يسعى بالطبع لتطوير نفسه، وأن يبتعد البعد الكامل عن المؤثرات العقلية، كالتدخين وتناول الخمور والمخدرات؛ فهذه كلها تزيد من قابلية الإنسان للإصابة بالقلق والاكتئاب والتوتر، كما أن التفاعل مع مجموعات تتميز بصحة نفسية عالية يساعد في الوقاية من الأمراض النفسية، وأعني بذلك أن يتخير الإنسان رفقته وقدوته، ولا شك -أخي الكريم- أن الدعاء فيه خير كثير للإنسان.
أما فيما يخص سؤالك: هل جميع الناس لديهم الاستعداد لهذه الأمراض بنفس الدرجة؟ فبالطبع لا، ودائما العوامل المرسبة والعوامل المهيأة حسب الجرعة التي تساهم بها، يكون هنالك استعداد لظهور المرض، والشخص الذي يأتي من أسرة تكثر بها الأمراض النفسية، كأن يكون الوالدان لديهم اكتئاب، فهنا يكون الاستعداد أكبر، والشخص الذي لديه عوامل وراثية وفي نفس الوقت تكون ظروفه الحياتية سلبية جدا، ويكون عرضة للكثير من الضغوط النفسية، لا شك أن استعداده أكثر، ولا شك أن تطوير المهارات والتزود بالتعليم فيها عوامل وقائية كثيرة جدا، كما أن الرياضة يذكر عنها الكثير من الإيجابيات، والمحافظة على الصحة بصفة عامة -كما ذكرنا- تقلل من درجة الإصابة بالأمراض المذكورة، حتى وإن وجدت العوامل الأخرى التي قد تساهم في الإصابة بالمرض.
هنالك أخي الكريم ملاحظات مهمة جدا، وهي أن مرحلة الطفولة مرحلة مهمة جدا، وخبرات الطفولة قد تنعكس سلبا أو إيجابا على الإنسان، إذا كان لديه الاستعداد للأمراض النفسية، وهذا يعني أن نحاول أن نربي أبناءنا وأن نرشدهم بصورة طيبة ومستقيمة ومتوازنة، وأن نشعرهم بكينونتهم، وأن نساعد في تنمية شخصياتهم وتثبيت هويتهم فيما يخص دينهم ولغتهم وحبهم لوطنهم، فهذه كلها عوامل فيها كثير من الوقاية، لذا ففترة الطفولة مهمة للإنسان؛ لأنه إذا قارنت الإنسان بمخلوقات الله الأخرى تجد أن فترة الطفولة طويلة جدا، فمثلا: الفيل قد يعيش نفس عمر الإنسان أو أطول، ولكن فترة طفولته قصيرة جدا، لا تتعدى الستة أشهر، أما بالنسبة للإنسان ففترة الطفولة كثيرة تصل إلى 12، 13، 14 سنة، وهذا يعني أن الخبرات التراكمية سوف تكون أطول، فهذه مهمة جدا من حيث الحرص، في أن ننمي أطفالنا تنمية جيدة وراشدة.
بارك الله فيك يا أخي الكريم، وأشكرك كثيرا على التواصل مع إسلام ويب.