لا أشعر بالسعادة بسبب افتراق والدي وتشتت عائلتي

0 35

السؤال

السلام عليكم

رمضان على الأبواب، ولكني مع ذلك لا أشعر بالسعادة أو الارتياح بل أشعر بالخوف والقلق، أنا لا أسعد بشهر رمضان ولا بالأعياد.

أنا مؤمنة، وأقوم بأداء صلاتي وجميع فرائض ديني، ولكن المشكلة أن عائلتي انقسمت منذ سنتين إثر حدوث الطلاق، وتزوج أبي بامرأة أخرى، حتى قبل الطلاق لم يكن لدي إحساس بالانتماء إلى عائلة، فقد كانت أمي كثيرة المشاكل وما زالت إلى الآن كذلك، المهم هو أن كل التقلبات التي حدثت في حياتنا، وكل المشاكل التي مررنا بها؛ جعلتني لا أسعد بأي مناسبة تستدعي اجتماع العائلات، صدقا كنت سأحب رمضان لو لم يكن يذكرني بأننا عائلة مشتتة وبأني بقايا إنسانة.

يؤنبني ضميري؛ لأني لا أسعد بالأعياد، ولكنكم تعلمون أن الإحساس بالسعادة ليس اختيارا منا في معظم الأحيان، فماذا أفعل لكي لا ينتابني الحزن كلما طرق رمضان أبوابنا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تسنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فمرحبا بك أختنا الكريمة في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يكتب لك السعادة، وأن يصلح سائر أمورك.

ونحن بلا شك نشعر بمدى الألم الذي تشعرين به من تفكك الأسرة ومفارقة والديك لبعضهما، ولكنا لا نوافقك أبدا بأن هذا سببا كافيا لأن ينزع السعادة من حياتك، فإنه بإمكانك أن تعيشي سعيدة بل وفي أقصى غايات السعادة وإن لم تكن لك أسرة مجتمعة كما تتوهمين أنت.

ولا شك أن الأسرة مجتمعة من أسباب السعادة، وكون الإنسان يعيش بين والديه في بيت واحد تحت سقف واحد من مكملات السعادة، لكنها ليست السبب الوحيد في تحصيل السعادة حتى إذا فقد هذا فقدت السعادة معه أبدا، فإنك لا تزالين أمام أسباب عديدة كفيلة بإذن الله تعالى بأن تجلب لك السعادة والطمأنينة، وتعيشين حياة هادئة مطمئنة إذا أخذت بها، ونحن نضع بين يديك جملة من الوصايا هي وصايا لمن يحب لك الخير ويتمنى لك السعادة، ونتمنى أن تأخذيها بجد وحزم وتعملي بها بدقة، ونأمل إن شاء الله بعد ذلك أن نسمع منك بشرى حسنة، وشعورا منك بتغير في حياتك وطمأنينة في قلبك.

بواعث السعادة أيتها الأخت كثيرة، أولها وأهمها: الإيمان بالله تعالى، وبأنه سبحانه وتعالى مع عبده يدبر أمره ويقضي ويقدر ما هو خير له، فإنه سبحانه وتعالى يرعى هذا الإنسان رعاية تامة أكمل وأتم من رعاية أبيه وأمه، فهو سبحانه وتعالى أرحم بهذا الإنسان من نفسه.

هذا الإيمان العميق بالله تعالى وبقربه بعبده وبرحمته به وتصريف أموره على أتم وجوه المصلحة وأكملها يبعث في النفس الطمأنينة والركون إلى الله تعالى والإيمان بمعيته، فيعيش الإنسان سعيدا بشعوره بقربه من الله جل شأنه، وهذه أهم ثمرات الطاعة الإيمان والعمل الصالح، وقد وعد الله عز وجل المؤمنين العاملين الصالحات بالحياة الطيبة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فقال سبحانه وتعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، والحياة الطيبة بالإيمان والعمل الصالح.

فنحن نوصيك أيتها الأخت الكريمة وصية من يتمنى لك كل خير أن تجتهدي أولا في إصلاح العلاقة بينك وبين الله تعالى؛ بالإكثار من التقرب إليه، وأداء الفرائض أولا، ثم الإكثار من النوافل بقدر الاستطاعة؛ فهذا هو السبيل الأعظم والطريق الأوسع الموصل إلى السعادة بأتم معانيها وأكملها.

الوصية الثانية: محاولة صنع الرضا بالمقدور في النفس، فإن الإنسان قد يصاب ببعض المنغصات في حياته كهذه الحالة التي أنت فيها مثلا من مفارقة الوالد للوالدة، وبعض الناس يصاب بموت أحد الوالدين، وبعضهم يصاب بموت الوالدين جميعا، وبعضهم يصاب بتدمير الأسرة بكاملها وأحيانا تدمير البيت مع الأسرة، وأنت ترين أمامك نماذج كثيرة بأنواع المصائب التي تنزل بالناس، لكن الرضا بهذا المقدور هو سر السعادة لهذا الإنسان في هذه الحياة.

وخير ما يعينك على صنع الرضا بما قدره الله عز وجل لك سواء في هذه المشكلة التي أنت تتألمين بسببها أو بغيرها، خير ما يعينك على ذلك النظر في أحوال الناس الذين هم دونك، والذين لهم مشاكل أو مصائب أعظم مما أنت فيه، فإن نظر الإنسان إلى من دونه يذكره بعظيم نعم الله تعالى عليه وكثرتها، فيعرف قدر النعم التي هو فيها ويعيشها، ولا شك أنك لو نظرت في أحوال العالم لرأيت أسرا مفرقة مشتتة أعظم مما أنت فيه، وستجدين بعض النساء أو بعض البنات أو بعض الأطفال يعيشون مشردين لا بيت يؤويهم، ولا أب ينفق عليهم، ولا أم تحنو عليهم، ولا أقارب يكفلونهم ويتفقدون حاجاتهم، إلى غير ذلك من المصائب، فإذا نظرت في أحوال هؤلاء الناس علمت مقدار الخير الذي أنت فيه، فصنع هذا في نفسك الرضا والصبر على ما أنت فيه.

الوصية الثالثة: التواصل الجاد مع أفراد العائلة، فإن افتراق الوالدين لا يعني نهاية العلاقة بينك وبين أفراد أسرتك، فإنه يمكن أن تصنعي لنفسك صلات قوية متينة بين والديك وبين أقاربك في الأسرتين، بل قد يكون هذا التفرق عنصرا بناء لعلاقات جديدة في حياتك وسببا لاجتماع معارف وأقارب أكثر مما لو كنت في الأسرة المجتمعة، فالتواصل مع أفراد العائلة، والتواصل مع الأم بأنواع الصلات ومحاولة الإحسان إليها وبرها والتلطف بها، ومحادثتها بالهاتف، أو زيارتها كلما قدرت على الزيارة، وكذلك الإحسان للوالد ولزوجته الجديدة ولإخوانك منها؛ كل هذا سيصنع فيك سعادة جديدة، فلا ينبغي أبدا أن تستسلمي لليأس وللإحباط فتتركي هذا التواصل معهم وتستسلمي للمشاعر التي يحاول الشيطان من خلالها أن يدخل الحزن إلى حياتك وذلك بإيهامك أنك أصبحت غصنا مقطوعا من شجرة ليست لها شجرة تنتمي إليها.

الوصية الرابعة: الشعور بأن العائلة المكونة الجديدة هي أيضا أسرتك، فزوجة أبيك هي في مقام أمك أيضا وإن وجدت منها بعض المنغصات كما هو المألوف والمعتاد، لكنها في مقام أمك، وأبناؤها هم إخوانك وأخواتك، فشعورك بأنك جزء من هذه الأسرة لها عليك حقوق ولك عليها حقوق، يجعلك تبادلين هذه الحقوق، وتسعين في الإحسان إلى أفراد هذه الأسرة بكل ما تستطيعين بالكلمة الطيبة وبكل ما تقدرين عليه من إعانة، وهم أيضا سوف يبادلونك نفس المشاعر فإن النفس البشرية مجبولة على حب من أحسن إليها.

لا شك ولا ريب أنك أمام وسائل عديدة لصنع علاقات جيدة بهذه الأسرة، وهم أسرتك، إخوانك وأخواتك ووالدك، وينبغي أن تنمي في نفسك هذا الإحساس وهذا الشعور، ولا تلتفتي إلى ما قد يكون هنالك من منغصات، فإن الأسرة الواحدة والإخوة والأخوات من أب وأم هم أيضا يعيشون أحيانا كثيرة أنواعا من المشادات والخلافات، لكن يتغلبون عليها بسبب مشاعرهم بأنهم وحدة واحدة، فإذا أوجدت في نفسك هذا الشعور فسوف تجدين أنك تعيشين وسط أسرتك وعائلتك، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح ما بينك وبين أهلك، وأن يصلح ما بين أهلك أيضا، وأن يقدر لك الخير حيث كان.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات