السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي مشكلة أتعبتني كثيرا ولم أستطع تحقيق حلمي بسببها، مشكلتي هي عدم القدرة على التكيف أو التأقلم خصوصا في السفر، فمثلا أنا أحب السفر، وإذا فكرت أسافر وحددت اليوم الذي سوف أسافر فيه تصيبني حالة من الضيق في صدري لا أستطيع تحملها، وأتمنى الموت على أن أسافر، وأرفض فكرة السفر من أساسها.
وهذه الحالة كنت أحس بها منذ أن كان عمري 15 سنة، سواء كنت سأسافر لوحدي أو مع أهلي أو مع أصحابي تأتيني نفس الحالة، ولقد كنت أنوي الدراسة ببريطانيا وكان عندي طموح أن أتعلم اللغة وأدرس الجامعة، لكن كنت أعرف نفسي أني لا أستطيع التأقلم مع وضعي في الغربة، ومع ذلك قلت في نفسي سأذهب وأجرب وأحاول أضغط على نفسي، فلما جاءت الإجازة قررت أن أدرس اللغة لشهرين وأجرب فسافرت، وفي أول أسبوع لم أقدر أتحمل، وبدأت أحس أن الموت أرحم لي، لكني ضغطت على نفسي وحاولت أجلس مع شباب هناك، وحاولوا يهدئوني، وأكملت شهرا فقط وبعدها لم أستطع ومن ثم عدت.
لا أدري ما الذي في! حاولت الرقية على نفسي لكن لم أشعر بتغير أبدا، وللعلم يا دكتور حتى لو نويت أن أسافر من المدينة التي أنا فيها لمدينة قريبة تبعد عنا 70 كيلو تأتيني نفس الحالة.
أتمنى أن تدلوني على علاج؛ لأني لم أستطع التحمل أكثر من ذلك، والله يجزيكم خيرا ويوفقكم لما يحبه ويرضاه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد المجيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن الذي تعاني منه ليس هو الخوف من السفر وإنما الخوف من الفراق لمصدر الأمان الذي تعيش فيه، وهذا النوع من القلق نسميه بقلق الفراق، وهو بالفعل مزعج لأصحابه، ولكنه ليس مستحيل العلاج، إنما يمكن علاجه بإذن الله تعالى.
أولا أخي الكريم: أنت تدرك تماما أن السفر ضرورة، وأن السفر فيه خير كثير جدا، وأنا أريد أن أبدأ معك بشيء بسيط ولكنه مهم ومفيد جدا:
تأمل أخي فيما ورد في دعاء السفر، تأمل هذه الكلمات العظيمة وما تسببه للإنسان من دافع وأمان وطمأنينة: (اللهم أنت الصاحب السفر) أي أنك تسأل الله تعالى أن تكون في معيته، وأن تكون في حرزه، وأن تكون في حفظه (والخليفة في الأهل) فتحس حين تقول ذلك بالأمان التام حول أهلك وذويك ومن تتركهم (اللهم هون علينا سفرنا هذا) هذا رجاء وطلب عظيم إلى رب العزة أن يخفف عنك عناء السفر (واطو عنا بعده) وفعلا أبعاد السفر الآن قد طويت والحمد لله.. وهكذا.
أريدك أن تقرأ دعاء السفر بتأمل، وحين تبدأ سفرك قله بتركيز وبقناعة كاملة بما ورد فيه، وأنا لدي تجارب شخصية في ذلك الأمر، ولا أريد أن أتحدث عن ذاتي ولكني سافرت كثيرا وأكثرت السفر، ووجدت أن دعاء السفر هو خير معين وخير وسيلة لأن يكون الإنسان مطمئنا.
ثانيا: لكل سفر غرض وهدف، والهدف أو الغرض لا شك أنه قيمة في الحياة، وهناك منفعة منه، هناك شيء سوف تجنيه، فلابد أن تتذكر ذلك، أنت الآن في المملكة العربية السعودية، مثلا إذا أردت أن تذهب إلى مكة أو إلى المدينة، تعرف أنك شددت الرحال إلى المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولابد أن يكون هنالك تشوق واندفاع إيجابي.
الذي أريد أن أصل إليه هو أن استشعارك لقيمة السفر وهدف السفر سوف يقلل عليك قلق الفراق الذي تعاني منه، والأمر الآخر والمهم جدا أن السفر الآن قد أصبح سهلا، والتواصل مع الأهل سوف يكون سهلا، وحين تذهب إلى أي بقعة في الدنيا سوف تجد كثيرا من خلق الله من جنسيات مختلفة، هؤلاء وصلوا إلى تلك الأماكن عن طريق السفر.
فأنت محتاج إلى ما نسميه بالتغيير المعرفي الداخلي، وهذا هو الذي يجب أن تنشده، وأنصحك نصيحة مهمة وهي أن تبدأ الآن بالتحرك والأسفار حتى وإن كانت أسفارا قريبة في داخل البلد وفي داخل المملكة.
أنت ذكرت أنك لا تحس بالارتياح حتى حينما تكون مسافرا مع أهلك، هذا أيضا يمكن أن يحدث مع الذين يعانون من قلق الفراق، بالرغم من وجود الأهل ولكنك لا تحس بالأمان؛ لأنك فارقت منطقة معينة، ووضوح الأهداف كما ذكرت لك مهمة جدا.
توجد أدوية علاجية تساعد في التخلص من مثل هذه المخاوف ومن هذا النوع من القلق، من هذه الأدوية دواء يعرف تجاريا باسم (زولفت Zoloft) ويعرف أيضا تجاريا باسم (لسترال Lustral) ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline) يمكنك أن تبدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة، وقوة الحبة هي خمسون مليجراما، استمر عليها لمدة ستة أشهر، ويجب أن يكون تناولك لها باستمرار، وبعد انقضاء الستة أشهر خفض الجرعة إلى حبة يوما بعد يوم لمدة شهرين، ثم توقف عن تناول الدواء.
الدواء جيد، ومفيد، وغير إدماني وغير تعودي، وفي فترة تناول الدواء يجب أن تكثر من الأسفار، هذا مهم جدا.. وهذا هو الذي أود أن أنصحك به، وأنا على ثقة تامة أنك إذا طبقت ما ذكرناه لك سوف تحس -إن شاء الله- أن السفر أمر طيب وجيد وممتع في كثير من الأحيان، وختاما نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب.
وبالله التوفيق.