السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أصابني فتور في الدين في رمضان، خاصة الصلاة، وقراءة القرآن؛ حيث أشعر بعدم الرغبة في قراءة القرآن، وعند محاولة القراءة أشعر بالملل، وأيضا صلاة الجماعة خفت عندي بعد أن كانت أهم شيء في حياتي، خاصة صلاة الفجر، فأصبحت أصليها بعد أن تطلع الشمس، وكنت أذكر الله وأستغفر، وأصلي قيام الليل ركعتين أحيانا، ولكن تركت ذلك، وأصبحت أصلي منفردا، والمصيبة أني أؤخرها إلى قبل الصلاة التي بعدها بخمس دقائق.
علما بأني غير راض عن هذا كله، ولا أخفيكم أني بدأت أستمع الأغاني، كما أستخدم الشات للتحدث مع البنات عن طريق الكاميرا، أعرف أن هذا خطأ، ولكن كلما نويت التوبة أرجع، فأريد حلا لهذه المشكلة، وكيف أقوي علاقتي بالله عز وجل؟ وما الأدعية والخطوات المناسبة للعودة إلى سابق عهدي؟!
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتوب عليك، وأن يعيد إليك جذوة الإيمان، وأن لا يحرمك من حلاوة الإيمان، وأن يوفقك لطاعته ورضاه، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن تغير الحال أمر مؤلم، خاصة بعد أن ذاق العبد حلاوة الإيمان واستقام على منهج الرحمن، وأصبح من عباد الله الصالحين، ثم يأتي بعد ذلك كله ليجد نفسه أصبح في قارعة الطريق، أصبح منبوذا ليس له قيمة عند الله تبارك وتعالى، وفرط في الأسباب والأشياء التي كانت تؤدي إلى محبة الله عز وجل له، وهذا يصدقه قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو به دائما: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) لأن القلوب تتغير وتتحول تغيرا عجيبا غريبا، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم صور لنا تغيرها وتحركها بقوله: (أنها تبدو تحركا من الماء في القدر على النار إذا استجمعت غليانا) فالقلوب تتغير تغيرا عجيبا، وإذا لم ينتبه الإنسان لقلبه فإنه سوف يفقده، ولا يخفى عليك ما قاله أهل العلم من أن القلوب تنقسم إلى ثلاثة أقسام: هناك قلب سليم، وهناك قلب مريض، وهناك قلب ميت، وأن الواحد منا قد يمرض قلبه وهو لا يدري ثم تزيد علته وابتلاؤه ومرضه فيموت في صدره فيغسل ويكفن ويصلى عليه وهو لا يعلم عن ذلك كله شيئا، ويمشي في الحياة كأنه يملك صخرة في قلبه ولا يملك قلبا ينبض بالحياة.
ومن هنا فإن هذا التغير خطير ويدل على أن هناك سببا معينا لحرمانك من هذا الخير؛ لأنك تعلم أن الله تبارك وتعالى أرحم بالإنسان من الوالدة بولدها، وأنه يفرح بعباده الصالحين وعباده المؤمنين، خاصة أهل الصلاة والقيام.
فهذه الأمور التي حرمتها لابد أن هناك سببا وراء هذا الحرمان، ومن هنا فإني أقول لك: إذا أردت العلاج فلابد أن تجلس مع نفسك جلسة مسترخية وأن تبدأ في عملية عصر ذهني لتعرف ما هو الذنب الذي وقعت فيه حتى ترتب عليه حرمانك من هذه الأشياء أو على الأقل إذا لم تعرف الذنب تحدد الزمن الذي بدأت فيه هذه المشكلة، ثم ثانيا تبحث عن الأسباب التي أدت لهذا الفتور؛ لأنه كما ورد في قول النبي عليه الصلاة والسلام: (ما من مصيبة تقع إلا بذنب ولا ترفع إلا بتوبة).
هذه المصائب التي حدثت لك الآن وهي حرمانك من الطاعة لابد أن وراءها ذنب عظيم وقعت فيه ترتب على ذلك حرمانك من هذه الأعمال الطيبة التي كنت تمارسها في حياتك؛ ولذلك أنا أتمنى كما ذكرت لك أن تجلس مع نفسك جلسة مصارحة، وأن تبدأ فتح كل الملفات التي عندك بوضوح أمام نفسك، وأن تبدأ بارك الله فيك من وقت حدث هذا، متى بدأ التغير، هذا اليوم الذي بدأ التغير ما الذي كنت قد فعلت فيه، هل كانت هناك معاصي؟ هل كانت هناك غفلة؟ هل كان هناك أشياء مما حرم الله تعالى؟ .. حاول.
ثم بعد ذلك أبحث عن الأسباب لماذا أنا مقصر، قطعا هذا التغير له أسبابه، فأتمنى أيضا أن تحصر الأسباب التي أدت بك إلى ذلك وتحاول التخلص منها، والاجتهاد في ذلك.
ثالثا: عليك بالمعينات والمرغبات والمساعدات، وعلى رأس هذه المعينات الصحبة الصالحة، فأنا أرى أنك لم تتطرق للصحبة رغم أنها دوره عظيم، فأرى أن تعيد اتصالك بإخوان الصالحين في المساجد وفي المدارس وفي المؤسسات الكبرى التي يوجد بها الشباب المسلم، حاول أن تربط نفسك بإخوانك الصالحين، واجتهد في أن تكون فعلا معهم معظم الوقت حتى تضيق منافذ الشيطان إلى قلبك؛ لأن الشات هذا يحتاج إلى وقت وهو قاتل من قتلة الوقت الذين يدمرون عمر الإنسان بسهولة ويسر وهو لا يدري.
فأنت تحتاج إلى الصحبة الصالحة التي تأخذ وقتك كله في طاعة الله، وبذلك تضيق عليك الفترات التي كنت تقضيها في الشات تقل جدا؛ لأن الشات معصية يترتب عليها حرمانك أيضا من أعمال صالحة لأن هذه المعاصي تدخل إلى القلب مباشرة لأنها تأتي عن طريق العين.
فاجتهد في ترك الشات أيضا ابتغاء مرضاة الله تعالى، تأخذ قرارا بأنه لابد من تغيير واقعك، ولن يتغير واقعك إلا إذا قمت أنت بهذا التغيير تلقائيا، يذهب معك والدك، هذه مسائل أخرى، ولكن المهم أنت لابد أن تبدأ بعملية التغيير وحدك، وينبغي أن تقول لنفسك لن أعود للأغاني مرة أخرى، وكذلك الشات إذا كان الجهاز موجودا في غرفتك حاول أن تخرجه في الصالة أو بعيدا عن غرفتك خاصة حتى تقمع نفسك وشهواتك وشيطانك الذي يزين لك قضاء وقتك وتضييعه في هذه الأشياء التي لا تسمن ولا تغن من جوع.
إذن خذ قرارا في البحث عن الصحبة الصالحة في أقرب فرصة ممكنة، وبعد ذلك خذ قرارا عن التوقف عن المحرمات كسماع الأغاني، والدخول على الشات، فلابد من البحث عن الصحبة الصالحة التي تعينك على طاعة الله.
ثالثا: لابد أن تبحث عن الأسباب التي أدت بك إلى هذا الانحراف وتحاول أن تعالجها بقدر الاستطاعة، وأن تتخلص منها؛ لأنها هي التي تدمر حياتك، وهي التي تشكل خطورة قوية جدا على مستقبلك، فأنت تعلم أن العبد يظل في أمن وأمان من الله ما لم يرتكب معصية، فإن ارتكب معصية سقط من عين الله إلا أن يتوب الله عليه، وبذلك أصبح موقفه في غاية الحرج.
وأتمنى أن تعقد لنفسك معينات على الصلاة، بمعنى أن تستعمل منبه الجوال أو الهاتف الأرضي أو أن تستعمل منبها عاديا ليوقظك لصلاة الفجر حتى تتقوى على العودة إليها بعد أن تكاسلت عنها.
كذلك أيضا أوقات الصلاة، إذا كنت لا تسمع المؤذن فحاول أن تستعمل أي وسيلة تنبيه ينبهك بوقت الصلاة، حتى تجتهد في أن تتخلص من هذه السلبية التي لديك.
أوصيك كذلك أيضا بقراءة بعض كتب الصالحين مثل كتاب (البحر الرائق) للشيخ أحمد فريد أو كتاب (مختصر منهاج القاصدين) لتعالج قلبك؛ لأن هذه تتكلم عن أمراض القلوب، وتتكلم عن غيرها من المسببات التي تفسد على الإنسان دينه ودنياه، وبذلك سيعينك إن شاء الله على أن تتزود بجرعة إيمانية عالية تستطيع بها أن تقاوم هذه السلبيات التي بدأت تعصف بحياتك، والتي بدأت تهدد مستقبلك.
وعليك بالإكثار من الاستغفار والتوبة، وكذلك الأعمال الصالحة وأعمال البر، وكذلك أوصيك بالإكثار من الصلاة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام عسى الله تبارك وتعالى أن يغفر ذنبك، وكما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام وأن يكفيك ما أهمك.
وأتمنى أن تدخل على نفسك برنامجا علميا، فحاول أن تشغل منه أوقات فراغك، لعلك أن تقبض إلى الله تعالى وأنت من الذين يسعون في طلب العلم الذين بشرهم النبي بقوله عليه الصلاة والسلام: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة)، نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأله أن يغفر لك وأن يتوب عليك، إنه جواد كريم.
وبالله التوفيق.