العلم الشرعي.. والطريقة الصحيحة لتحصيله

0 697

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد الآن أن ألتحق بكلية للعلوم الشرعية، فأريد بعض النصائح، وكما هو معروف فهنالك الكثير من المشايخ والدعاة، وأنا أريد أن أكون ساطعا كاللؤلؤة بين المشايخ، مع الحرص على الإخلاص، فدلوني وأفيدوني كيف أكون منهم؟ وأيضا ما هي أفضل الطرق لدراسة العلوم الشرعية؟ وكيف أكون متميزا وأحصل على علامات كاملة؟

وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بهاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك في موقع استشارات إسلام ويب بين آبائك وإخوانك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا وإياك في الدين، ويعلمنا التأويل وأن ينفعنا وينفع بنا، إنه جواد كريم.

نحن نشكر لك - أيها الولد الحبيب - هذه الهمة العالية في طلب علم الشريعة، وهذا يدل على رجاحة عقلك، فإن العلم بالله تعالى وبأحكامه وبأسباب رضوانه، من أجل الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه جل شأنه، والآيات والأحاديث في فضل العلم الشرعي كثيرة غير خافية على أحد، ويكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة)، وفي الحديث: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع) ويقول عنه – أي عن طالب العلم – عليه الصلاة والسلام: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)، والنصوص في هذا المعنى كثيرة متوافرة.

فهنيئا لك - أيها الحبيب - هذه الرغبة في دراسة علوم الشريعة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيدك رغبة، ويرزقك همة عالية في تحصيل هذا العلم الشريف والانتفاع به ونفع الخلق به، إنه جواد كريم.

ونحن هنا - أيها الحبيب - نضع بين يديك جملة من الوصايا التي نأمل أن ينفعك الله عز وجل بها، ونتمنى أن تجد لديك قبولا وتعمل بها، حتى تحصل هذه المطالب العالية التي سألت عنها.

أول هذه الوصايا ما تفضلت بذكره في استشارتك من الحرص على الإخلاص، فجاهد نفسك في تحصيل الإخلاص، واقصد بطلب العلم وجه الله الكريم والتقرب منه، ونفع الخلق به، ورفع الجهل عن نفسك، وتعليم الجاهل من المسلمين، وبهذه النية سيرزقك الله عز وجل ما لا تحتسب، فإن حسن النية وحسن القصد من أعظم الأسباب في نيل العلم.

واحذر أن ينزغك الشيطان عن هذا المقصود العظيم، فتطلب العلم لشهرة أو لتحقيق جاه أو للرفعة، أو نحو ذلك من المقاصد التي قد تصاحب طلب العلم، فإن العلم شريف في نفسه، تسعى له النفوس كلها، لكن تختلف مقاصدها، فاجعل رضوان الله تعالى والقرب منه، ورفع الجهل عن نفسك، ونحو ذلك من المقاصد الحسنة أمام عينيك، حتى يوفقك الله سبحانه وتعالى، ويمدك بمدد من عنده، فإن التوفيق بيده سبحانه وتعالى، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، أعلم حيث يجعل هذا العلم، من يعطيه ومن يورثه، فأري الله عز وجل من نفسك خيرا حتى يفتح عليك.

الوصية الثانية: إياك والحرص على الشهرة، لا تجعل الشهرة هي مقصودك الأعظم، فربما كان عطبك وهلاكك في تلك الشهرة، ولكن اسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير، وأن ينفعك بالعلم، وأن ينفع بك المسلمين، واجعل حرصك متجها نحو نفع الخلق مما تتعلمه من صغير العلم وكبيره، وبقدر اشتغالك بالله سيكون اشتغال الناس بك وبذكرك، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، وإذا أحب الله عز وجل عبدا ألقى له المحبة في قلوب الخلق، كما جاء بذلك الحديث، فإن الله عز وجل يحبه، (وإذا أحب الله عبدا نادى: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل وينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، ثم يوضع له القبول في الأرض).

فاحرص على نيل هذه المرتبة وهذه المنزلة عند الله، وبذلك ستنال المحبة في قلوب الخلق، فلا تجعل المكانة في قلوب الخلق والشهرة عندهم هي مقصودك؛ فإن هذا قد يفتح للشيطان بابا عظيما من أبواب الشر عليك، والعلماء والأئمة لو قرأت تراجمهم، ستجد الشيء الكثير من أخبارهم في بعدهم عن الشهرة، ولكن كلما بعدوا عن الشهرة طاردتهم الشهرة وطالبتهم فشهروا وعرفوا وصاروا أئمة للعالمين، تتابع الأجيال على الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم والانتفاع بعلومهم، مع أنهم ما كانوا يطلبون الشهرة ولا بحثوا عنها، فالشهرة ستأتيك، ولكن ليست هي المقصود الذي ينبغي أن تهتم لأجله.

الوصية الثالثة: الجد في الطلب ومجالسة أئمة الدين، والتتلمذ على الماهرين في كل فن، فإن هذا من أعظم الأسباب في إتقان العلم وإحسانه والرسوخ فيه، فحاول أن تتلمذ على الماهرين في الفنون، فاطلب كل فن من أهله والماهرين فيه، وجالس الجادين من طلبة العلم، فإن الصاحب ساحب، إذا ما جالست أصحاب الهمم العالية أكسبوك مثل أخلاقهم، وإذا ما جالست المفرطين والمضيعين والكسالى أكسبوك مثل صفاتهم.

الوصية الرابعة: الاجتهاد في تعليم الناس ما عندك من العلم، فاحرص على أن تبلغ العلم الذي تتعلمه بعد إتقانه وإحسانه، واحذر من شهوة التعليم والتصدر قبل التمكن، ووازن بين الأمرين جميعا، فما أتقنته من العلم وأحسنته ينبغي لك أن تعلمه للآخرين وتقف عند ما تعلمه، فلا تتقول مما ليس لك به علم، واحذر من أن تقول على الله تعالى ما لا تعلم.

الوصية الخامسة: نوصيك باتباع الطريق الصحيح في التعلم بأن تتبع المنهج الصحيح بالبدء بصغار العلم قبل كباره، فإن العلم كثير، ولا ينال الإنسان منه إلا طرفا يسيرا، فاحرص على أن تأخذ العلوم شيئا فشيئا، وابدأ بصغارها قبل كبارها، وهذا منهج معروف متبع عند العلماء إذا ما ذهبت إلى أهل العلم المتخصصين فيه فإنهم سيدلونك في كل فن على الكتب المختصرة القصيرة التي ينبغي أن تبدأ بها، ثم بعد ذلك تنتقل منها إلى ما هو أكبر منها، وهذه هي الربانية في التعليم كما قال الله تعالى: ((ولكن كونوا ربانيين))[آل عمران:79] أي علموا الناس صغار العلم قبل كباره.

وأنت بهذا السلوك إن شاء الله ستحصل علما كثيرا، فاحرص بقدر الاستطاعة على أن تحفظ شيئا من المتون في العلوم التي تدرسها، فإن هذا هو الذي يبقي من العلم، واجعل ما تقرؤه بعد ذلك من الشروح والمطولات في كل فن بمثابة الحواشي للمتن -وإن كان صغيرا- مما حفظته في ذلك الفن.

هذه أهم الوصايا التي تجعلها بين يديك، وهناك استشارات كثيرة لدينا فيها بيان كيفية طلب العلم الشرعي، وكتب شرعية في جميع علوم الشريعة نحيلك إلى بعضها لتجد فيها فائدة عظيمة.

نسأل الله تعالى أن ييسر لك الدرب وأن يوفقك للإخلاص في النية، ويرزقك حسن الفهم، وييسر لك سبل العلم، ويقدر لك الخير حيث كان.


- كيفية طلب العلم الشرعي 16790 - 260974 - 272866 - 3395
كتب شرعية في جميع علوم الشريعة 251691 - 237140 - 54651

مواد ذات صلة

الاستشارات