السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة أبلغ من العمر (17) سنة، تعرفت إلى شاب دامت علاقتي معه (3) سنوات، ثم هداني الله وتبت عما كنا نفعل، وارتديت الحجاب بل الخمار، وأصبحت أرفض التكلم معه، وقطعت علاقتي به كليا، وأصبح كلامنا فقط في حدود الاحترام.
لكن أبي أرغمني على نزع الخمار واحتفظت بالحجاب، ولكن الشاب الذي كنت أعرفه لم يتقبل ذلك، فظن أنني كنت أضع الخمار فقط ليبتعد عني، والآن عندما ابتعد نزعته!
ضاقت بي الدنيا وأصبحت أخاف بأن لا يراني جميلة، ويحب غيري، فتألمت وتلاشت أحلامي، لدرجة أنني خلعت الحجاب، لأحس أنني لم أفقد جمالي، فقال لي بأنه نادم لأنه عرفني، وكان على علاقة معي، لأن كل ما فعلته من حجاب وخمار كان فقط لإبعاده، وأحس بأنه يكرهني.
مع العلم أني لا زلت أحبه بجنون، وأدعو الله أن يكون زوجي، وأريد أن أعيد حجابي، وإخلاصي لله، والإحساس بقربه الذين فقدته بسبب هذا العشق الذي يمرض القلب، أريد أيضا من الشاب أن يبقى يحبني ولا يحقد علي، وأرغب في بعض خطوات لأنساه وأتجنبه.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ صفاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيتها البنت العزيزة- في استشارات إسلام ويب بين آبائك وإخوانك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح بالك ويهديك لأحسن الأعمال والأخلاق.
جميل جدا أن تشعري بحاجتك الماسة إلى القرب من الله تعالى، وجميل جدا شعورك بحاجتك إلى استعادتك الحجاب وإخلاص العمل لله تعالى، وهذا في الحقيقة سر سعادتك الحقيقة، إن كنت تطلبين السعادة وتحرصين على الوصول إليها، فإن السعادة ثمرة من ثمار طاعة الله تعالى، وقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين والمؤمنات إذا عملوا صالحا بأن يحييهم حياة سعيدة طيبة، قال سبحانه وتعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}، فالحياة السعيدة – الحياة الطيبة – إنما يجدها الإنسان حين يكون قريبا من الله تعالى طائعا له ممتثلا لأمره.
فكوني على ثقة بأنك لن تجدي هدوء البال ولا سعادة النفس وفرح القلب وسروره إلا في طاعة الله جل شأنه، ومن ثم فاحرصي كل الحرص على أن تنالي رضا الله تعالى، فإذا رضي الله تعالى عنك رزقك الرضا فعشت حياة هنيئة ملؤها السعادة والفرح.
حاولي أن تشغلي قلبك بحب الله تعالى، فإن الله سبحانه وتعالى هو المحبوب على الحقيقة، واهب النعم سبحانه وتعالى، فكل نعمة بك من الله، وإذا تذكرت نعم الله تعالى عليك الظاهرة والباطنة امتلأ قلبك بحبه، وإذا امتلأ القلب بحب الله تعالى فإنه لن تسيطر عليه بعد ذلك المحبوبات المخالفة له، فلن يقع الإنسان في التعلق بمعصية من معاصي الله تعالى ما دام يحب الله، والعشق والهوى إنما تتمكن من القلوب الفارغة، كما قال القائل: "أتاني هواها حين لم أجد الهوى، فصادف قلبا خاليا فتكمنا".
فإذا شغلت قلبك بحب الله تعالى وحب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحب التقرب إلى الله -جل شأنه- بأنواع الأعمال الصالحة، فلن يجد الهوى البطال ولن تجد المعصية طريقا إلى قلبك.
الوصية الثالثة: أن تتذكري دائما ثواب الله تعالى للطائعين وما أعده لهم من النعيم في الجنات، وهذا يدفعك دفعا للاستزادة من الطاعات، من ذلك التزامك بالحجاب الشرعي، فإن الله عز وجل وعد المرأة إذا هي أطاعت ربها فصامت شهرها وأطاعت زوجها – إذا كانت متزوجة – وصلت فرضها، وعدها بأنها من أهل الجنة.
تذكري دائما نعيم الجنة وما أعده الله عز وجل فيها لعباده المؤمنين، وأن هذه الجنة قريبة من الإنسان ليس بينه وبينها إلا أن تخرج روحه من جسده، وهذا ربما يكون عن قريب، فتذكر النعيم وتذكر الجزاء والحساب والثواب والعقاب، والنعيم والعذاب، كل ذلك يدفع الإنسان إلى فعل الطاعات وتجنب المعصية.
الوصية الرابعة: نوصيك بأن تكوني على ثقة بأن جمالك الحقيقي وتقدير الناس لك إنما هو في حيائك وحشمتك، فتقدير الناس للمرأة يكون بقدر حيائها وحشمتها، فحافظي على حجابك، واعلمي أن فيه إرضاء لربك وصونا لعرضك وحفظا لحيائك وحشمتك.
كوني على ثقة أيضا بأن بعض المجرمين أو البطالين الذين يريدون قضاء شهواتهم من الفتيات، وإن أظهروا لها حبهم حين تربط بهم العلاقات أو نحو ذلك، فإنما هو حب خادع ماكر يقضون به شهواتهم ومآربهم منها ثم يرمونها في بحار التعاسة والندم، تتجرع غصص تلك الحياة إلى أن تموت، ولكنهم في حقيقة أنفسهم يجلون ويحترمون تلك الفتاة العفيفة الشريفة المحافظة على حجابها وحيائها، ويهابونها ويقدرونها بما لا يقدرون به تلك الماجنة التي تستجيب لرغباتهم كيف ما شاءوا.
لست وحدك في هذا الطريق، فإنه قد سبقك في هذا ما لا يحصى من النساء اللاتي قد لعب بهن من لعب من ذئاب البشر، فأنشأوا معهن العلاقات المحرمة وأظهروا لهن الحب ونحو ذلك، حتى إذا قضوا منهن حاجتهم تركوهن ورموهن شر رمية.
إن تقدير الناس لك بقدر حيائك، فحافظي على حشمتك وحيائك، وكوني على ثقة بأنه إذا رضي الله تعالى عنك فإنه سيلقي لك المحبة في قلوب الناس، كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة.
الوصية الخامسة: نوصيك أن تصححي ما وقعت فيه من إقامة علاقة بينك وبين هذا الشاب، فإنه ما جرى بينك وبينه خطيئة وخطأ، عليك أن تتوبي منه، فلا يجوز للشابة وللمرأة الأجنبية عموما أن تنشئ علاقة مع رجل أجنبي عنها في خارج إطار الزوجية، وهذا الذي فعلته إنما هو استدراج من الشيطان للوقوع في سخط الله تعالى ويجرك إليه خطوة بعد خطوة، وقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} فسارعي إلى التوبة بالندم على ما فات واعزمي على أن لا ترجعي إليه، فقد أمر الله تعالى بالتعفف والحفاظ على الحجاب، فلا يجوز للمرأة أن تتكلم مع رجل أجنبي عنها بكلام فيه خضوع ولين، كما قال تعالى: {ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي تحرم إقامة هذه العلاقات بين المرأة والرجل الأجنبي.
إذا صدقت مع الله تعالى فإنه سبحانه وتعالى سيعينك في التوبة والتخلص من هذا الواقع، واستبداله بواقع خير من ذلك.
الوصية السادسة: نوصيك بها ونضعها بين يديك ونتمنى أن تأخذيها بجد وحزم لتنسي هذا الشاب كما ذكرت، فإن الوسيلة إلى هذا أن تذكري نفسك باليأس منه، فإن النفس إذا يئست من الشيء نسته واستراحت، وما يعينك على اليأس من هذا الشاب أمور كثيرة، أولها أنه لا يحبك، ولا يريدك، ومن العقل قبل الدين أن تزهدي فيه أنت أيضا، فكيف يليق بإنسان أن يحب ويتعلق بمن لا يحبه ولا يريده؟!
ذكري نفسك بأنه إنما يريدك في غير طاعة الله تعالى، بل يريدك محبوبة له في سخط الله، ولو كان يريدك إرادة حقيقية وإرادة محبة لسلك الطريق الصحيح الموصل إلى ذلك، وهو بأن يتقدم لخطبتك من أهلك، فإذا يئست منه وذكرت نفسك باليأس منه فإنك ستنسينه بذلك -إن شاء الله تعالى-
نوصيك -أيتها الكريمة- أن لا تحرصي على أن يكون هذا الشاب زوجا لك، بل اجتهدي في سؤال الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، فإن كثيرا من الحالات نحرص فيها ونتمنى أشياء ويعلم الله تعالى أن الخير في غيرها، فقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} الله عز وجل أعلم ما هو خير لك.
اجتهدي في التقرب إلى الله تعالى، وسليه أن يرزقك الزوج الصالح صاحب الخلق والدين الذي إن أحبك أكرمك وإن أبغضك لم يظلمك حقك، وهذا لا تجديه إلا في الرجل المتدين، أما غيرهم من الرجال فإنهم في كثير من الأحيان يكونون مصدر وبال وعناء للزوجة، فاحرصي على أن تختاري الأزواج أو من الرجال أفضلهم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فنحن نوصيك بأن تجتهدي في التقرب إلى الله تعالى، وتسأليه أن يرزقك الزوج الصالح وأن تكثري من التعرف إلى النساء الصالحات، وحضور مجالسهن والاستعانة بهن في البحث عن الزوج الصالح، -وإن شاء الله تعالى- ستجدين أبواب التوفيق أمامك مفتوحة، فإن الله سبحانه وتعالى وعد من اتقاه بأن يرزقه من حيث لا يحتسب، فقد قال سبحانه وتعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.
نسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان.