السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة مطلقة منذ 10 سنوات، وعشت في سكن وحيدة، أحاول التقرب من أهلي بكل الوسائل والطرق، ولكن للأسف من غير جدوى، لم يكن لدي وظيفة، ولم أكن أحمل سوى الثانوية العامة، أكملت دراستي الجامعية والماجستير، والآن أنا موظفة في شركة كبيرة.
علما أنني تزوجت منذ 11 سنة من رجل لم يرض به والدي، تزوجته رغما عن رغبته، وللأسف زوجي شوه سمعتي عند أهلي ووالدي، ولم أستطع أن أصلح الأمور، وحرمت من بيت أبي ومن إخواني وأخواتي وأمي، حاولت مرارا أن أتقرب وأصلح الأمور، أشعر بالوحدة والكآبة، فما الحل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جوري حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك في استشارات إسلام ويب، ونحن نتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يصلح ما بينك وبين أهلك ويعيد بينكما الوئام والمحبة، ولا شك أن هذه الحالة التي تعيشينها إنما هي ثمرة للقرارات الخاطئة التي لا تدرس فيها العواقب، ولا ينظر فيها إلى النهايات، والفتاة حينما تكون شابة تقع في هذا التهور، ولا تدرك أهمية موافقة والديها على الزواج، ونحو ذلك، ولكن لا نريد أن نكثر مما يوجب لك الندم والتأسف على ما فات، فينبغي للإنسان أن يستقبل ما بقى من أيامه فيحسن فيها ويستدرك أخطاءه، وما مضى أن يقول فيه: (قدر الله، وما شاء فعل).
وصيتنا لك -أيتها الفاضلة-: أن لا تيأسي من إصلاح الحال بينك وبين والديك وإخوانك وأخواتك، فإن الأمر -إن شاء الله- قريب إذا أخذت بأسبابه الممكنة، والله -عز وجل- لا يخيب من رجاه وطلب منه -سبحانه وتعالى- أن يحقق له ما يتمنى.
وأول هذه الأمور: أن تتوجهي إلى الله -سبحانه وتعالى- فتحسني ما بينك وبينه، وتندمي إذا كنت وقعت في شيء من مخالفة أمر الله -سبحانه وتعالى- عليك، وتفتشي عن فرائض الله تعالى وواجباته عليك فتصلحيها، فإذا حسنت حالك مع الله، وحسنت علاقتك بالله، ورضي الله -سبحانه وتعالى- عنك فأبشري، فإنه -سبحانه وتعالى- قد وعد بأنه إذا أحب العبد يكتب له الرضى والقبول في الأرض، كما جاء في الحديث: (إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض).
فخير ما نوصيك به هذه الوصية العظيمة المهمة، وهي: إصلاح حالك مع الله تعالى، وأن تجعلي رضى الله -سبحانه وتعالى- عنك أقصى الغايات، وأعظم الأهداف، فإذا بذلت ما في وسعك في تحقيق هذه الغاية فأنت سائرة في طريق السعادة الحقيقية التي لا شقاء بعدها أبدا.
ثم الوصية الثانية التي نوصيك بها -أيتها الكريمة-: أن تمتلكي الشجاعة الكافية للاعتراف بالخطأ، وأن تقري بهذا الخطأ أمام والديك مشافهة أو مكاتبة، فإن هذا الهجر من الوالدين ومن الإخوان إنما لما صدر منك من خطأ، وتضييع لحقهم في الولاية عليك، ونحو ذلك، ولكن عادة النفس البشرية الكريمة أنها تلين حينما يعترف الإنسان لها بخطئه عليها، ومن ثم لا تيأسي بسبب صدود الوالدين والإخوان عنك.
وينبغي أن تكثري من الإلحاح عليهم بذلك، وذكري الوالدين بأن الله -سبحانه وتعالى- يقبل توبة التائبين إذا تابوا مع ما يفعلون من جرائم وموبقات، فكيف بالوالد لا يقبل توبة ولده إذا ندم عما كان عليه، أو نحو ذلك، فإذا أكثرت هذا الطرح على الوالدين فإننا على ثقة بأنه لا بد وأن تأتي الساعة التي يتراجع فيها الوالدان والإخوان عن موقفهم هذا.
حاولي أن تجاهدي نفسك للقيام بما تقدرين عليه من الصلة للرحم بالوالدين والبر بهما والإحسان إليهما، وإن أبديا لك ما أبدياه من الصدود والجفاء ونحو ذلك، فكل ما تستطيعين فعله ينبغي أن لا تفرطي فيه، سواء بالزيارة، أو بالمكالمة الهاتفية أو بالرسالة أو نحو ذلك، كل ما تقدرين على فعله ينبغي أن لا تقصري فيه، فإن من أكثر من طرق الباب أوشك أن يفتح له كما قال الحكماء.
هذه وصيتنا لك، ونحن على ثقة بأنك إذا جاهدت نفسك بالقيام بها ولم تيأسي من إصلاح الله -سبحانه وتعالى- بينك وبين أهلك فإن الله -سبحانه وتعالى- سيكلل هذه الجهود بالنجاح، ومن أهم ما تستعينين به دعاء الله -سبحانه وتعالى- بصدق واضطرار، فإن الله -سبحانه وتعالى- يجيب دعوة المضطرين ويستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا، وقد علمنا يقينا أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فتوجهي إلى الله بصدق واضطرار أن يلين قلب أهلك إليك.
وأحسني الظن بالله -سبحانه وتعالى- أنه يفعل ذلك، فإنه يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي).
نسأل الله تعالى أن يصلح لك شأنك كله.