السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أكتب لك مشكلتي على أمل أن أعثر على حل يوجهني لجادة الصواب.
جدتي تبلغ من العمر 85 سنة، لديها ولد - الذي هو أبي – وبنتان، والدي هو الولد الوحيد لجدتي؛ لذلك هي تعيش معنا من تقريبا سنة ونصف، ارتفعت درجة حرارتها وبعدها بأيام أخذت تهلوس وتتخيل أن أشخاصا يأتون إلى منزلنا، انخفضت درجة حرارتها وشفيت - ولله الحمد - لكن الذي حصل أن تصرفاتها انتكست كثيرا، أصبحت دائمة السب والشتم والصراخ، كنا ننام معها في غرفتها إلا أنها طردتنا ورمت أغراضنا خارج الغرفة، طوال اليوم تدور في المنزل، وتفتعل المشاكل، حتى أصبحنا نتحاشى الجلوس معها، لو جلسنا معها فهي تبدأ بالسب والشتم.
تظن دائما أننا سحرناها ووضعنا السحر لأبي، فتدور في المنزل في منتصف الليل قائلة لو قتلتم ولدي فسوف أشتكي عليكم في الشرطة!
عملنا المستحيل كي تهدأ لكن الوضع يزداد سوءا، أصبحت لا تعرف الأيام والأوقات، تصلي المغرب وقت الظهر في بعض الأحيان.
تظن أننا سحرنا أبي، وتخشى أن يموت بالسحر، وتقسم بالله أن أمي وضعت السحر في الطعام لأبي، وتدعو على أمي بالموت والمرض، وعندما تأتي جدتي أم أمي لزيارتنا تطردها؛ لأنها تقول أنها من علم أمي السحر.
تشعر دائما أننا نكيد لها المكائد، وأن أمي تخبىء الطعام عنها، عندها جميعنا أعداء لها، مع الأسف عماتي يرفضن استقبالها في بيوتهن.
عندما سألت قريبة لي وهي أخصائية نفسية قالت إن جدتك مصابة بمرض جنون الارتياب، عرضت على أبي أن نذهب بجدتي إلى طبيب نفسي فرفض قائلا إن جدتي تعاني من مرض القلب، والأدوية النفسية تكون خطرة عليها، فما الحل سيدي؟ وهل نعرضها على طبيب نفسي أم نتركها تحول حياتها وحياتنا إلى جحيم؟ وهل الأدوية خطرة عليها؟
اعذرني على كثرة الأسئلة فأنا في هم لا يعلم به إلا الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإن الصورة التي وصفتها حول جدتك – حفظها الله تعالى – واضحة جدا، وما تعاني منه من انفعالات سلبية وشكوك وظنان، وعدم القدرة على التركيز، هذا كله يدل أنها تعاني من العته أو بدايات الخرف، والصورة واضحة جدا، ويظهر أن ارتفاع درجة الحرارة الذي حدث لها كان هو البداية الفعلية لظهور حالة العته التي تعاني منها.
حقيقة في هذا العمر عند عمر خمسة وثمانين سنة – حولي خمسة عشر إلى خمسة وعشرين بالمائة من الناس خاصة النساء يكون لديهم اضطراب حقيقي في الذاكرة، ومفهوم الناس عن الخرف أنه علة في الذاكرة فقط، لكن هذا ليس صحيحا، فالخرف يشمل الاضطراب في الذاكرة، خاصة للأحداث الحديثة، والاضطرابات في السلوك، والتغير في الشخصية، وربما الأفكار الخاطئة مثل الشك والارتياب كما ذكرت الأخصائية النفسية.
أيتها الفاضلة الكريمة: الذي أود أن أؤكده لك: أولا من الضروري أن لا تناقش هذه الجدة في أفكارها، فيجب أن يتم تجاهل أفكارها بقدر المستطاع، أو أن نعطيها إجابات مطمئنة، بالطبع لا نوافق مع ما تقول، ولكن نعطيها إجابات محايدة ومطمئنة، النقاش معها ومحاولة إقناعها هذا يزيد من ارتيابها وشكوكها وظنانها ويجعلها أكثر عصبية وتوترا وانفعالا.
ثانيا: من الضروري جدا أن تأخذ أدوية نفسية، وأنا أقدر وجهة نظر والدك جدا، ولكن الذي أؤكده أنه توجد الآن أدوية فعالة وسليمة جدا، حتى بالنسبة لمرضى الكلى ومرضى القلب، توجد الآن أدوية ممتازة وتساعد كثيرا، فالذي أريده هو أن تذهبوا بجدتك إلى الأخصائي النفسي أو إلى مختص في الطب الباطني لكبار السن، أيضا الأخوة المختصون في هذا المجال لديهم إدراك كامل بالعته والخرف وعلة الزهايمر، والأمراض المشابهة.
هذه أمور مهمة، أي أن يفحصها الطبيب، وهناك فحوصات سوف تجرى منها التأكد من وظائف الغدة الدرقية، وقوة الدم، ويمكن أن يطلب لها الطبيب أيضا صورة مقطعية للرأس للتأكد عن درجة الضمور في خلايا الدماغ.
وأنا أؤكد لك أنها سوف تستفيد كثيرا من الأدوية، والأدوية - إن شاء الله سليمة - وسوف يبدأها الطبيب بجرعة صغيرة، دواء مثل زبركسا أو سوركويل أو رزبريادون، كلها أدوية شائعة الاستعمال وسط كبار السن لعلاج الاضطرابات الذهانية إذا كانت جزءا من الخرف أو لم تكن جزءا منه.
وربما يقرر الطبيب أيضا أن يعطيها بعض الأدوية المحسنة للذاكرة، فهنالك ثلاثة أو أربعة أدوية الآن يتم تداولها من أجل تحسين الذاكرة، وهذه الأدوية ربما تساعد، لا نقول بصورة قطعية، ولكن عموما كل مريض يعاني من العته أو الخرف يجب أن يأخذ فرصته التجريبية مع هذه الأدوية على الأقل لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر، وإن أفادته فيستمر فيها، وإن لم تفد فيتم التوقف عنها، وبالنسبة لجدتك بالطبع يمكن أن تواصل في الأدوية المضادة للتوتر والعصبية والظنان.
لا شك أنه من الضروري الصبر على هذه الوالدة، وهذا باب من أبواب الخير ومن أبواب الجنة فتح لكم، فرعايتها واجبة، ولكن أتفق معك تماما أن طلب المساعدة الطبية مهم في هذا السياق.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكر لك التواصل مع إسلام ويب.