التغيرات السلوكية لبعض المصابين بالجلطة الدماغية

1 836

السؤال

أصيب أبي قبل ثلاثة أشهر بجلطة في الدماغ أدت إلى شلل نصفي، والمشكلة الآن ليست في الجلطة، فكل الأطباء قالوا: مع العلاج الطبيعي سيمشي من جديد، لكن المشكلة أنه أصبح غير طبيعي، يتصرف تصرفات غريبة وطقوس عجيبة، يصرخ كثيرا لسبب وبدون سبب، يحب أن يأكل، لا لأنه جائع، وإنما لأنه يريد أن يخرج ما في معدته؛ لأنه يشكو من الإمساك المزمن، ولا يريد أن يمارس التمارين المقررة؛ لأنها تشعره بالضيق، ويشعر بظلام حين نقوم بتدريبه.

المهم أننا جميعا في البيت على قدم وساق في خدمته، لكنه غير راض عنا، فهو يشتمنا ويلعننا، علما أنه لم يكن هكذا قبل مرضه! فقد كان يشهد له الجميع بالطيبة والأخلاق العالية، وقد أدركت أن أبي مريض نفسيا، لكني لم أجد من يعينني على تفهم حالته، فكيف نتعامل معه حتى نخرج من هذه المحنة؟

أرجو الرد علي في أقرب فرصة، أرجوكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بنت اليمن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه يعرف أن الجلطات الدماغية حسب حجمها والمنطقة التي أصيبت في الدماغ، قد تؤدي إلى تغيرات كثيرة في سلوك الإنسان، وكذلك في تركيزه وفي مزاجه، واكتئاب ما بعد الجلطات هي علة نفسية معروفة، وكثير من هؤلاء المرضى يحتاج بالفعل للمساعدة النفسية، وذلك عن طريق إعطائه الأدوية التي تعالج القلق والتوتر والعصبية، وإن كان هنالك أي نوع من الاكتئاب النفسي، فمن الأفضل أن تخبري الطبيب الذي يقوم بعلاج والدك، وحتى إن لم يكن طبيبا نفسيا فإنه يجب أن يعرف الطبيب أن هنالك متغيرات سلوكية حدثت لدى الوالد، وكل ما ذكرته في رسالتك هو مؤشر واضح جدا يدل على التغير في شخصية الوالد، وكذلك التغير الكبير في مزاجه.

من المفترض أن يقيمه الطبيب، ويركز أيضا على موضوع الذاكرة هل تأثرت أم لا، ومن ثم يمكن بعدها أن يتواصل مع طبيب نفسي أو طبيب مختص في أمراض الأعصاب، ويقدم المساعدة لوالدك، وذلك بصرف الدواء المناسب، فهذه هي الطريقة الصحيحة والسليمة، والأدوية كثيرة جدا، ولكن نحن في مثل هذه الحالات نحذر كثيرا من وصف الأدوية دون أن يتم فحص المريض؛ لأنه يجب أن نراعي حجم الجلطة، ومكان الجلطة، ومستوى الذاكرة لديه، وعمره، وهل توجد أي أمراض أخرى كالسكر وكالضغط، وكارتفاع الدهنيات وتصلب الشرايين، كما أننا يجب أن نراعي الأدوية التي يتناولها، ذلك من أجل التحوط أن لا نصف أدوية تتعارض مع الأدوية التي يتناولها.

هذه هي الطريقة الصحيحة من ناحية العلاج الدوائي، وأنا أبشرك وأكرر لك أنه توجد أدوية فاعلة وممتازة جدا جدا تجعل من والدك -إن شاء الله- شخصا معقولا في مسلكه ومرتاحا في مزاجه، فأرجو أن تتبعي هذا الإرشاد، وإن صعب عليك التواصل مع أي طبيب أو لم تكن هنالك إمكانيات، فأرجو أن تفيديني عن عمر والدك وصحته العامة، وإن كان يعاني من أي أمراض أم لا، ومستوى ذاكرته، فربما أستطيع أن أصف لك دواء يساعده الله به، وهذا هو الذي أستطيع أن أقدمه، وإن لم تكن هذه هي الطريقة الصحيحة مائة بالمائة.

بالنسبة للتعامل في داخل البيت، فجزاكم الله خيرا على بره ومحاولة تقديم المساعدة له وخدمته، لكن أنصحكم بأن لا تجهدوا أنفسكم كثيرا، فيجب أن يكون هنالك نوع مما يمكن أن نسميه بالمناوبات على الوالد، فيمكن أن تقسموا زمن الإشراف عليه فيما بينكم..هذا هو الأفضل، وهذا نوع من البر أيضا؛ لأن الإنسان إذا فقد طاقته لن يستطيع أن يقدم لمن يريد أن يخدمه ولا لنفسه، وهنالك دراسات كثيرة جدا تشير أن أربعين بالمائة من الذين يتفانون في خدمة مرضاهم من أصحاب العلل المقعدة أو من الذين يعانون من الخرف والعته، قد يصابون باكتئاب نفسي.

نحن في مجتمعاتنا لا نشاهد هذه الأمور كثيرا؛ لأن الأسر متماسكة، والأبناء دائما يسعون لبر والديهم طالبين الأجر من الله تعالى، وهذا بالطبع لن يجعل أحدا يشعر بالاكتئاب، ولكن ما دامت هنالك طرق كالتناوب عليه، وحفظ طاقات الناس، ومساعدته من خلال هذه المناوبات، فأعتقد أن هذا أمرا طيبا وجيدا.

بالنسبة لما يبدر منه من تصرفات وانفعالات، أعتقد أنها سوف يتم التحكم فيها إن شاء الله تعالى عن طريق الدواء، وأرجو أن لا تستجيبوا كثيرا لما يصدر منه من انفعالات، أي بمعنى: لا تحاولوا إرضاءه في كل شيء، ولا مناقشته أو حواره؛ لأن الإنسان حينما يكون مصابا بهذه الجلطة الدماغية يفقد الكثير من التوازن المنطقي، وحين نحاول أن نناقشه نقاشا منطقيا فهذا كثيرا لا يؤدي إلى فائدة مرجوة، بل ربما يزداد الشك والانفعال من جانبه.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يشفيه وأن يعافيه.

مواد ذات صلة

الاستشارات