السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب، متزوج منذ ثلاث سنوات من زوجة فيها خير كثير، ولنا ابنة عمرها سنة، لكن يوجد فيها أكثر من شيء لا يرضيني، وهو عدم الاهتمام في البيت (النظافة والنظام) والاهتمام بأغراضي الخاصة، وفهمها صعب جدا، وهي كسولة، ولا تتزين لي، ومعاندة على الخطأ، وإذا عاتبتها تجادلني وتأتي بأعذار لا تقنعني.
جلست معها جلسات كثيرة أفهمها أنها مقصرة في حقي (حتى في حق الفراش وزينته) فتقول: إن شاء الله أغير من هذا الوضع، لكن كل هذه الوعود لا يتحقق منها شيء، وكل يوم بيننا مشاكل حول هذه الأمور، فمثلا عندما نأكل لا ترفع الطعام ولا تقوم بالتنظيف إلا بعد فترة طويلة، والقهوة لا تفعلها إلا إذا طلبت منها، والغسيل لا تنظفه إلا إذا لاحظت.
باختصار: لدينا الكثير من المشاكل من هذا النوع، أنا الآن محتار معها، فأنا -والله- طيب معها، ولكن لم تبق لي قدرة على الصبر أكثر من هذا.
أفيدوني أفادكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Abdallah حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح لك زوجك، وأن يبارك لك فيها، وأن يعينها على التخلص من تلك السلبيات التي باتت تنغص عليك حياتك وتكدر عليك صفوك، كما نسأله تبارك وتعالى أن يرزقك مزيدا من الصبر والحلم والأناة والاحتمال حتى تأخذ بيدها إلى الطريقة المثلى التي ترضيك.
وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك: إنه مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء خيرا، فقال: (استوصوا بالنساء خيرا) وهو على فراش الموت؛ لأن المرأة كما تعلم خلقت من ضلع – أي من ضلع ضعيف – وإذا أراد الإنسان أن يقومها كسرها، وإن تركها بدون توجيه ومتابعة ازداد اعوجاجها، وتلك هي طبيعة المرأة، فالمرأة فيها خير وفيها شر، ولكن فيها ضعف بطبيعتها، إلا أن هذا الضعف ليس حجة في التقصير كما يحدث من زوجتك على سبيل المثال، فالذي تحكيه أنت في استشارتك ليس من باب هذا الضعف، وإنما هذا نوع من الإهمال، ولكني أقول:
لعل هذه السلبيات التي وردت في رسالتك، وهذه التصرفات الغير موفقة من زوجتك، لعل وراءها أسبابا، ومن ذلك الوراثة، فلعلها نشأت في بيت لم يكن هناك نوع من الاهتمام بالنظافة والنظام..إلى غير ذلك، فتأثرت بالبيئة؛ لأنك تعلم أن الإنسان منا أسير بيئته، ويحمل منها أكبر قدر ممكن من المعطيات في حياته، سواء كانت سلبا أو إيجابا، وهذه السلبيات التي نتوارثها ونحن في مرحلة الطفولة المبكرة تظل معنا إلى الموت، وقد تكون تصرفات أو طباع سلبية فيحاول أن يتخلص منها وأن يقضي عليها ولكنه أحيانا لا يوفق، ولذلك زوجتك كلما لفت انتباهها لشيء من التقصير قالت: سوف أغير من هذا الوضع؛ لأنها تحاول، فيبدو كما ذكرت أنها فيها خير كثير، لكنها تحاول في هذا الجانب الذي يظهر قصورها فيه، إلا أنها أيضا يغلبها الواقع الذي عاشته، فهي تحتاج إلى نوع أيضا من الصبر وإلى نوع من المتابعة، وثلاث سنوات وإن كانت فترة ليست بقصيرة إلا أنها أيضا ليست طويلة، لأنها امرأة يقينا أن عمرها أكثر من عشرين عاما، فهي مكثت تمارس هذه السلبيات لمدة عشرين عاما أو أكثر، فقد يكون من الصعب أن تتخلص منها في مدة ثلاث سنوات؛ لأنها قد تكون عانت معاناة طويلة مع الإهمال ومع عدم الترتيب والنظام، حتى أصبح هذا جزءا من شخصيتها، خاصة بعد أن انتهت مرحلة الطفولة المبكرة ودخلت مرحلة المراهقة، ولعلها دخلت في مراحل الثانوية والدراسة وغير ذلك وكان الأمر على ما هو عليه في فترة عزوبتها قبل أن تتزوج أيضا، فترتب عليها أنها أصبحت جزءا من مكوناتها، ولا تشعر بأي غضاضة في ذلك، اللهم إلا أنها أصبحت تنزعج من تذكيرك لها ومن توجيهك لها، ومن عتبك عليها، ومن عدم رضاك عنها، ولكن أقول:
إنها مسألة وقت، تحتاج منك إلى شيء من الصبر وسعة الصدر والنفس الطويل، لعل الله تبارك وتعالى أن يأخذ بناصيتها، وأن يعينها على التخلص من ذلك فعلا؛ لأنها امرأة كما ذكرت فيها خير كثير، ولكن في الجانب الآخر لم تجد أحدا يوجهها إلى تلك السلبيات، ولذلك أصبحت تمارسها بطريقة تلقائية، ولا ترى فيها نوعا من الإنكار، ولا ترى فيها نوعا من الغضاضة، لأنها لم تجد أحدا يقول لها بأن هذا خطأ أو بأن هذا غير صحيح، أو بأن هذا مضر للحياة الزوجية، ولم تجد أحدا يلفت نظرها إلى ذلك، ولذلك أصبر عليها، وأعطيها مهلة، وحاول توجيهها، ولا تتوقف عن ذلك، ولكن يوما بعد يوم، وحاول مساعدتها قدر الاستطاعة؛ لأني أنا لا أستطيع أن أقول بأن زوجتك مشغولة بأولادها؛ لأن طفلة صغيرة ليست شغلا، وإن كانت نعم تشغل بعض الشيء، ولكن هذه التصرفات تصرفات تلقائية، فلو أن زوجتك هذه تربت في بيت يراعي النظام والترتيب لخرجت كذلك حتى وإن كان عندها عشرة من الأبناء، ولكن زوجتك ضحية لأسرة ما قامت على توجيهها وعلى إعانتها على النظام والنظافة منذ نعومة أظفارها، ولكن لعلها نشأت في بيت هذه طبيعتها، ولذلك لم ينكر عليها أحد، وجئت أنت الآن لتنكر عليها هذه الأشياء بعد ما تأصلت في نفسها، وبعد ما أصبحت جزءا من حياتها، ولذلك الآن هي ترى كأنك متشدد أو كأنك لا ترحم؛ لأنها لا تعرف أن هذه أشياء طبيعية وأنها أمور بديهية في أي حياة زوجية مستقرة.
فأتمنى أن يكون هناك توجيه على خطين: الخط الأول التذكير والنصيحة في أوقات الصفاء، ثم بعد ذلك عمليا، بمعنى أنك إن وجدت شيئا من السلبيات وقفت عليها، وقل لها: (زوجتي العزيزة هذه السلبية بارك الله فيك متى ننتهي منها؟).
بهذه الطريقة أعتقد أنك سوف تعينها، ولكن تحتاج إلى نوع من التركيز في المتابعة حتى تتخلص من هذا الماضي الكئيب الذي عاشته لسنوات طويلة ولم ينكر عليها أحد، لعلها لم تجد أباها ينكر على أمها مرة واحدة، أو لم تجد أحدا لم ينكر أيضا كذلك، فتظن أن هذا الأمر طبيعي، وأحيانا قد تتهمك أنت بأنك تضخم الأمور، وأنك إنسان وسواسي، وأنك إنسان حنبلي كما يقولون، لأنها ما تعرف؛ لأنه لا أحد أنكر على أحد أمامها، ولم يوجه نظرها ولم يلفت انتبهاها.
فأنا أقول: فصبر جميل، وبإذن الله تعالى مع التذكير كما ذكرت لك في لحظات الصفاء بما تتمنى أن تكون هي عليه، والتذكير العملي عند وقوع الحدث، والدعاء لها أن يعينها الله تعالى على ذلك، بإذن الله تعالى سوف يستقيم حالها، وسوف تكون إن شاء الله تعالى من النساء الرائعات ببركة صبرك وتوجيهك ودعائك لها.
هذا وبالله التوفيق.