الاستمرار في عمل يولد القلق والتوتر الدائم

0 507

السؤال

تغير نظام عملي إلى يوم ونصف مقابل يومين ونصف، وهذا العمل قاس جدا، يتطلب مني السهر طوال الليل، والتجول بدورية في الشمس، وأنا أكره السهر والتجول في الشمس، أنا الآن أعاني من قلق وتوتر دائم، وأعيش في دوامة من الحزن والأرق، أفسدت علي راحة البال، أفكر بالاستقالة وأن أدرس بجامعة خاصة، وأبحث عن وظيفة مناسبة كمدرس مثلا، فما رأيكم في ذلك؟

جزيتم خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سالم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يقدر لك الخير حيثما كان، وأن يرزقك الرضى به، وأن يلهمك الصواب وأن ييسر أمرك، وأن يوسع رزقك.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يجب على الإنسان أن يبحث عن الشيء الذي يناسبه والذي يسعد به ومعه، فقال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) فالإنسان مطالب أن يحرص على الشيء الذي يعود عليه بالنفع، ونحن عندما تعلمنا أو درسنا في المدارس والجامعات أو عندما التحقنا ببعض الوظائف التي توفرت أمامنا، كان الهدف والمقصد والغاية أن نكون سعداء في حياتنا، وأن يكون العمل سببا من أسباب الاستقرار النفسي والأسري والاجتماعي والاقتصادي، أما أن يتحول العمل إلى عبء ثقيل لا يمكن تحمله، وأن يعيش الإنسان معه في قلق وتوتر دائم، فإن هذا العمل في هذه الحالة يتعارض مع مصلحة الإنسان تماما، حتى وإن كان يدر دخلا كبيرا على الإنسان، إلا أنه حتى المال الذي يتقاضاه الإنسان من العمل إنما هو أساسا خلقه الله تبارك وتعالى خصيصا لإسعاد الناس وإعانتهم على قضاء حوائجهم ومصالحهم.

فإذا كان العمل في حد ذاته يمثل نوعا من العقوبة ويترتب عليه إلحاق الضرر بالبدن فلا ينبغي للإنسان أن يستمر فيه؛ لأن الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ))[البقرة:286] وقال أيضا: (( لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ))[الطلاق:7] وكما ذكرت لك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك).

فإذا كنت متأكدا من أن هذا القلق والتوتر الدائم ودوامة الحزن والأرق سببها العمل فأقول: لا مانع فعلا من ترك العمل والبحث عن فرصة أخرى لعمل أنسب، وهذا لا حرج فيه شرعا، بل هو مطلوب منك شرعا؛ لأنك بهذه الحالة النفسية لن تستطيع أن تقيم أسرة مستقرة، ولن تستطيع أن تكون أيضا سعيدا مع غيرك، ولن تستطيع أيضا أن تقوم برعاية زوجتك وأولادك.

ومن هنا فإني أقول لك: إذا كنت متأكدا فعلا من أن هذه الأشياء التي ذكرتها سببها الرئيسي والأساسي هو العمل فلا مانع من تركه؛ ولذلك أنصحك بارك الله فيك أولا بالبحث عن الأسباب التي أدت إلى وجود هذه الحالة التي ذكرتها في رسالتك، حتى لا تجازف، وحتى لا تشعر بالندم مستقبلا من أنك كانت في يديك وظيفة جيدة وتركتها وتخليت عنها رغم أنها كانت رائعة مثلا.

فأنا أقول: ابحث أولا هل هذه الأشياء النفسية والبدنية التي تعاني منها الآن سببها الرئيسي والمباشر العمل أم هناك أسباب أخرى وأنت لا تدري؟

فإذا كانت هناك أسباب أخرى فأتمنى أن تقوم بالقضاء عليها وعلاجها، وأن تظل في عملك، أما إذا كان العمل فعلا هو السبب الرئيسي في هذه الحالة النفسية من القلق والتوتر والعيش في دوامة الحزن والقلق والتوتر فأرى أنه لا مانع فعلا حقيقة من ترك هذا العمل، والأخذ بالأسباب والاجتهاد والبحث عن وظيفة مناسبة سواء كان التدريس أو غيره، وكم من أفراد كانوا في أول الأمر في حالة من الخوف من اتخاذ قرار كقرارك، ولكنهم عندما تشجعوا وأخذوا بالأسباب فتح الله لهم وأصبحوا من المتميزين جدا، ولعلك تعرف أن الأخ الدكتور (طارق السويدان) أساسا كان تخصصه مهندس بترول، وانظر الآن إلى ما هو عليه الآن، وكيف أصبح علما من أعلام تنمية وتطوير الذات، وغير ذلك، ويقدم خدمات جليلة ما كان يمكن له أبدا أن يقدمها وهو في عمله.

فمن هنا فإني أقول لك بارك الله فيك: استعن بالله، وأهم شيء هو أن تتأكد فعلا من أن هذا العمل هو السبب الرئيسي في هذه الحالة النفسية، فإذا كان الأمر كذلك فتوكل على الله، واعلم أن الله لا يضيع أهله، وعليك بالأخذ بالأسباب والجد والاجتهاد، وأبشر بفرج من الله قريب.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات