أمراض الذهان لدى الأبناء وعلاجها

0 448

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابني أصبح فجأة عصبيا، ويتكلم أحيانا بكلام غير واقعي، وغير مترابط، ويتصرف تصرفات غريبة، ويقوم أحيانا بإتلاف أغراضه القديمة، ويتكلم مع نفسه كثيرا ويضحك، مع انعزاله عن أصدقائه، وأحيانا كرهه للآخرين، علما أنه كان يعرف بعقله الراجح وبتدينه واتزانه وأخلاقه.

قال الطبيب إنه انفصام، فما هو مرضه؟ وما أسبابه؟ علما أنه يرفض رفضا تاما أن يذهب إلى الطبيب أو أخد أي نوع من الأدوية، فكيف يكون علاجه؟ وكيف يمكننا أن نتعامل معه؟ هل نتجاهل تصرفاته أم نقول له عند كل تصرف إن هذا خطأ؟ عندما نخبره أن تصرفاته خاطئة تزداد عصبيته، ولا يقتنع أبدا.

هل ممكن أن يكون سحرا؟
الرجاء الإجابة على الأسئلة، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن هذا الابن – شفاه الله – ما يبدر منه من تصرفات غريبة واضطراب في أفكاره وأفعاله وتصرفاته، وميله إلى الانعزال والضحك لوحده ودون مسبب، وكذلك الكلام مع نفسه، هذا دليل قاطع على وجود ما نسميه بالأمراض الذهانية، والأمراض الذهانية متعددة من أهمها: مرض الفصام، وهنالك أمراض تعطي نفسها هذه الصورة نسميها ما يشبه الفصام، وهنالك حالات ذهانية أخرى.

المهم هو: استعجال العلاج في مثل هذه الحالات، وبفضل من الله تعالى توجد الآن أدوية فعالة جدا وممتازة جدا، وأتفق معك أن معظم هؤلاء المرضى يرفضون العلاج وذلك لسبب واحد؛ لأن الواحد منهم يعتقد أنه غير مريض؛ لأنه مفتقد البصيرة وغير مرتبط بالواقع، ولذا نحن لا نقول له مطلقا أنك مريض، كل الذي نقوله أنه ربما تعاني من بعض الإجهاد النفسي ونريد أن نجري لك بعض الفحوصات وإذا رأينا ضرورة للعلاج سوف نعطيك إياه. هذا هو المنطق الأفضل، وفي بعض الحالات -ومهما كانت المحاولات- يرفض هؤلاء المرضى أخذ العلاج، وفي هذه الحالة من الجائز جدا بل من المنصوح أن يأتي شخص ذو تأثير وذو سلطة عليه ليأخذه إلى المستشفى، حتى وإن كان هنالك حاجة للإجبار المعقول، وهذه ممارسة معروفة في الطب النفسي.

أنا حقيقة أعرف أنك أم، وأنه ربما يصعب عليك هذا الأمر؛ أي: أخذه بالقوة إلى المستشفى، لذا أنصحك بالذهاب إلى الطبيب النفسي الاستشاري، لينسق معك على كيفية إحضاره، فبعض المستشفيات – وأحسب أن المملكة العربية السعودية بها مستشفيات نفسية راقية جدا – لديهم ما يعرف بالخدمة النفسية المجتمعية، وهذه الخدمة تقدم للحالات بالمنازل، هناك فريق علاجي متخصص يقوم بزيارة المرضى في بيوتهم، وهذا الفريق يقوم بإسداء النصيحة الطبية للأسرة في كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات، وربما يفلح الفريق في إعطائه العلاج.

وهنالك علاجات الآن تعطى للمريض الذي لا يتعاون، وهذه العلاجات في شكل إبر تعطى مرة واحدة كل أسبوعين.

فيا أختي الكريمة! الحلول الحمد لله كثيرة وكثيرة جدا، وأنا حقيقة أنصحك دون أن أثير أي مخاوف لديك بضرورة استعجال علاج ابنك؛ لأن الإسراع في العلاج -إن شاء الله تعالى- يؤدي إلى نتائج جيدة.

ومتى ما كانت الأعراض شديدة وبهذه الصورة تكون الاستجابة للعلاج ممتازة، لكن بالطبع فترة العلاج طويلة ولابد أن يكون هنالك تعاون كامل من جميع الأطراف، ومعظم هؤلاء المرضى بعد أن تتحسن أحوالهم ويحدث لهم ارتباط بالواقع تجدهم يتعاونون جدا في تلقي العلاج، خاصة إذا كان هنالك الطبيب الجيد والحاذق والذي يعرف كيف يبني علاقة مع مرضاه، والحمد لله هم كثر الآن.
هذه هي الوسائل التي يجب اتباعها في التعامل مع مثل هذا الابن حفظه الله.

وهنالك الآن أدوية يوجد منها عقار يعرف باسم (زبركسا فلوتاب Zuprexavelotab) هذا الدواء متميز جدا بأنه يذوب في العصير أو في الحليب وبسرعة شديدة جدا، وأصبح الآن كثير من المرضى الذين يرفضون الأدوية يمكن إعطاؤهم هذا الدواء.

بالطبع ربما تكون هنالك إشكالية أخلاقية مهنية وهي: كيف يعطى لمريض الدواء دون موافقته؟ أعتقد أن هذا الأمر نتجاوزه في بلداننا، فنحن مجتمع إسلامي مترابط والحمد لله ولا نريد إلا الخير لبعضنا البعض، فيمكن أن تتفاوضي مع الطبيب أيضا حول هذا الدواء.

بالنسبة للتعامل مع هذا الابن: أرجو أن لا ينتقد كثيرا، لا نقول له: أنت مريض! ولا نحاول أن نجادله في أفكاره، هذه الأفكار نعرف أنها أفكار مضطربة، ولكن أن نجادلهم فيها هذا ربما يزيدها ويثبتها ويجعله أكثر شكوكا ويلجأ إلى سوء التأويل وربما يتعانف في بعض الحالات.

هذا المرض لا نعتقد أنه له أي علاقة بالسحر، ولكن الرقية مطلوبة، ومطلوبة جدا.

بالنسبة لما هي أسباب هذا المرض؟ فلا يعرف أحدا أسبابه بالضبط ولكن هنالك عوامل، من هذه العوامل: ربما تلعب الوراثة دورا، وحين أقول الوراثة لا أعني الوراثة المباشرة، إنما الاستعداد للمرض ربما يورث، إذا كانت هنالك ظروف بيئية وتربوية ساعدت في ظهور المرض، والوراثة ليس من الضروري أن تكون في الجيل الموجود الآن، نحن لا نعرف إن كان أحد الأجداد السابقين لديه هذا المرض أم لا. هذه النظرية لا أقول إنها نظرية حتمية، ولكنها هي النظرية المتداولة.
في بعض الأحيان تكون أيضا إصابات الدماغية عارضة كالتهابات فيروسية، هذه ربما تؤدي إلى هذا المرض.

هنالك دراسات تشير أيضا إلى أن صعوبة الولادة أو إصابة الرأس عند الولادة أو انقطاع الأكسجين عن الدماغ ولو لثوان معدودة ربما يكون أيضا أحد العوامل التي تؤدي إلى هذا الأمر.

إذن هنالك عدة نظريات وكثير من الحالات لا نجد أي سبب ولا نجد أي عامل يمكن أن نقول أنه سبب لهذه الحالات.

في بعض الأحيان يكون تعاطي المخدرات سببا أو عاملا رئيسيا في ظهور هذه الأعراض، خاصة تناول الحشيش أو الحبوب التي تعرف باسم (كابتجون) وهي من المنشطات التي تنتمي إلى مجموعة الأنفتامين.

بالطبع أنا لا أتهم هذا الابن بتعاطي هذه المواد، ولكن ذكرت هذه الحقيقة العلمية من قبيل التعرف على الحقائق.

أسأل الله تعالى أن يشفيه وأن يعافيه، وأنصحك أيتها الأخت الفاضلة الكريمة بأن تذهبي بابنك إلى مرافق العلاج، وقد أوضحت لك الطرق التي من خلالها يمكن التعامل معه.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات