السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو أن تساعدوني، أنا دائما أفكر بأشياء شريرة جدا، يعني أحس أن إيماني بالله ضعيف، مع أني أقرأ القرآن وأصلي، ولا أحب أن أؤذي أحدا، لكني لست مرتاحة! لا أعرف لماذا؟! أرى أن الناس كلهم أحسن مني ومن أهلي، من كثرة الهموم التي عندي، ماذا أعمل؟
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مني حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن شعورك وتألمك من نقص الإيمان قد يكون علامة خير، فليس بالضرورة أن يكون شيئا يخاف منه، فإن هذا الشعور يدفع الإنسان إلى تقوية إيمانه والاستزادة من أسباب تقوية الإيمان، وقد كان خيرة هذه الأمة بعد رسولها -صلى الله عليه وسلم- أكثر الناس خوفا على أنفسهم من ضعف الإيمان، وقد كان الواحد منهم يخشى على نفسه النفاق، كما قال ابن أبي مليكة: (أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخشى على نفسه النفاق).
وجود الشعور بالخوف من ضعف الإيمان مؤشر إيجابي إذا كان دافعا للأخذ بأسباب زيادة الإيمان وقوته، فلا ينبغي أبدا أن يكون هذا مصدر قلق لديك، بل ينبغي أن تأخذي بالأسباب التي تزيد من إيمانك، ونحن هنا نذكرك بأهم الأسباب:
أولها: التفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى وما أكثرها من حولك بل في نفسك؛ فإن المتفكر في مخلوقات الله وما فيها من إبداع وإحكام وإتقان يصل من خلالها إلى معرفة صفات خالقها وموجدها سبحانه وتعالى، وكما قال أبو نواس في أبياته المشهورة:
تأمل في نبات الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات *** بأحداق هي الذهب السبيك
على قصب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك
وقال الآخر:
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد
ففي مخلوقات الله تعالى -ومنها نفسك أنت- آيات ودلالات تدل على خالقها سبحانه وتعالى، فأكثري من التفكر في هذه المخلوقات، وقلبي نظرك في السماء، وكيف أبدعها الله سبحانه وتعالى ورفعها من غير عمد، وفي الأرض كيف بسطها وسخرها للناس، وجعل فيها معاشهم وأرزاقهم، وما أكثر الآيات التي تقوي في نفسك الإيمان.
الوسيلة الثانية: مجالسة الصالحين للذكر وتعلم أحكام الشرع وذكر الله تعالى، فقد كان الصحابة كما روي عن معاذ وغيره أنه كان يقول لصاحبه: (تعال بنا نؤمن ساعة) أو (اجلس بنا نؤمن ساعة) فهذه المجالس من شأنها أن يتقوى فيها الإيمان ويزداد.
الوسيلة الثالثة: الإكثار من الأعمال الصالحة؛ فإن الإيمان أعمال بالقلب أو باللسان أو بجوارح الإنسان، فكلما أكثر من هذه الأعمال الصالحة زاد إيمانه وارتقى، فأكثري من نوافل الأعمال بعد الفرائض، حافظي على النوافل من الصلاة وأكثري منها، ونوافل الأذكار وأكثري منها، وقراءة القرآن وأكثري منه، ولا تملي هذا فإنه كما قيل: (من أكثر طرق الباب أوشك أن يفتح له).
أما إذا عرض لك عارض في نفسك من حديث النفس بما يضاد الإيمان والعقيدة فلا تلتفتي إليه، ولا تهتمي به، وليس هذا دليلا على كون الإنسان شقيا أو لا يؤمن، فإن أعوان الشيطان وما يلقيه أو يحاول أن يلقيه في قلب المؤمن كثيرة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد جاء إليه الصحابة يشتكون إليه وساوس ويفضلون أن يحترق الواحد منهم دون أن ينطق بها ويتلفظ بها، فسمى النبي -صلى الله عليه وسلم- كراهتهم لهذه الوساوس ونفرتهم منها وكراهتهم التحدث بها، سمى هذا (صريح الإيمان) فقال: (ذاك صريح الإيمان).
إذا ألقى في قلبك الشيطان شيئا من الوساوس فأنت مكلفة بشيئين: الأول: أن تنتهي عن ذلك، وتعرضي عنه وتشتغلي بغيره، والثاني: أن تستعيذي بالله تعالى من الشيطان الرجيم، كما أرشد إلى هذين الأسلوبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما شعورك بأن كل الناس أحسن منك ومن أهلك: فهذا شعور خاطئ، والشيطان يحاول أن يلقيه في قلبك؛ لأن عمله الرئيسي إدخال الحزن والهم والقلق إلى قلب المؤمن، كما قال سبحانه وتعالى: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}، فمن أعلى المقاصد التي يريد الشيطان الوصول إليها والظفر بها إدخال الحزن إلى قلب المؤمن أو المؤمنة.
اطردي عن نفسك هذا الوسواس، وتذكري أن ما لا يحصيهم إلا الله تعالى من العباد دونك ودون أهلك بمراتب كثيرة، وإذا تفكرت في أحوال هؤلاء ستعلمين قدر النعمة التي تعيشين فيها، ولهذا كان من جملة إرشاد النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب أنه قال: (انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم).
تفكري وانظري في أحوال المشردين والبائسين المحرومين، أحوال الخائفين والمضطهدين، أحوال المسجونين، أحوال المرضى الذين تمتلئ بهم المستشفيات بل والمرضى الذين لا يجدون قيمة الدواء الذي يحتاجونه، والجوعى الذين لا يجدون ما يسدون به الرمق، والشاشات التليفزيونية تطالعنا كل لحظة بمشاهد مثيرة غريبة من هذا النوع، فالتفكر في هذا كله يدفع عنك هذا الهم ويعرفك بنعمة الله تعالى عليك.
نسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وصلاحا، ويأخذ بيدك إلى كل خير، وبالله التوفيق.