السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب محب للسنة ولله الحمد، لي صديقان أحبهما جدا، تعارفنا في طاعة، وأعرف أنهما يبادلاني الحب، لكني أشعر منهما عدم مبادلتي الحب بالقدر الكافي؛ مما جعلني لا أقدر أن أعرفهما بمشاكلي وهمومي، وقد أثر ذلك على نفسي ومذاكرتي وطاعتي أحيانا، فهما كل ما أملك من الدنيا، فأفيدوني أفادكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فإنك قد أصبت الحقيقة حين أحببت الناس وتعرفت عليهم في طاعة الله تعالى، فإن ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، وعلامة تأكيد هذا هو ما تجده من نفسك من حب شديد لصديقيك، ونحن نظن أنهما يبادلانك نفس الحب، فإن الناس يبادلونك ما دمت تبادلهم، وكن على ثقة - أيها الحبيب - بأن هذه المحبة ما دامت لله فإنها باقية؛ لأن ما كان لله لا يفنى؛ فإن الله تعالى لا يفنى، ولكن الناس لا يستطيعون -وأحيانا لا يرغبون - أن يقدموا للآخرين كل ما يريدونه، وقديما قال القائل:
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا *** إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
فهذه هي طبيعة الإنسان إلا من رحم الله تعالى، وهذه الحقيقة نحن نذكرها لك لا لنزهدك في صديقيك وصاحبيك ونقلل من شأنهما في مساعدتك على إزالة همومك وحل مشاكلك، فليس الأمر كذلك، فإن المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ولكن نحب أن نلفت انتباهك إلى من يملك حل مشاكلك وإزالة همومك إذا توجهت إليه واستعنت به، وهو خير لك من أن تلتفت إلى غيره، ألا وهو الله سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه وتعالى يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، وهو سبحانه وتعالى فارج الهم وكاشف الغم، وهو سبحانه وتعالى من ينبغي أن يرجع إليه المؤمن ليبث إليه شكواه، كما قال يعقوب عليه السلام: ((إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله))[يوسف:86].
فنحن ننصحك بأن تتوجه إلى الله سبحانه وتعالى وتعلق قلبك به، وتكثر من مناجاته وسؤاله بصدق واضطرار أن يفرج همك وأن يعينك على حل مشاكلك، وكن على ثقة بأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، وأنه لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه أمر، إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.
ولا شك أن الشكوى إلى الله تعالى نافعة، والشكوى إلى غيره قد لا تنفع، فإن الإنسان مأجور على دعائه لربه واستعانته به وتفويض أمره إليه، مأجور على ذلك كله، ومع هذا الأجر فإن الله عز وجل قادر على أن يزيل همه ويكشف كربه، وأما ابن آدم فقد يحب لك الخير ويريد أن يقدم لك النفع ولكنه في أحيان كثيرة لا يستطيع، وبلا شك أن العقل يقضي بأن يقدم الإنسان الاستعانة بمن يقدر على من لا يقدر، فعلق قلبك بالله واستعن به، واعلم أنه سبحانه وتعالى لا يخيب ظن عبده به، ولا يرد يدي عبد صفرا إذا رفعهما إليه، كما جاء ذلك في الأخبار النبوية.
ومع هذا لا حرج أن تستعين بالمخلوقين فيما يقدرون عليه، ونحن نظن أن صاحبيك وزميليك لن يبخلا عليك بما يقدران عليه، لكن إذا لم يفعلا شيئا فاعلم أن هذا كله بقضاء الله تعالى وقدره، فتوجه إلى الله تعالى، وعلق قلبك به، ولا ينبغي أن تجعل هذا سببا لتأثير سيء على نفسك، فإن الناس كل الناس - كما قدمت قبل - لا يبذلون كل ما يطلب منهم لطبيعة الإنسان في نفسه.
فخذ من الناس ما تيسر، ودع من الناس ما تعسر، واعلم بأن الناس كالزجاج إن لم ترفق به تكسر، فهذه طبيعة البشر، هذه طبيعة الناس، ينبغي أن تكون حكيما في التعامل معها، وتعلم بأن الإنسان بطبيعته -ليس زميلك فقط، وليس صاحبك فقط، بل كل الناس- قد يتكاسل وقد يجبن وقد يبخل عن تقديم النفع للآخرين، وهذا لا يعني أبدا أنه لا يحبه، فلا ينبغي أن تدع هذه الأوهام تتسرب إلى قلبك، فإن الشيطان يحاول أن يدخل الهم إلى قلبك والحزن بهذه الأسباب، وهذا عمله ودأبه، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: ((إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا))[المجادلة:10]، نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير وأن ييسر لك كل عسير.
وبالله التوفيق.