إرشادات لفتاة في التعامل مع أبيها المقيم للعلاقات المحرمة وفقدانها لعواطف أبويها

0 574

السؤال

أبي إنسان طيـب، لكن يعمل تصرفات تضايقني كثيرا، ولا أستطيع أن أردعه عنها، لا يصلي وأنزعج منه كثيرا، له علاقات محرمة في الهاتف، ولكن لا أعلم إذا كانت تتعدى حدود ذلك، عرفت بطريقتي هذا الأمر البشع ولم أستطع أن أخبر أمي كيلا أخرب علاقتهما، ولا أحب أن أرى دمعة في عين أمي.

أفكر كثيرا ماذا أفعل وماذا أقول له، لكن خوفي مـن مواجهته يجعلني أكتفي بالصمت والنظر فقط، بالرغم أن هذا الأمر يؤثر علي كثيرا، بالرغم أنني أحتاج له قدوة وسندا، هو لاه بحياته وراحة باله، وأنا أتعذب دائما؛ لأني أحتاجه كثيرا، أحتاج لعطفه وحنانه! والله إني أستحي أن أضمه أو أضم أمي؛ لأني لم أتعود على هذا الأمر منذ طفولتي، أحس بالجمود في علاقتي معهم، أحس كأني وردة ذات أشواك، لم أجد من يغمرني بحنانه وعطفه، ولم أجد أحدا ألجأ إليه بـعد الله سبحانه وتعالى غيركم، فأرجوكم أن تفيدوني بجوابكم في أقرب وقت.
وشكرا جزيلا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الابنة الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تعالى أن ييسر أمرك وأن يشرح صدرك وأن يسترك في الدنيا والآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك: إن مما لا شك فيه أن الأب دوره غير عادي؛ فإنه العمود الفقري للأسرة، وهو القدوة والأسوة، فإذا كان صالحا صلحت بصلاحه الأسرة كلها، وهذا ما قاله النبي عليه صلوات ربي وسلامه حيث قال: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، فإذن الأب أو الأسرة لها تأثير فاعل جدا في تشكيل معتقدات الإنسان، وأفكار الإنسان، وعادات الإنسان وسلوكه، فإذا كان الأب بهذه الصورة فمما لا شك فيه أنه سيكون سوأة وسيكون عامل تدمير وهدم وليس بعامل بناء، وهذا الذي حدث بالفعل، فإنك فقدت الثقة فيه، وبدأت تشعرين فعلا بحقارة تصرفاته، وتنظرين إليه بعدم الرضا، وأصبحت تشعرين معه بحرج شديد، ولا تستطيعين مواجهته.

ابنتي الكريمة أمل! فيما يتعلق بوالدك أعتقد أنه من الممكن أن نستعمل أسلوب الحيلة في مسألة إيصال الرسالة إليه، وذلك بأن تجلسي معه يوما وتقولي له: يا والدي! إن هناك بنتا عرضت علي مشكلة وأنا عجزت عن حلها، فقلت أعرضها عليك لعلي أجد عندك جوابا. واعرضي عليه المشكلة كما لو كانت هي مشكلة زميلة من زميلاتك، وإياك أن تقعي في شيء، قولي له: زميلة لي تعاني من أن والدها رجل طيب ورجل فاضل وتثنين عليه، إلا أنها لاحظت أنه يتكلم في الهاتف مع نساء وله علاقات محرمة، وهذا الأمر أثر على نفسيتها وأصبحت غير قادرة على توفير أي قدر من الاستقرار النفسي بالنسبة لها؛ لأنها كانت تحتاجه قدوة وعونا وسندا، وتحتاج إلى أن ترتمي في حضنه؛ لأنها فوجئت بأنه يكتفي بحياته الخاصة ولا يقدم لها أي شيء، فماذا ترى يا أبي، ماذا أقول لهذه البنت؟

إن كان لبيبا وذكيا فقد يفهم الرسالة ويقول: الرسالة وصلت، وبذلك قد يضمك وقد يوبخك وقد يعنفك، وقد يقبل منك ويسكت على اعتبار أنه فهم أنك وقفت على تصرفاته الخاطئة، وإن كان غير ذلك فإنه قد يتكلم معك ويتحول إلى واعظ ما بعده من واعظ وإلى مفت عام، ويتكلم كلاما رائعا ولكنه خلاف الواقع.

ففي هذه الحالة في جميع الأحوال تكونين قد حركت هذا الماء الآسن الواقف، وألقيت في هذه البركة حجرا ليحرك مياهها على الأقل، وإن لم تكن بنسبة كبيرة.

إذا لم يجد ذلك فمن الممكن أن تكتبي له رسالة وتوضحي فيها هذه التصرفات وتعطيه إياها أو تضعيها في مكان، بشرط ألا يعرفها إلا هو، وتذكرين له كل شيء، وتقولين له: لقد دفعني إلى ذلك حبي لك. وحاولي دائما أن تغمري الرسالة -سواء كانت في المرحلة الأولى أو الثانية- بقدر كبير من العواطف والمشاعر والحب والعطف والحنان، وأن الدافع لذلك إنما هو الحب وليس النقد، وليس الانتقام وليس الانتقاص؛ لأن بعض الناس أحيانا قد يأتيه الشيطان بأن ابنتك تريد أن تقوم سلوكك، وأن تفرض عليك وصايا، ولكن تكلمي أنت باستمرار -سواء كان في الرسالة المكتوبة أو الرسالة الشفهية معه- بأن الدافع لهذا إنما هو الحب، وأنها تحب والدها، وأنها حريصة عليه، وأنها تتمنى أن تفتديه بروحها، إلى غير ذلك من الكلام اللين الذي يشعر من خلاله أن هذه هي عبارة عن رسالة محب ولكنها ليست نصيحة مقرع أو موبخ، فهذه مهمة ابنتي الكريمة أمل، وأنا واثق -إن شاء الله تعالى- بأنك سوف تصنعين شيئا.

إذن أمامك الطريق الأول وأمامك الطريق الثاني، فإذا لم يتيسر لا هذا الطريق ولا ذاك فابحثي عن أحد له مكانة عند الوالد أو ثقة، بعيدا عن الوالدة، وقولي له: إني رأيت كذا وكذا، هل من الممكن أن نتعاون لمساعدة الوالد في هذا الأمر؟! بشرط أن يكون محل ثقة، وأن يكون من الأسرة، يعني: ليس بعيدا عنها حتى وإن كان صديقا، ولكن المهم أن يعرف لدى الناس بأنه حريص على مصلحة والدك وتقديره واحترامه.

هذه -أعتقد- هي الوسائل المتاحة التي نستطيع أن نوصل الرسالة إلى أبيك من خلالها؛ لأن الأمر في غاية التعقيد وفي غاية الإحراج أيضا والحساسية.

وفيما يتعلق بوالدتك وعدم تقبيلك أو ضمك لها هذا أيضا خطأ متبادل، فلعل أمك امرأة عامية عندها ما يشغلها، مشاكلها كثيرة، أيضا هي نفسها لم تتعود هذا في بيت أهلها، فخرجت وهي تشعر بأن الحياة عادية وأنها لا تحتاج إلى هذا النوع من الالتزام الجسدي، وأنه يكفي أن نوفر الطعام ونوفر الشراب ونوفر المصاريف ونوفر الملابس، وهذا الذي علينا كأسرة؛ لأن هذا معظم تفكير العائلات أنهم يفعلون الواجب عليهم، ولكن لا ينتبهون لخطورة قضية العواطف والمشاعر، فمن الممكن أن تبدئي أنت بارك الله فيك بهذه النقطة، بأن تقومي بعد العودة من المدرسة أو في يوم من الأيام أو في أي مناسبة طيبة بضم والدتك مثلا إليك وضمها إلى صدرك، وأن ترتمي على صدرها فترة، وتقولي: يا أمي! فعلا أنا أشعر بحاجتي إلى هذا الحضن الدافئ. ونحو هذا الكلام الطيب، وقولي لها: لقد حرمتني منه فترة طويلة. وهي ستتكلم، وتقولين لها مثلا: كل يوم تضمينني هذه الضمة لأني أشعر من خلالها أنها تمدني بالعافية وتمدني بالقوة منك بعد الله تعالى.

ومن الممكن بسهولة أنك تستطيعين أن تكسبي أمك إلى جوارك؛ لأنها لم ولن تبخل عليك بشيء، خاصة أنه لعلها لم تدرك خطورة هذه السلبية الموجودة، ولكن عندما تنبهينها أعتقد أنها لن تتوانى أبدا في مسألة تقديم ما يمكن تقديمه لك تجاه هذا الجانب العاطفي.

أسأل الله لك التوفيق في مساعيك على الجانبين، وأن يقدر لك الخير حيث كان.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات