نصيحة لفتاة تعاني من القيام بأعمال البيت، وحرمانها من رضا الأم.

0 640

السؤال

لثقتي الكبيرة بآراء ونصائح مستشاري هذا الموقع أردت طرح استشارتي بين أيديكم، راجية من الله تعالى أن يوفقكم لكل ما فيه خير وصلاح للأمة.

أنا فتاة أبلغ من العمر (19) سنة، وأنا البنت الكبرى، ولدي (3) إخوة صغار، وأخت بالمرحلة المتوسطة، مشكلتي مع والدتي، فهي تحملني جميع مهام البيت، والعمل فيه من طبخ وتنظيف، واهتمام بإخوتي الصغار وتدريسهم، (البيت بأكمله مسئوليتي) علما بأنه لا يوجد خادمة في المنزل، وأختي وأمي لا تساعدان بشيء أبدا.

حتى إن أمي تجبرني على الاستيقاظ من نومي للنهوض إلى أعمال المنزل، ومع كل هذا التعب لا أجد منها كلمة طيبة، بل على العكس تماما، تقول لي ودائما تردد: (ليتك مثل بقية البنات)، تقصد من ناحية إدارة المنزل وتنظيمه وترتيبه، علما بأنه لا توجد أي واحدة من أقاربنا تفعل ما أفعله أنا من مهام البيت كاملة، كما أنها تدعو علي كثيرا بدون أي سبب.

سؤالي: كيف أتصرف مع أمي، وكيف أتعامل معها بحيث تقدر ما أبذله من الجهد في سبيل إرضائها؟

جزاكم الله عني وعن المسلمين كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك (إسلام ويب)، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا.

وبخصوص ما ورد برسالتك: فإنه مما لا شك فيه أن هذا النكران لهذا المجهود أمر يؤدي إلى الإحباط، ويؤدي إلى عدم الاستقرار، ويؤدي إلى نوع من الزهد في الحياة كلها، وبالتالي الزهد في الأسرة وعدم الرغبة في الانسجام معها؛ لأن الواحد منا دائما يحتاج إلى كلمات تشجيع وكلمات الثناء، وكلمات الإطراء حتى يواصل رحلته وحتى يضاعف جهده الذي يبذله، أما إذا كان يبذل ما يبذل ورغم ذلك لا يجد كلمة طيبة أو يدا حانية تمسح على رأسه، فإنه بذلك يصاب بالإحباط ويتأثر أداؤه إلى حد كبير.

ابنتي -الكريمة الفاضلة- أنا لا أرى حقيقة أيسر ولا أسهل من المواجهة مع الوالدة، بمعنى: أن تتكلمي معها في هذا الموضوع، وأن تقولي لها: (رجاء أن تسمعيني ولا تغضبي علي، وإنما أعطني فرصة أمي لكي أعبر لك عما في نفسي)، وقولي لها ما في نفسك كاملا بكل أدب واحترام ولطف ولين، وقبل أن تبدئي معها في الكلام قبلي رأسها، وقبلي يدها وحتى قدمها، وقولي لها: (أرجوك يا أمي حاولي أن تستمعي إلي ولو مرة؛ لأنني في أمس الحاجة إليك أن تستمعي مني؛ لأن في نفسي مشاكل ولن يحلها إلا أنت)، ثم -بارك الله فيك- في عرض الأمر عليها قولي لها: (أنا أفعل وأفعل وأفعل ورغم ذلك أجد منك عدم رضا، وأنا يحزنني هذا؛ لأني أتمنى أن تكوني راضية عني، وإن كنت سأفعل ما أفعل وأضحي بحياتي من أجلك، أنا لست عندي أدنى مشكلة، ولكن أريد أن أحظى برضاك وأن تكوني راضية، ولكن الذي أشعر به هو أنك تكثرين من الدعاء علي بدون سبب أو بسبب، وتعاملينني معاملة فيها شيء من الشدة، وأنا حقيقة أتمنى أن توضحي لي وجهة نظرك في هذا الموضوع).

واستمعي إليها وهي مواجهة مرة واحدة، يعني: بدلا من أن نظل نلف وندور، أو ندخل أحدا بيننا، فأرى أن المسافة التي بينك وبين أمك قصيرة جدا، وأرى أنه من الممكن فعلا السيطرة على المشكلة -بإذن الله تعالى- ما دمت تتكلمين بأدب وتواضع وتتكلمين برفق؛ فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، وأنا واثق أنك ستنجحين بذلك وبهذه الطريقة -بإذن الله تعالى-.

حتى وإن حدث اللقاء الأول ولم تحققي أي نجاح؛ فلا مانع من أن تعيدي اللقاء مرة ثانية وثالثة ورابعة، حتى يتم تقدير أمك لظروفك ولمشاعرك ولعواطفك، ولتعلم أنك إنسانة الآن في قمة النضج، وأنك من الممكن أن تؤسسي أسرة -بإذن الله تعالى- ناجحة وسعيدة، ولست إنسانة فاشلة أو تافهة أو ضعيفة أو صغيرة.

حاولي أن تتوجهي إلى أمك وتتحدثي معها، فإن نجح هذا فهذا هو الذي نرجوه، وإن لم ينجح فمن الممكن أن تعرضي الأمر على والدك وأن تقولي له: (إني أشعر بكذا وكذا، ولقد كلمت أمي ولكنها لم تستجب لي وأشعر، بأنها غير راضية عني، وأنها تدعو علي دون أي سبب، وأنا أقوم بهذه الأعمال والخدمات ولم أسمع منها كلمة طيبة).

لأن والدك ووالدتك في مقام واحد، وقطعا قد يتدخل والدك، وقد تحدث هناك مشكلة بينك وبين أمك وتقول: أنت تشتكينني لأبيك، ولكن حتى وإن كان، لأننا نريد حقيقة أن نحرك الماء الواقف فنرمي فيه حجرا نحركه، بصرف النظر عن نسبة التحريك، المهم هو أنه قد تحرك؛ لأن هذا الوضع بهذه الكيفية مؤلم حقا، وأنه مزعج صدقا، ولن يتغير أبدا إلا أن يقوم أطرافه والمسئولون عنه بتغييره؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، [الرعد:11].

إذن حاولي بنفسك بارك الله فيك، واجتهدي في ذلك، ولكن عليك قبل أن تبدئي ذلك بأن تصلي ركعتين وتتوجهي إلى الله -عز وجل- بالدعاء، أن يقضي الله -تبارك وتعالى- حاجتك، وأن يشرح صدر أمك لقبول كلامك، وأن يصلح ما بينك وبينها، اجتهدي في ذلك واحرصي عليه، ثم بعد ذلك تكلمي معها في جو يكون مناسبا تكون فيه أمك مسترخية هادئة ولا يوجد هناك أحد من إخوانك أو أخواتك.

تتكلمين معها وتشرحين لها، وتفضين لها بكل ما في نفسك، وفي جميع الأحوال النتيجة ستكون على اتجاه من الاتجاهين: إما أن تتكلم معك بكلام فيه رفق وأن تستمع إليك بإنصات جيد، وأن تقدر ظروفك ومشاعرك، وأن تعدك بأن تتغير، وإما أنها ستزيدك كلاما وعتابا وقد تسب وقد تدعو، وفي جميع الأحوال نحن قد تعودنا على ذلك.

إذن -بارك الله فيك- كسر هذا الحاجز لآخر فرصة، هذا أولا، مع الدعاء والتضرع إلى الله -عز وجل- أن يوفقك في هذه الخطوة، ثم بعد ذلك إن عجزت مع أمك فمن الممكن أن تدخلي والدك في الموضوع، لعله أن يستطيع أن يكلمها كلمات تحد من هذه الشدة التي تصبها عليك، ومن هذا العنف الذي توجهه إليك.

أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يبارك فيك وأن يكثر من أمثالك، وأوصيك أن تكثري لأمك وأبيك من الدعاء بصلاح الحال، وأن تسأليه سبحانه أن يعينك على أن تكوني بارة بوالديك.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات