السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لم أستطع أن أتخرج من الثانوية العامة إلا بعد الرابعة والعشرين من عمري لانقطاعي عن الدراسة لأسباب عائلية، وأحب الطب البشري جدا، ومستواي ممتاز -ولله الحمد-، ويؤهلني للإبداع في الطب، ولكن مشكلتي أني سأبدأ الدراسة في الوقت الذي يكون أقراني قد تزوجوا واستقروا، فلا أعلم ماذا أفعل؟
علما بأن الطب البشري يحتاج إلى تفرغ ووقت طويل، فهل أتراجع عن دراسته وأتزوج وأستقر أم أتفرغ لدراسة الطب؟ فقد يصعب أن تقبلني الفتاة التي أختارها بحجة كبر سني، ولا أظن أني أستطيع أن أصبر طوال تلك السنوات، وأبي يشجعني على انتهاج نهجه في التجارة.
فأرشدوني وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك بين آبائك وإخوانك، ونسأل أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به، ونشكرك على علو همتك وإكمالك للدراسة، وعدم التفاتك للسن، وتوفيقك فيها يدل على علو همتك، وهكذا شأن المؤمن ينبغي أن يكون دائما عالي الهمة، طالبا لمعالي الأمور، نسأل الله تعالى أن يزيدك صلاحا، وأن يعلي همتك أكثر وأكثر.
ولا شك أن دراسة المجال الذي تحبه أمر مثمر، لا سيما إن كنت متفوقا دراسيا، ولكن إذا كنت تخشى على نفسك عدم الصبر عن الزواج، وأن هذا قد يوقعك فيما حرم الله تعالى عليك من النظر المحرم أو غير ذلك من المعاصي والذنوب، فلاشك ولا ريب أن الأولى في حقك في هذه الحالة -إن لم يكن واجبا- أن تسارع بالزواج ما دمت قادرا عليه وتخشى أن تقع في الحرام في هذه الحالة يتعين ويجب عليك أن تتزوج، والله -عز وجل- سيتولى عونك وسيفتح لك أبواب الرزق في غير المهنة التي كنت تأملها؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاثة حق على الله عونهم، ومنهم: الناكح يريد العفاف)، ولعل الله تعالى يكون قد قدر لك خلاف ما تتمناه أنت، وله سبحانه وتعالى في أقدراه الحكمة البالغة، فالإنسان كثيرا ما يتمنى الشيء ويرغب فيه، والله عز وجل يكون قد قدر له خلافه لعلمه سبحانه وتعالى السابق بما تقضيه مصلحة العبد، قال الله في كتابه: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، [البقرة:216] فالخير لك في مثل هذه الحالة أن تتزوج.
فإذا قدرت على أن تواصل دراسة الطب، ورأيت نفسك قادرا على الجمع بين القيام بالحاجات الزوجية والدراسة فهذا شيء حسن، وإذا رأيت أنك لا تقدر على ذلك فتوجه إلى ما أشار به إليه والدك من العمل بالتجارة، ولعل الله تعالى يجعل لك فيها خيرا كثيرا، فإن التجارة كما جاء في الحديث تسعة أعشار الرزق.
أما إذا كنت لا تخشى الوقوع في الحرام بسبب تأخير الزواج، فإن الزواج لا يجب عليك في هذه الحالة، لكن مع هذا النصيحة بلا شك أن القادر على الزواج ينبغي له أن يتزوج وأن يبارد إلى إعفاف نفسه؛ فإن في الزواج منافع كثيرة؛ ولذلك كانت هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم للشباب حين قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج)، نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.
وبالله التوفيق.