السؤال
هل الزواج اختياري أم إجباري؟
تقدم لي شخص من عائلة طيبة، هادئ، ويعمل في عمل مؤقت، ولديه دخل من الأرض التي يمتلكها، غير متدين وغير مثقف، أقل مني درجة علمية، غير مطلع على أي من الأحوال السياسية أو الاجتماعية، تفكيره سطحي جدا، مسئول عن والدته وإخوته البنات الأكبر والأصغر منه، ليس لديه طموح أو آمال، وكل هذا عرفته من خلال مقابلتي له، وهو يحبني.
أما أنا فمقبولة شكلا، صليت صلاة استخارة ولم أر شيئا، ودائما أتكلم معه على أن يجد إنسانة أفضل مني، ولكنه قليل التطلع، وأهلي يرحبون به جدا، لذا لا يرفضونه، أنا خائفة أن أرفضه، خائفة من أهلي، وكلامهم لي، ومخاوفي الأهم أن لا أتزوج ويكون لي أسرة وأبناء، على الرغم أنني لا أتقبله، وأخاف أن أتعب معه.
ماذا أفعل؟ هل أقبله وأتعب معه بعدم رضاي نفسيا به؟ أو لا أقبله، ولا أستطيع تحمل عائلتي وكلامهم، وخوفي على مستقبلي أن أكون وحيدة، فهل بيدي اختيار في ذلك أم لا؟
جزاكم الله خيرا، أعينوني رحمكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Nama حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.
بخصوص سؤالك عن الزواج، هل هو إجباري أم اختياري؟ فإني أقول لك أختي الكريمة بأنه لا يوجد هناك إجبار في الإسلام على عمل من حق الإنسان أن يقوم به، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما تقدمت إليه فتاة تشكو إليه أن أباها قد زوجها من ابن عمها بدون رضاها، هل من حقها أن ترجع في هذا الزواج؟ فقال لها -صلى الله عليه وسلم-: (إن شئت طلقتك منه).
إن الأمر اختياري، وليس من حق أحد أن يفرض على الفتاة شخصا لا تريده أو تشعر بأنه ليس في مستواها، أو أنه دون مستواها وتشعر بأنها لن تستطيع أن تعطيه حقه الشرعي الذي ينبغي عليها أن تقوم به كزوجة.
أنت الآن تقولين بأن هذا الشاب الذي تقدم لك من عائلة طيبة وهادئ، ولكنه غير متدين، وهذا في حد ذاته مشكلة، وغير مثقف أيضا كذلك، وأقل منك في المستوى العلمي، لا يطلع على شيء من أمور الحياة، سطحي التفكير.
أقول هذه الأمور كلها حقيقة تدل على أنه غير مناسب بالنسبة لك، إلا أنك كونك لا تريدين أن تغضبي أهلك وتقبلين به فهذه تضحية منك، وإلا فالشرع بارك الله فيك أعطاك الحق في أن ترفضيه مهما كان، حتى وإن كان صاحب دين، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).
إذن الرجل الآن كونه من عائلة طيبة، وكونه شخصا هادئا إلا أنه غير متدين، إذن الميزة الوحيدة الذي كان من الممكن أن تقبليه بسببها إنما هو التدين، وفوق هذه السلبيات التي ذكرتها ما دمت أنت تشيرين إليها من الآن فمعنى ذلك أنها في نفسك، وأنها ستلعب دورا مهما جدا في طريقة التعامل، بينما إذا قدر الله وأصبحت زوجة له.
لذلك أنا أقول بارك الله فيك: كونك تقولين بأنك تخافين من إغضاب أهلك وأيضا تخافين على مستقبلك في أن لا يتقدم لك أحد، هذا كله خطأ، فإن الله تبارك وتعالى قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فأنت لك زوج في علم الله تعالى سوف يتقدم إليك في الوقت الذي أراده الله، وإذا كان هذا الأخ الذي تقدم لك الآن هو نصيبك فثقي وتأكدي من أنك ستكونين له؛ لأنه لا يقع في ملك الله كما ذكرت لك إلا ما أراد الله، إلا أنه وفق المعطيات التي أشرت إليها هو أنك غير مقتنعة به كلا وموضوعا.
أرى أن تعتذري لأسرتك وأن تعتذري لهم على أنك لا تستطيعين أن تكملي هذا المشوار مخافة أن تفشلي في حياتك في المستقبل، وأنت الآن في سلامة وفي بحبوحة وفي عافية، فأنت الآن مازلت بكرا ولم تدخلي حياة زوجية ولم ترتطبي بأحد، برباط زواجي حتى يعلم الناس أنك مطلقة أو غيره، وأن بمقدورك -بإذن الله تعالى- بالتوجه إلى الله -عز وجل- بالدعاء والأخذ بالأسباب أن يمن الله تبارك وتعالى عليك بمن هو أفضل منه، خاصة وأنك إنسانة مثقفة، وعلى قدر من الوعي والالتزام، وشكلك مقبول -ولله الحمد والمنة- وعلى قدر من طاعة الله تعالى، فأرى أن كل هذه بالنسبة لك امتيازات ينبغي أن لا تفرطي فيها.
من هنا فإني أقول: ما دمت غير مقتنعة به فمن حقك أن تعتذري لأهلك أو تعتذري له أو لأحد منهم، وتقولي له (أنا كنت أتمنى فعلا أن أدخل السرور عليكم ولكن أشعر بأن هذا الشاب لن يستطيع أن يعينني على نفسي، وأنا لا أريد أن أفشل في حياتي لأن الإنسان يتزوج عادة مرة واحدة، المرأة تتزوج مرة واحدة عندما تكون بكرا، بعد ذلك قد يزهد فيها الناس ولا يفكر أحد في الارتباط بها إذا كانت مطلقة).
من حقك فعلا أن ترفضي ومن حقك أن تقبلي، وهذا حق كفله لك الشرع، وكونك تراعي مثلا شعور الأسرة هذا شيء رائع، وهذا شيء جميل؛ لأن هذه المرأة التي جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت له إن أبي زوجني من ابن عمي ليرفع به خسيسته، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا شئت طلقتك منه) فقالت: بل أمضي ما فعله أبي، فهي استمرت في ذلك حتى لا تزعج والدها، ويبقى الأمر لها.
ولكن القرار النهائي شرعا هو لك ابنتي الكريمة، وليس لأحد، لا لوالديك ولا لأحد من الناس، لأنك أنت التي سوف تعيشين معه تحت سقف واحد، وتبيتين معه في فراش واحد، فإذا لم يكن بينكما الانسجام المطلوب لاستمرار الحياة وإعانتها على أداء رسالتها فأرى أن تعتذري لهم من الآن، ويقدر الله لهذا الأخ الخير ويقدر لك أيضا الخير.
أسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرزقك الرضا به، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.