السؤال
أنا أحب دراسة العلم الشرعي، وبعد تخرجي تقدمت لمنحة خارجية في إحدى الدول العربية، وانتظرتها خمسة أشهر ولم تأت، ثم اضطررت للتسجيل في جامعة محلية في تخصص الهندسة، وأمضيت فيها أربعة فصول -أي سنتين- ثم بسبب التقصير في جانب ما أهملت في دراستي، ودخل علي الضعف النفسي، وشعرت أني لا أستطيع الإكمال، بعد ذلك خطر لي أن أتقدم لمنحة في السعودية لدراسة الشريعة، وأنا الآن في مأزق مع أهلي؛ لأنهم يريدون مني الإكمال في الهندسة، فأشيروا علي: هل أكمل في الهندسة أم أقدم طلبا لمنحة أم ماذا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أيها الأخ الحبيب في استشارات إسلام ويب، ونحن نشكر لك علو همتك وحرصك على تعلم أحكام شرعك، فهذا العلم أيها الحبيب سيد العلم وأشرفها، فإن العلم كما يقول الناس: العلم شرفه شرف المعلوم، ولا شك أنه إذا كان موضوع العلم هو معرفة الله سبحانه وتعالى، ومعرفة ما يحبه وما يسخطه والطريق الموصل إليه، كان هذا العلم أشرف العلوم على الإطلاق، فنحن نشد على يديك لتمضي في هذا الطريق، والحرص على تعلم الشرع ما أمكنك، فإن الله عز وجل وعد أصحاب هذا العلم برفعة في الدارين، فقال: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، [المجادلة:11] والنبي -صلى الله عليه وسلم- رغب في العلم الشرعي في أحاديث كثيرة مشهورة.
نحن نرى أيها الحبيب أن جمعك لهذا العلم مع دراستك التي بدأتها أمر ممكن -إن شاء الله تعالى-، وليس أمرا متعذرا ولا متعسرا، وما دام قد شرعت في دراسة تخصص الهندسة، وأمضيت فيه سنتين، وقطعت نصف الطريق تقريبا، فإننا ننصح بأن تكمل هذا لتكتسب به حرفة ومهنة تستطيع بها -إن شاء الله تعالى- أن تكتسب ما يكفيك ويعينك على إقامة أسرة، وتتفرغ بعد ذلك في غير ساعات العمل لتعلم العلم الشرعي والتفقه في دين الله تعالى، وبهذا تكون قد كنزت الخيرين، والعلماء الربانيون ينصحون طالب العلم الشرعي أيضا بأن يمضي بعض سنوات عمره في تحصيل ما يكفيه من المال، أو في تعلم حرفة يستطيع بها كسب ما يحتاجه، فهذا لا يتعارض مع طلب العلم الشرعي.
لهذا نصيحتنا لك هي أن تلبي رغبة أهلك، وإن كان هذا لا يجب عليك طاعتهم فيه؛ لأنه ليس من الأمور التي تورث الوالدين غضبا مبررا في عرف الناس، ولكن مع هذا نحن ننصحك بأن تبرهم في هذا، ولأن فيه تحقيق المصلحة على وجهها التام -إن شاء الله- كما بينا، وبهذا سيزول الإشكال عنك.
كن جادا أيها الحبيب في استغلال أوقاتك إذا استطعت إلى ذلك سبيلا أثناء دراستك، وبإمكانك أن تجعل جزءا يسيرا خلال السنوات المقبلة في دراسة الهندسة، وأن تجعل جزءا يسيرا من الوقت لحفظ ما تيسر من كتاب الله تعالى ومراجعته، وحفظ ما تيسر من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبإمكانك لو أتقنت ترتيب وقتك أن تجد في يومك وليلتك جزءا ولو يسيرا تخصصه كذلك للسماع والمطالعة في بعض العلوم الشرعية، مما يمهد لك الطريق -إن شاء الله- لأن تتفرغ لذلك بعد التخرج.
وقد سبقك في هذا الطريق كثيرون -أيها الحبيب-، ونالوا التفوق في الجانبين، فنرى كثيرا من الدعاة المشهورين بل وبعضهم من أهل العلم درسوا تخصصات تطبيقية أخرى، مثل الطب والهندسة وغيرها، ولما علم الله -سبحانه وتعالى- منهم الجد والإخلاص وفقهم أيضا بأن نالوا حظا وفيرا من العلم الشرعي، فنأمل من الله سبحانه وتعالى أن تكون من هذا الصنف من الناس، فتجمع خير الدنيا وخير الآخرة، وما عليك إلا أن تتوجه إلى الله -سبحانه وتعالى- بصدق واضطرار، وتسأله -سبحانه وتعالى- أن يفهمك ويعلمك، وأن يرزقك العمل بما تعمل، وإذا علم منك الله عز وجل منك الجد والإخلاص فإنه -سبحانه وتعالى- لا يرد عبده صفرا.
وبالله التوفيق والسداد.