السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
كان لي زميلة في الكلية، اشتركنا في الأنشطة الطلابية في الكلية والأنشطة الخيرية، وانجذبت إليها، ولم أبن انجذابي على الدين أو على الحسب أو على الجمال، ولا أعلم على ماذا انجذبت! لكن كان شعورا داخليا، بدأت أتعرف عليها، وبعد مدة من التردد دامت شهورا فاتحتها في موضوع الارتباط بشكل غير مباشر، ووجدت بعض القبول، ولكن مع إرجاء الموضوع إلى ما بعد الانتهاء من فترة الدراسة.
كانت العلاقة بيننا لا تتجاوز الحوار على الشات من غير صوت ولا صورة تماما، ومقابلتها في الكلية لعدة دقائق في معظم الأحيان، وكانت مواضيع الحديث لا تتجاوز الحديث عن الدراسة وعن أسرنا والمجتمع ولا تتخطى هذه الحدود، ولم ألمس يدها قط، ولم أنظر إليها نظرة سيئة قط والحمد لله، واستمرت العلاقة على هذا الشكل لمدة تزيد عن عام، ثم بدأت أعلم عن الاختلاط وأحكامه، وأخذتني الحماسة، وعرضت عليها هذا الأمر، ولكن قوبل ببعض الفتور.
مع العلم أن علاقتها بالذكور عموما تشبه إلى حد ما الوصف الماضي الذي وصفته، وهو مجال العمل الطلابي والدراسة -والحمد لله لا يتجاوزه أبدا– فمثلا لا يوجد خروج واتصالات، أو كلام في أي شيء مسيء أبدا، وغيره، ولله الحمد، فآثرت الابتعاد، ثم بعد عدة شهور وجدت نفسي أميل مرة أخرى إليها، ونسيت كل ما اتخذته بخصوص الاختلاط، وفاتحتها في الارتباط مرة أخرى بعد الكثير من التمهيد، وعادت العلاقة إلى ما كانت عليه تقريبا، لكن بعد عدة شهور أخرى عاد موضوع الاختلاط مرة أخرى إلى ذهني، وحدث معه أني رأيتها في موقف غضب شديد ضد أحد الأشخاص صدمت معه، فتكاتف العاملان وجعلاني أقطع العلاقة مرة ثانية، واستمررت على هذا الوضع حتى الآن – ما يقارب العامين – لكن ما زلت كلما أراها أجد في قلبي ميلا إليها، وأحاول أن أطرد هذه الأفكار عني لكني لا أستطيع.
ما رأيك يا سيدي الفاضل؟ أنا أمام إنسانة أحسبها على خير، ومحبة للعمل الخيري والتطوعي، ومحبة للقرآن، وتداوم على حفظه في حلقات أسبوعية، وتعلم أحكام التجويد، ومن أسرة محترمة، ومتفوقة دراسيا، وحسنة الأخلاق، وفي نفس الوقت كل ما كان بيننا في السابق كان بعلم أهلها، ولم تكن تخفي شيئا عنهم، ولم تكن علاقة خطوبة، ولم تتعارف الأسرتان، لكن كانت ثقة متبادلة بينها وبين أهلها الذين وثقوا في قدرتها على إدارة الأمور، مع عدم إخفائها أي شيء عنهم، وهو ما احترمته فيها، وفعلت نفس الشيء مع أهلي، لكن على نطاق أضيق.
يعيبها العصبية الزائدة – كان هذا من عامين ولا أعلم ما هو وضعها الحالي - والاختلاط في صورته التي ذكرتها في مجال العمل التطوعي، والدراسي والزمالة في الكلية ولا يتعداه، وتساوي في أعمارنا – لا أعلم هل هذا ميزة أم عيب؟!-
أجد نفسي منجذبا إليها كلما رأيتها وإن كنت أتحاشاها في كثير من الأحيان؛ حتى لا أثير في نفسي الذكريات.
أخشى من رفضها، وأخشى من عصبيتها الزائدة، ولا أعرف حقيقة هل هي زائدة أم لا؟ فلست في محل الحكم العادل، أخشى من جانبها، أخشى من نفسي، خاصة أني وللأسف لا أستطيع غض بصري في الكثير من الأحيان، وقد أقع في بعض محرمات الله التي أستحي أن أذكرها، لكن أخاف أن أعاقب بسببها في زواجي – أخشى الله وأخشى عقابه – فالطيبون للطيبات، ولست أهلا لذلك، ولكن طمعي في كرم الله كبير، وأخشى أن أسيء الاختيار، مع العلم أني لست إنسانا سيئا، فأنا والحمد لله أداوم على جزء كبير من الصلاة في المسجد، وإن كنت غالبا –وللأسف- لا أستطيع الاستيقاظ لصلاة الفجر، فهل يا سيدي الفاضل أجد عندك الإجابة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك.
وبخصوص ما ورد برسالتك أخي الكريم الفاضل وحديثك عن هذه الأخت الفاضلة، فأنا أرى أن مثلها يوزن حقيقة بماء بالذهب؛ لأنها أخت فاضلة وعفيفة، وتمت تربيتها تربية صحيحة موفقة، حيث إنها لا تخفي عن أهلها شيئا، وتتعامل معك ومع غيرك بطريقة واحدة، ولا تسمح لأحد أن ينحرف بها يمينا أو يسارا، فمثل هذه تعتبر فتاة نادرة، ولذلك تمسكك بها أرى أنه في محله يقينا، ونظرا؛ لأن المرحلة الدراسية لم تنته بالنسبة لك أو لها، فأنا أرى بارك الله فيك أن تظل علاقتك بأهلها؛ حيث إنك موضع ثقتهم ويقدرونك ويحترمونك، فأنا أرى أن تتواصل معهم، وأن تترك الأخت الآن، ولا تفاتحها في شيء حتى تنتهي الدراسة، ثم بعد ذلك إن تقدمت لها قطعا سيكون وضعك أحسن مما أنت عليه الآن، فإنك بذلك سوف تكون قد انتهيت من الدراسة أولا وهذا من فضل الله تعالى، وأصبحت رجلا مهيئا لأن تكون صاحب عمل، وقد يمر عليك أيضا عام ولكن من الممكن بعد نهاية العام الدراسي أخي الكريم عبد الرحمن أن تفاتح أهلها في رغبتك في الارتباط بها، لأني أرى فعلا أن مثلها لا ينبغي أن يفوته الإنسان، فامرأة بهذه النظافة، وبهذا الرقي الأخلاقي، وبهذا المستوى الديني، فعلا تعتبر نعمة من نعم الله تعالى.
فيما يتعلق بعصبيتها، أتصور بأنه من الممكن أن يتم علاجها، خاصة إذا وجدت الأنس والرفق والمعاملة بالمعروف، ووجدت الاحترام والتقدير، وعدم الاحتكاك مع كم كبير من الناس، فإن العصبية إن شاء الله تعالى سوف تزول.
ثانيا على ذلك: من الممكن أن نعرف أسباب هذه العصبية، وأن نحاول أن نتخلص منها أيضا.
فأنا أرى بارك الله فيك فعلا أن تتمسك بها ولكن بالضوابط الشرعية، فلا تتكلم معها الآن؛ لأنك تعلم أن أي كلام الآن هو مخالف للشرع، وخاصة أنها لا تقبل هذا الكلام مطلقا، وأنها قابلتك أكثر من مرة بنوع من الفتور؛ لأنها لا تريد أن تفتح ملفا محرما معك أو مع غيرك.
أنا أتصور أنها تقدرك وتعزك وذلك نتيجة التواصل بينكما واشتراككما في الدراسة واشتراككما في العمل التطوعي أيضا وتواصلك مع أهلها، وأعتقد أن هذا جعل لك رصيدا لا بأس به في قلبها، ولكن بما أنك الآن غير مهيأ فلا ينبغي عليك أن تشغل بالك بمثل هذا الأمر، وينبغي عليك أن تعلم أخي عبد الرحمن أن ما قدره الله فهو كائن، فإذا كانت هذه الأخت من نصيبك فثق وتأكد أنها سوف تكون لك بإذن الله جل وعلا، وإذا لم تكن من نصيبك فحتى وإن كنت قد دخلت بها فإنها لن تكون لك.
فأنا أرى أن تترك الأمر الآن لله سبحانه وتعالى، وتترك أمرك لله تعالى في كل آن وحين، وأن تتفرغ لدراستك، وأن تجتهد اجتهادا كبيرا حتى تكون أهلا للارتباط بها، خاصة وأنها متفوقة دراسيا، وأنا أرى أنه من العيب أن تكون هي متفوقة دراسيا وأنت لست مثلها أو أفضل منها، فأرى أن تركز جهدك كله على الدراسة الآن وعلى التميز العلمي حتى تكون أفضل منها بإذن الله تعالى، وأنا على يقين من أنك قادر على ذلك، خاصة وأنك ولله الحمد والمنة على قدر من الخير.
فيما يتعلق بالمعاصي وعلاقتك بالله تعالى، فهذه يمكن تسويتها، فأنت تستطيع أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، وأن تتوقف عن هذه المعاصي كلها صغيرها وكبيرها، وأن تعاهد الله تعالى على أن لا تفعل شيئا يغضبه بعد ذلك؛ لأنك تعلم أن الأعمال الصالحة من أهم أسباب قضاء الحوائج، فأنت تريد هذه الأخت المتميزة زوجة لك وأعتقد أنك بالتوبة إلى الله تعالى والإقبال على الله والمحافظة على أعمال الدين سوف تكون أهلا لأن يكرمك الله تبارك وتعالى بها.
ثالثا: أنا أتمنى أن تتواصل كما ذكرت مع أهلها، حتى تظل على مقربة منها، لأنها طبعا عندما تعلم بذلك فإن والدها قد يشير إليها أو أمها قد تتكلم معها، وعندما قطعا تتقدم إليها بعد نهاية المرحلة الدراسية ستكون مقدما على غيرك.
فأنا أرى بارك الله فيك الآن أن تتواصل مع أهلها أيضا بالطريقة الطبيعية التي تعودت أن تتواصل بها معهم، ثم تركز على دراستك بارك الله فيك تركيزا قويا جدا حتى تتميز عليها بإذن الله تعالى، ثم تغلق الأبواب - أبواب المعاصي التي بينك وبين الله تعالى - ورابعا تتوجه إلى الله تعالى بالدعاء؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل الدعاء من أسباب قضاء الحوائج وتفريج الكربات، بل ورد القدر نفسه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) فأوصيك ونفسي أخي الحبيب عبد الرحمن أن تكثر من الدعاء، والإلحاح على الله أن يجعل لك فيها نصيب، خاصة وأنها بهذا التميز وهذا الرقي الأخلاقي والإيماني.
كذلك أوصيك بكثرة الاستغفار؛ لأنه من مفاتيح الأرزاق، كما قال الله تبارك وتعالى: (( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ))[نوح:10-12].
كذلك أيضا أوصيك بالإكثار من الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام بنية قضاء حاجتك، وأن تكون هذه الأخت من نصيبك؛ لأني أرى فعلا أنها عملة نادرة ينبغي أن يحافظ عليه أي رجل مسلم يخاف الله ويتقيه ويريد أن يؤسس أسرة مسلمة سعيدة واعدة واعية متفاهمة.
أسأل الله تبارك وتعالى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا، وأن يقدر لك الخير حيثما كان، وأن يرزقك الرضا به، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.