السؤال
السلام عليكم
عندي أخ عمره 21 سنة، أصيب بهوس النظافة القهري، وأصبح البيت لا يطاق بسببه، وأصبح لا يسمح لنا بأن نلمس أي شيء من ممتلكاته، وبعدها أصبح لا يسمح لأحد بمسك بعض الحاجيات وخاصة فراشه، وجعلنا ننام على الأرض لكي لا نمسك ونصبح بتماس مع الأسرة، وهو في اليوم الواحد يستحم من 5 - 8 مرات في نفس الساعة، ولا ينشف نفسه، وبعد خروجه من الحمام يخرج ويغسل نفسه خارج الحمام، ثم بعدها يعود ويستحم، ومرات كثيرة يفعل أشياء مستحيلة، وعندما نمسك بعض ممتلكاته ينهار ويبكي، ويقول أصبحت غير نظيفة، حتى الطعام الذي نأكله أصيب حوله بوساوس تصل إلى أنه يغسل الطعام قبل أن يأكله، والحالة في ازدياد، وأصبح البيت لا يطاق -كما ذكرت- ولا نعرف الحل! نخاف عليه أن يصاب بمرض من كثرة الاستحمام؛ لأنه حتى في الشتاء يستحم دون أن يقوم بتنشيف نفسه من الماء، ويخرج في الساعة الرابعة صباحا في الشتاء، ويستحم أحيانا خارج الحمام في الحديقة وفي البرد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بشار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنسأل الله تعالى لأخيك العافية والشفاء، وكما تفضلت وذكرت، فهذا الأخ – عافاه الله – مصاب بالوسواس القهري -أي وساوس الأفعال- وهي مبنية على الأفكار – أي الخوف من الأوساخ –، وبدأ الفعل القهري يسيطر عليه ويستحوذ عليه، وهو تكرار الغسل والنظافة.
هذا من الوساوس الشائعة جدا، وعلاجه ممكن، ولكن يتطلب بعض الالتزامات.
العلاج ينقسم إلى علاج دوائي وعلاج سلوكي، فأما العلاج الدوائي فتوجد الآن أدوية ممتازة جدا تساعد الناس كثيرا، وسوف أصف لأخيك هذه الأدوية، وإن كنت أفضل حقيقة أن يذهب هذا الأخ لمقابلة الطبيب؛ لأن العلاج السلوكي يتطلب الاسترشاد المباشر من خلال التطبيقات التي يقوم بها المعالج.
وعلى كل فالدواء المفضل يعرف تجاريا باسم (بروزاك) واسمه العلمي هو (فلوكستين)، حيث إنه يمكن أن يتواجد تحت مسميات تجارية أخرى في العراق، والجرعة المطلوبة في حالة هذا الأخ هو أن يبدأ بعشرين مليجراما يوميا، يتناولها بعد الأكل، وبعد عشرة أيام يرفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم – أي أربعين مليجراما – ويستمر عليها لمدة شهر، ثم يجعلها ثلاث كبسولات في اليوم، يتناول كبسولة في الصباح وكبسولتين ليلا، ويستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، بعدها يخفض الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم يتوقف عن تناول الدواء.
هنالك دواء مساعد أيضا من الضروري أن يتناوله، يعرف تجاريا باسم (رزبريادال) ويعرف علميا باسم (رزبريادون)، والجرعة المطلوبة هي أن يبدأ بواحد مليجرام ليلا لمدة أسبوعين، بعد ذلك يرفع الجرعة إلى اثنين مليجرام ليلا لمدة ستة أشهر، ثم يجعلها واحد مليجرام ليلا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم يتوقف عن تناول الرزبريادون، لكن يواصل البروزاك بالصورة التي وصفناها.
هذه أدوية فعالة وممتازة وسليمة وغير إدمانية، لكن فعاليتها مرتبطة ارتباطا مباشرا بمدى التزام هذا الأخ بتناول الدواء، حيث إنها تتطلب المواصلة المستمرة حتى يتم البناء الكيميائي الفعال.
أخي الكريم: بالنسبة للشق الآخر في العلاج هو العلاج السلوكي، وأفضل وأحبذ أن يتم بواسطة المعالج؛ لأن هؤلاء المرضى لديهم درجة كبيرة جدا من المقاومة وعدم القبول للعلاج، حيث إن العلاج يقوم على مبدأ التعريض مع منع الاستجابة، أي أن أعرضه لمصدر الأوساخ التي يخاف منها ولكن أمنعه الاستجابة للغسيل أو للنظافة، فمثلا سوف يقوم المعالج بأن يطلب من هذا الأخ أن يضع يده تحت أسفل حذائه، وفي نفس الوقت يقوم المعالج بعمل نفس الشيء، وهنا يكون المعالج هو النموذج لهذا الأخ، وبالطبع يجد الشخص مقاومة شديدة وكثيرا ما نضطر أن نمسك يده لنضعها تحت أسفل الحذاء وأضع يدي أنا تحت حذائي.
هذا تمرين ممتاز وفعال جدا، وتستمر عملية الملامسة هذه لمدة خمس دقائق، بعدها نجعله يمسح يديه مع بعضهما البعض، أي أن ينقل الأوساخ إلى اليد الأخرى، وبعد خمس دقائق من الانتظار نوفر له كمية من الماء محدودة جدا تكون في كوب، ولا نسمح له باستعمال ماء الصنبور، إنما نحضر كوبا من الماء للمريض والكوب الآخر للمعالج، ويقوم المعالج بغسل يديه حسب الماء المتيسر، والذي يجب أن تكون كميته قليلة، وبنفس المستوى يتبعه الأخ الذي يعاني من الوسواس القهري.
هذه تمارين ممتازة جدا، لكنها تتطلب التكرار، وتتطلب القناعة والتركيز، وهكذا لكل وسواس برنامج علاجي، والمثال الذي أعطيته لك هو من أنجح الأمثلة العلاجية.
أخي الكريم: من الملاحظ أن هؤلاء الأخوة الذين يعانون من هذه الوساوس الاستحواذية يتعاونون مع العلاج بعد أن يستمروا في العلاج لمدة أربعة إلى ستة أسابيع؛ لأن الدواء يخفف كثيرا من قلقهم، ويجعل الوساوس في حالة شيء من الاهتزاز والهشاشة، وهنا يطبق العلاج السلوكي بالصورة التي وصفناها.
لذا أرجو منك التكرم بأن تساعد هذا الأخ، وأنا أتفق معك أن الوساوس متعبة لصاحبها ومتعبة لأسرته ولكل من حوله، لكن بفضل الله تعالى أصبح الآن بالإمكان علاجها، وذلك باتباع ما ذكرته لك من إرشاد.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لكم العافية والشفاء.