السؤال
السلام عليكم.
أنا شخص أحب العلم جدا، وخاصة مجال الالكترونيات، ولكني لا أعلم فيه إلا القليل جدا، ولكني أحبه.
مشكلتي باختصار أنني منذ الصغر لا يكتمل لي عمل، فأنا أبدأ أي عمل بحماسة شديدة جدا جدا، ثم ما ألبث إلا أياما قليلة ثم تزول هذه الهمة وهذا النشاط، حتى أنني في بداية العمل قد لا أنام وأواصل ليلا بنهار أحيانا، وكل هذا يذهب أدراج الرياح بعد أيام – وهذا من صغري-، فأنا في صغري كنت أحب أن أصنع لعبا مثل سيارات صغيرة، أو ما شابهها، فكنت أقوم بعمل اللعبة حتى إذا وصلت قبل النهاية قمت بتفكيكها لأقوم بعمل واحدة أخرى، أو أي لعبة أخرى.
وعندما كبرت قررت حفظ القرآن، ثلاث مرات أبدأ ثم ما ألبث أن أتوقف رغم أنه عند شيخ محفظ، وكذلك أريد أن أقرأ كتابا وتكون الهمة عالية، ثم ما هي إلا صفحات يسيرة ولا أكمله، وهكذا في كل شؤوني تقريبا، وهذا الأمر يشعرني بالاكتئاب ( ليس اكتئابا بمعناه المرضي ) ولكنه حزن شديد على حالي، فهل هذه مشكلة نفسية؟
إضافة قد تفيد: أنا أعيش في أسرة بسيطة، لكن التعليم لديهم قليل؛ فهم غير منظمين؛ لذلك لم يكن هناك في حياتي في الصغر أي نظام؛ لذلك أنا الآن أحاول جاهدا تنظيم حياتي وحياة زوجتي وابنتي، لكني أيضا أفشل، ولا أستمر إلا أياما قليلة، ثم أعاود لأنظم، وهكذا، هذه هي مشكلة حياتي لا يكتمل لي هدف.
والسلام عليكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالإنسان قد ينطلق بحماس شديد للقيام بعمل معين أو مهمة معينة، ولكن بعد فترة يحس بانخفاض في حماسه، وربما يحس بالخذلان وقلة الدافعية لديه مما يجعله يتوقف عن أداء ما يريد أن يصل إليه -وهذا بالطبع يؤدي إلى شيء من الإحباط-.
أيها الفاضل الكريم: لا نعتبر هذه الحالة حالة مرضية، إنما هو أمر يتعلق بكيفية التحكم في الذات من أجل الإنجاز، والتحكم في الذات من أجل الإنجاز يأتي من خلال حسن إدارة الوقت.
الأهداف واضحة بالنسبة لك، وهذا أمر جيد، ولا أرى أن أهدافك التي تريد أن تصل إليها صعبة أو مستحيلة التنفيذ.
بعض الناس قد يشغل نفسه أو يدخل نفسه في أمور فيها شيء من الاستحالة، ليس لديه المقدرة، وقد يكون ليس لديه الوسائل التي توصله إلى ما يريده؛ لأن الاختيار أصلا فيه شيء من عدم الواقعية، لكن أنت ما تتحدث عنه -وهو حبك لمجال الالكترونيات- هذا أمر معقول جدا، وهذه رغبة مشروعة جدا، وهنالك الوسائل -إن شاء الله تعالى- التي توصلك إلى ما تريد أن تصل إليه.
أخي الكريم: أنت محتاج لتنظيم الوقت.
وتنظيم الوقت يتطلب أولا: أن يعرف الإنسان أن الوقت يقسم إلى ثلاثة:
القسم الأول في الأنشطة الحياتية، هو ما يحتاجه كل إنسان من أكل وشرب ونوم ولبس، وهذه أنشطة عادية جدا يستوي فيها جميع الناس.
هنالك أنشطة إضافية ترتبط بمهنة الشخص، وهذه تتطلب أيضا وقتا.
وهنالك الجزء الثالث من الوقت وهو: أن نقضيه في الأشياء التي تتطلب الإبداع وتطوير الذات.
لا بد للإنسان أن يعطي نفسه نصيبا من هذه الثلاث، المتطلبات الأساسية، المتطلبات المهنية الخاصة يقضي فيها الوقت المطلوب، وبعد ذلك تأتي الأمور الإبداعية والترفيهية وخلافه.
فيا أخي الكريم: استفد من هذه الخارطة الزمنية من أجل أن تنجز، وأنا أنصحك أن توزع وقتك بصورة صحيحة: وقت للعمل، وقت للراحة، وقت للرياضة، وقت للعبادة، وقت للتواصل مع الآخرين، ووقت لتطوير هذه الهواية التي تريد أن تقوم بها، ولابد أن تبدأ بدايات بسيطة،- هذا مهم جدا-.
جوهر الأمر هو أن لا تكون الدافعية والحماس في أول الأمر ثم بعد ذلك يتراخى الإنسان، ابدأ بداية بسيطة، حدد أن هذا المشروع يتطلب منك ستة أشهر مثلا لإنجازه.
ضع خارطة ذهنية كاملة تتبعها دون أي نوع من التراخي، ولا تشغل نفسك بمواضيع أخرى، ولا تشغل نفسك بأنشطة أخرى قد تبعدك عن الخط الذي أنت فيه، والإنسان يجب أن يحاول ويحاول، فأدسون الذي اخترع الكهرباء يقال إنه حاول أكثر من ألف مرة، وفي أحد المرات بعد أن قام بتجاربه حوالي سبعمائة مرة انفجر المختبر الذي كان يعمل فيه، بعد انفجار معمله لم يصب بالإحباط، بدأ مرة أخرى حتى وفقه الله تعالى واخترع الكهرباء لينير لنا الدنيا.
الإنسان يجب أن تكون لديه العزيمة، يجب أن تكون لديه النية، وكل الأعمال تتطلب النية، فأعمال الآخرة تتطلب النية، وأعمال الدنيا تتطلب النية، فالإنسان يعقد نيته، يكون له التصميم، يدير وقته بصورة صحيحة، ويعطي كل شيء حقه -هذا مهم جدا- فعملك يتطلب منك وقتا، وراحتك تتطلب منك وقتا، وأسرتك تتطلب منك وقتا.
وتذكر أنك -والحمد لله تعالى- في عمر الشباب، في عمر تتوفر فيه الطاقات النفسية والجسدية والمعرفية، فالمهم فقط هو حسن إدارة الوقت، وأن تكون هنالك معقولية في المهام والأهداف والمشاريع التي تريد أن تنجزها، يجب أن لا تكون خياليا في تفكيرك، وأن يكون لك العزيمة والإصرار، وإن شاء الله تعالى تصل إلى ما تود أن تصل إليه.
أنصحك أيها الفاضل الكريم أن لا ترسخ هذه المفاهيم في تفكيرك: الفشل، لا أستطيع أن أستمر، لا أستطيع أن أنجز، أنا أتردد... هذه المفاهيم يجب أن لا ترسخ أبدا في ذهنك، ولا تعطها مجالا لتسيطر على كيانك، ولا تأس على ما فاتك، وإن شاء الله تعالى لم يفتك الكثير، فابدأ الآن بشيء من الترتيب، والمعقولية، والتنظيم، وعقد النية، وإدارة الوقت بصورة صحيحة، وتذكر إيجابياتك فهي -والحمد لله- كثيرة.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.