السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا أحسن بالله -عز وجل- الظن إحسانا أحمده عليه صباحا ومساء، لكن لا أستشعر الخوف منه في كل أحياني، أستغفره على المعاصي والذنوب لكن لا أرتقي إلى الخوف من عقابه في كل أحوالي هذه، أي أن الجنة والنار -مع يقيني بوجودهما، وأن الله استخلفنا في الأرض لينظر كيف نعمل فأعد الجنة والنار- ليستا حاضرتين في قلبي عند كل عمل، وهذا ما يؤرقني وأعلم أنه شيء عظيم (أستغفر الله). فما دوائي؟ وكيف أستطيع أن أجمع بين الخوف والرجاء، وأزيد حبي لله العظيم الكريم ويقوي إيماني؟
أسأل الله باسمه الأعظم أن يجمعنا في جنة الفردوس مع نبيه الأكرم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يكثر من أمثالك في المسلمين، وأن يمن عليك بمحبته جل جلاله، وخوفه في السر والعلانية، وأن يجعلنا وإياك وسائر المسلمين والمسلمات من أهل الجنة.
وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك -ابنتي الكريمة الفاضلة-: إن الخوف من الله تبارك وتعالى مما لا شك فيه يأتي على رأس العبادات، وأعظم القربات، وأجل الطاعات، لأن الله تبارك وتعالى أمرنا به سبحانه، وأيضا أثنى على من يخشاه حيث قال: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} وقال أيضا: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} فالخوف من الله تبارك وتعالى عبادة من العبادات وقربة من القربات.
إلا أن هذا الخوف ينظر إلى نتيجته وثمرته، فليست العبرة مجرد الخوف للخوف، وإنما الخوف المطلوب هو الخوف الذي يحجز العبد عن محارم الله عز وجل، وهذا هو الخوف الذي أراده منا مولانا جل جلاله سبحانه، أما الخوف الذي ترتعد منه الفرائص، وتصفر منه البشرة، وتتحرك له العظام، ثم يعود الإنسان فيقع في المعاصي كما لو كان لا يعرف الله تعالى، فهذا خوف المنافقين وخوف البله المعاتيه المجانين، فإن بعض الناس أحيانا إذا ذكر بالله تعالى تغيرت أحواله، ولكنه إذا خلا بمحارم الله انتهكها، فهذا لا يعرف الخوف الحقيقي من الله، ولذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - عليه رحمة الله تعالى - أن الخائف الحقيقي هو الذي ينكف عن المعاصي حياء من الله تبارك وتعالى، وهذا كما ورد في قصة يوسف عليه السلام عندما راودته امرأة العزيز عن نفسه وقالت له: {هيت لك} قال: {معاذ الله} أي أعوذ بالله أن أفعل شيئا يغضب الله تعالى.
فإذن هذا -ابنتي الفاضلة- هو المطلوب من كل مسلم، خوف يحجزه عن محارم الله تعالى ومعاصيه، أما أن يكون الخوف في القلب بمعنى الوجل المستمر الدائم، فهذا ليس – حقيقة - هو المطلوب وإن كان شيئا حميدا جليلا، ولكن المطلوب فعلا إنما هو الخوف العملي، الخوف الذي يمنعني من أن أقول كلمة غيبة، أو أن أقع في نميمة، أو أن أكذب في عبارة، أو أن أهزأ بإنسان، أو أنظر بقلبي إلى غير الله تعالى، أو أقترف إثما سواء كان صغيرا أو كبيرا، حتى وإن وقعت في المعاصي فإن الخوف يدفعني إلى أن أعجل بالاعتذار لله تعالى، والندم، والتوبة من هذه المعصية، مخافة أن يتوفاني ربي وأنا على هذه المعصية، هذا هو الخوف المطلوب.
أما الرجاء فهو أن يرجو العبد رحمة الله تعالى، ويحسن الظن بالله تعالى، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بقوله: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل).
وإحسان الظن بالله لا يقتضي ترك العمل، وإنما إحسان الظن مع إحسان العمل، فنجتهد في أداء ما فرضه الله علينا وما سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونجتهد في أن يكون مطابقا للمواصفات الشرعية، كما قال الله تبارك وتعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} بمعنى أن يكون العمل خالصا لله تعالى، موافقا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المطلوب من الإنسان.
فالمطلوب من المسلم الصادق أن ينكف عن الحرام الذي حرمه الله تبارك وتعالى، وأن يترك الشبهات والشهوات حياء من الله، ومطلوب منه أيضا أن يجتهد في الطاعات التي أكرمه الله تبارك وتعالى بها، وأن يحرص على أن تكون مطابقة لشروط الشرع من الإخلاص والاتباع والاقتداء بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام.
إذا تم ذلك فإن الله تبارك وتعالى سيجعل الجنة يقينا مكافأة لمثل هذا العبد الصالح الذي كف جوارحه عن المعاصي حياء من الله، والذي التزم بالطاعات ابتغاء مرضاة الله تعالى، وهذا هو المطلوب.
وأما عن عوامل تقوية الإيمان، فتقوية الإيمان تكون بعوامل، منها: الانكفاف عن المعاصي، والإقبال على الطاعات، والإكثار من العبادات، وكذلك طلب العلم الشرعي، وكذلك الإكثار من ذكر الله تعالى، لأن الله تبارك وتعالى يقول: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
كذلك أيضا من العوامل التي تؤدي إلى تقوية الإيمان: مجالسة الصالحين والصالحات من عباد الله، وقراءة سير هؤلاء المتقين المؤمنين.
كذلك أيضا من عوامل تقوية الإيمان وزيادته: قراءة القرآن الكريم بانتظام، وأن يكون ذلك عبارة عن ورد يومي حتى لا يمر على المسلم شهر إلا وقد أكرمه الله تبارك وتعالى بختم القرآن ختمة كاملة كحد أقصى إذا أراد أن يقوي إيمانه بذلك.
كذلك أيضا عليه بالنظر في ملكوت السماوات والأرض، والتأمل في الآيات الكونية، وكما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
فعلينا أن ننظر يمينا ويسارا مرارا لنرى آيات الله تبارك وتعالى في أنفسنا وفيما حولنا وفيمن حولنا أيضا، بذلك أعتقد أننا سنصل -بإذن الله تعالى- إلى إيمان قوي صادق، ومحبة لله تبارك وتعالى ونبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
فأوصيك ونفسي بذلك ابنتي الكريمة، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.