أرفع صوتي على أمي ثم ألوم نفسي، فكيف أبرها؟

1 1152

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قبل أن أسرد مشكلتي أحب أن أوضح أمر بأني شخصية سريعة الغضب ولا أستطيع أن أسيطر على أعصابي، ولكن هذا الأمر لا أعاني منه إلا مع شخص واحد فقط وأتألم كثيرا وأشعر بالأسف عندما يصدر مني ذلك معها، وهي أمي للأسف.

أمي سيدة طيبة لأبعد الحدود حتى أن كل همها في الدنيا أن توفر لنا الطعام والشراب على أكمل وجه، ولكنها لا تستطيع أن تتعامل معي كما أريد، فأنا كم كنت أتمنى أن تكون أمي هي صديقتي ومن تحتويني عندما أريد أن أتكلم مع أحد بسبب مشكلة تعارضني أو أن آخذ رأيها في أمور حياتي، ولكنها للأسف شخصية طيبة لأقصى درجة وربة منزل وليس لديها من الخبرات الحياتية ما توجهني به، بل أمي هي من تعتمد علي في أمور كثيرة وتستشيرني في أمورها وأوجهها كأننا نلعب أدوار معاكسة، ولكني كنت أتمنى غير ذلك.

أنا أوضحت لكم شخصية أمي بهذا التفصيل لأني أشعر أن ردود أفعالي تجاهها عندما يحدث بيننا أي أمر ونختلف فيه هو رد فعل لما في أعماقي من قصور أمي تجاهي، لذا أجد نفسي عصبية وأرفع صوتي عليها لأتفه الأمور، يعلم الله أني أحب أمي وأخاف عليها وأتعامل معها كما قلت لكم كأنها هي ابنتي وأنا أمها، ولكني كثيرا ما أسأم من هذا الدور وأجد نفسي أنفعل عليها لأتفه الأسباب وما أجد من نفسي إلا وصوتي أرتفع عليها وأندم بعد ذلك وأذهب لأقبل يدها لتسامحني فتسامحني بالفعل، وأحيانا لا أندم من يأسي من إصلاح علاقتي معها ويحدث هذا بيننا كثيرا.

للعلم أنا فتاة ملتزمة ومنتقبة وأعرف ربي وأعلم حقوق وبر الوالدين، ولكن هذه هي نقطة ضعفي الوحيدة التي طالما عانيت منها ومازلت أعاني إلى الآن وكثيرا ما لجأت إلى الله حتى يغفر لي ما يصدر مني وأن يؤلف الله بيني وبينها ولكن لم يشأ الله إلى الآن.

ولكني للأسف أشعر أن كل ما أقوم به من طاعات وعبادات إلى الآن لم يقبلها الله مني، فإني أشعر أني عاقة لأمي ولكن الله يعلم كم أحبها وأخاف عليها، ولكن هذا ليس بمبرر أشعر عندما يتعسر أمر من أمور حياتي أن ما أفعله مع أمي هو السبب وهذا عقاب الله لي، ولكني أقول في نفسي أنا أحب أمي وما أفعله معها يكاد يكون مثلما يحدث بين الأخوات من مشاجرات عادية وتنتهي ولكن الأم بالطبع غير ذلك، للعلم أمي تحبني جدا ومتعلقة بي كأني كما قلت أمها وليس بنتها وعندما أذهب إليها لتسامحني على أفعالي معها بالفعل تسامحني ولا تكتم في قلبها أي بغض تجاهي ، ولكني سأمت هذه العلاقة حتى إني يئست من أن يأتي يوم علينا بدون مشادات بيننا وهكذا كل يوم ولا أطيق الأمر حقا ، خاصة أني كل هدفي في هذه الحياة هو إرضاء ربي ولا أريد ما يعوق ويكدر علاقتي به فأنا جاهدت نفسي كثيرا في طريق الالتزام حتى أتقرب إلى الله وطلبا لرضاه، ولكن دائما ما يكون هناك عوائق في طريقي ولا أعرف ما الحل؟؟؟.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك. كما نسأله تبارك وتعالى أن يرزقك بر والدتك وإكرامها والإحسان إليها، وأن يصفي العلاقة بينك وبينها، وأن يعينك على الإحسان إليها، وكسب رضاها، وأن يتوفاك الله تعالى وهي راضية عنك.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة - من أن نقطة ضعفك هي العلاقة بينك وبين والدتك، ورغم أن والدتك تتمتع بطيبة رائعة كما ذكرت وحسن خلق وتحرص كل الحرص على إسعادك وإسعاد بقية أفراد الأسرة، إلا أنك تثورين في وجهها لأتفه الأسباب، وذلك لأنك تشعرين بأنها مقصرة تجاهك، وأنها لم تقم بدورها الذي ينبغي أن تقوم به كل أم في مساعدة ابنتها والوقوف معها والبحث معها في حل مشاكلها الحياتية، بل إن دورها سلبيا في هذا المجال، والأعظم من ذلك أنك أصبحت أنت كما لو كنت أنت أمها وهي ابنتك، فهي تلجأ إليك في كل أمر وتستشيرك في كل شيء، وهذا الأمر يزعجك، لأنه ترين أنت من وجهة نظرك أن هذا قلب للحقائق، وتخافين عذاب الله تبارك وتعالى نتيجة هذه المعاملة القاسية والعنيفة التي تصدر منك تجاهها خاصة رفع الصوت والعصبية الزائدة عندما يحدث أي خلاف بينكما.

أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: كأنك تريدين أن تحاكمي أمك على ذنب لم ترتكبه، فإن أمك بهذه التكوينة التي هي عليها إنما هي ضحية تربية وتعرضت لها منذ طفولتها، وهي تتمتع بصفات جميلة ورائعة، ولكنك أنت نظرا لأنك تختلفين عنها في طريقة التربية، لا تستريحين بأسلوبها في التعامل معك وتشعرين دائما بأنها مقصرة في حقك، خاصة إذا ما طلبت منك مساعدتها في حل مشكلاتها.

فأنا أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: مع الأسف الشديد إنك لم تراعي الضعف الفطري الذي عليه أمك، لأن أمك نشأت في بيئة على طريقة معينة، وعندما أصبحت كبيرة لم تتمكن من التخلص من هذه السلبيات التي عاشتها في طفولتها، ولم تتح لها الفرصة أن تكون أما متميزة حتى تستطيع أن تأخذ بيدك وأن تحقق لك ما تريدين، رغم أنها تتمتع بصفات رائعة خاصة أنها رغم إساءاتك المتكررة لها عندما تطلبين منها العفو والصفح فإنها تسامحك، ولا تكتم في قلبها أي بغض تجاهك، بل إنها متعلقة بك تعلقا شديدا جدا، وتشعر فعلا بأن بينك وبينها روابط أقوى من بقية أفراد الأسرة.

وأنا أقول لك أختي الكريمة (أمة الله) إنك في سن ليست صغيرة، فاستعانة أمك بك على اعتبار أنك مثقفة وأنك مؤمنة وأنك منتقبة وأنك على قدر طيب من العلم الشرعي، ترى أمك أنك أفضل منها، ولذلك تلجأ إليك، في حين أن الأصل أن يكون الأمر بالعكس، إلا أن أمك نظرا لشعورها بالضعف فهي تلجأ إليك لشعورها بالكمال فيك، وهذه ثقة عظيمة جدا كم كنت أتمنى أن تترجم إلى واقع على خلاف ذلك.

أقول لك أختي الكريمة (أمة الله): لقد قال مولاك جل جلاله {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، أنت تشعرين فعلا تجاه أمك بأنك مقصرة وأنك مفرطة وأنك تتجاوزين الحدود في حالات الغضب، وهذه صفات ليست من المستحيل التخلص منها، بل إنها تحتاج فقط إلى نوع من التنبية والتركيز عليها عند الحديث معها وضبط أعصابك عندما يصدر منها شيئا يثيرك أو يحرك غضبك، فينبغي عليك بارك الله فيك أن تجتهدي في اكتساب مهارة الصفح والعفو وسعة الصدر وكعظم الغيظ والإحسان، وأن تجعلي دائما عبارة (هذه أمي) على لسانك وفي عقلك، وكم أتمنى لو تكتبينها أيضا في أماكن في غرفة نومك خاصة (هذه أمي) لأن الشيطان يحرص على أن يفسد عليك علاقتك بمولاك جل جلاله من خلال أمك فلم يجد سبيلا إلا هذا السبيل، لأن الشيطان كما لا يخفى عليك يجري من ابن آدم مجرى الدم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك يعلم نقطة ضعفك فيحاول أن يضغط عليها بكل قوة حتى تخرجي من هذه الحياة أو تخرج والدتك منها وأنت عاقة لها وغير محسنة إليها فتصابين أولا بمثل ذلك في الحياة الدنيا مع أبناءك في المستقبل وثانيا تحرمين شفاعتها في الآخرة.

فأنا أتمنى بارك الله فيك أختي الكريمة (أمة الله) بما حباك الله به من علم وفضل ومعرفة والتزام أن تكبتي جماح نفسك بكل ما أوتيت من قوة، إذا شعرت بأنك سوف ترفعين صوتك وتخرجين عن المألوف اتركي الغرفة التي بها الوالدة، واخرجي فورا منها، وأكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، واتفلي على يسارك ثلاثا، واسألي الله تعالى أن يذهب عنك ذلك.

حاولي عند الحديث مع والدتك أن تركزي جدا، وكلما شعرت ببداية نوبة الغضب والعصبية حاولي أن تنسحبي من المكان الذي فيه الوالدة، ولو لدقائق معدودات، وحاولي أن تشتتي الفكرة التي بدأت تسيطر على ذهنك، بأن تنظري يمينا أو يسارا، أو أن تنظري مثلا من الشباك، أو تحاولي أن تنظري في كتاب، أو تقرئي جريدة أو مجلة، أو تنظري حتى إلى التلفاز، أو أي منظر آخر يخرجك من حالة العصبية، ودائما عليك بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فورا، مجرد ما تشعرين فعلا ببداية النوبة استعيذي بالله من الشيطان الرجيم واتفلي على يسارك ثلاث مرات، واخرجي من المكان واتركيه، وبعد أن تذهب عنك النوبة أكثري من الاستغفار (أستغفر الله العظيم، أستغفر الله العظيم)، وكذلك أيضا تصلي على النبي عليه الصلاة والسلام في نفس التوقيت، كأنك تتناولين دواء، هذا الدواء مر في أوله ولكنه سيكون رائعا عندما يمر عليك يوما وحاولت أن تكبتي جماح نفسك ولو مرة واحدة فثقي وتأكدي أنك ستكونين قادرة على كبح جماح نفسك في المستقبل، الأمر متوقف عليك، وتخلصك من الأمر ليس صعبا، ولكن استعيني بالله تعالى وأبشري بفرج من الله قريب.
هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات