الوسواس القهري... والعلاج المناسب

0 389

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في أحد الأيام كنت أتحدث مع أحد الزملاء في العمل عن بعض الأمور التي تخص الشغل، قال إنه مل من المدينة التي نعمل فيها حاليا، وإنه لا يريد العودة إليها مرة أخرى، وقلت له بأنني عكسه، تعجبني الحياة هنا، خاصة وأن المدينة هادئة، والناس طيبون، فقال لي زميلي بأنني بحكم أنني إنسان ملتحي -وأنا والحمد لله إنسان ملتزم بأداء واجباتي الدينية والتفقه في أمور ديني - لا أحتاج أكثر من المسجد ومقابلة الإخوة، حتى أشعر براحة البال- وكان قصده على ما أظن أنني عكس غير الملتزمين دينيا، الذين يحبون الحركة دائما، والتفسح، ويحسون بالضيق عند البقاء في البيت، وهو منهم.

ثم بعد ذلك قال لي مازحا: إنني كمن كان كبيرا في العمر، ومتقاعدا عن العمل، فضحكت مما قال، وبعد ذلك وجدت في نفسي حسرة، وخشيت أن يكون ما قاله لي سخرية من التزامي، يمكن أن يكون فيه ردة عن الإسلام، وأن ضحكي من ذلك فيه إقرار لما قال يوجب ردتي أيضا.

أجيبوني بارك الله فيكم، فبالي بقي مشغولا بما حدث، خاصة أنني أعاني من بعض الوسواس في باب الاستهزاء بالدين، وفي كل مرة يحدث موقف يكون فيه ذكر الدين ولو ضمنيا وأضحك فيه، أجد نفسي أعاتب نفسي، وأجد في نفسي خوفا من أن أكون ارتددت عن الإسلام، والعياذ بالله.

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فلا شك يا أخي الكريم أن هذه فكرة وسواسية قهرية تسلطت عليك وسببت لك هذا القلق وهذا الألم النفسي، الوساوس القهرية المتعلقة بالعقيدة تصيب الناس بالألم النفسي، وهذا دليل على الخيرية والصلاح في هذه الأمة الإسلامية.

أخي الفاضل الكريم: الوسواس يجب أن لا يناقش، يجب أن لا يحلل، ويجب أن لا يواجه بأي نوع من المنطق، الذي أقصده أن بعض الناس الذي تأتيهم هذه الوساوس يحاول أن يفصلها وأن يشرحها وأن ينظر في تفاصيلها، وأن يرد عليها ليقنع نفسه بأن هذا الوسواس ليس بالصحيح، هذا كثير ما يعمق ويزيد هذه الوساوس، مثلا في حالتك، أنت حين يأتيك هذا الشعور بأنك قد ارتددت عن دينك، تبدأ في نوع من التفسير الفلسفي والتفصيل لتطرد هذه الفكرة أو لتقنع ذاتك بالوسواس، وهذا هو لب المشكلة؛ لذا الوسواس يعالج بالتجاهل التام وعدم مناقشته، والفكرة حين تأتي نقول لها: (أنت فكرة وسواسية حقيرة، أنت فكرة وسواسية حقيرة، قفي قفي قفي) وليس أكثر من ذلك، لا تحاول أن ترد عليها بمنطق، لا تحاول أن تقنع نفسك أنك لم ترتد عن الدين مثلا.

تحقير الوسواس هي الطريقة الأمثل والطريقة الأفضل، الشيء الوحيد الذي أنصحك به هو أن تقول لنفسك أن هذا الفكر الوسواسي هذه هي طبيعته، وما دامت هي طبيعته فلابد أن أحقره ولابد أن أرفضه، ولابد أن لا أقبله.

شيء آخر: أريدك أن تربط بين الأفكار الوسواسية مع فعل أو إحساس يكون مضادا لها، وهذه نسميها بالمنفرات، والمنفرات أو المقززات هي وسيلة طيبة جدا لقطع التفكير الوسواسي أو الفعل الوسواسي، ولتطبيق هذه التمارين: فكر في هذه التمارين فكر في هذه الفكرة الوسواسية حول الردة من الدين، وفي نفس الوقت قم بتذكر حادث بشع مثلا حدث سواء شاهدته أو سمعت عنه، تأمل بعمق لمدة ثلاثة إلى أربع دقائق، الربط ما بين الحادث وما بين الوسواس.

تمرين آخر: استجلب الفكرة الوسواسية، وقم في نفس الوقت بالضرب الشديد على يدك على جسم صلب مثل الطاولة حتى تحس بالألم، اربط ما بين الوسواس وما بين إدخال الألم على النفس، استشعر ذلك، كرر ذلك، هذا أيضا يؤدي إلى ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، وهذه وسيلة سلوكية مضعفة للوسواس القهري ولا شك في ذلك.

الجزء الأخير في العلاج -أخي الكريم- وحتى نطمئن عليك تماما نصف لك الرزمة العلاجية التامة، سنصف لك الدواء المضاد للوساوس، ربما تستغرب ما علاقة الدواء بمثل هذه الأفكار؟

الإجابة: العلاقة وثيقة جدا، وقوية جدا، وهي أن الوساوس اتضح أن في جزء كبير منها يحدث تغير في كيمياء الدماغ في مادة تسمى بالسيروتونين يحدث نوع من عدم الانتظام أو الاضطراب في إفرازها، ويولد هذه الوساوس.

هذه المادة لا يمكن قياسها في أثناء الحياة، لكن -الحمد لله تعالى- تم اكتشاف أدوية فعالة جدا لوضع هذه الكيميائيات في مسارها الصحيح، أفضل دواء نصفه في مثل هذه الحالات عقار يعرف تجاريا باسم (بروزاك) واسمه العلمي هو (فلوكستين).

أرجو أن تتحصل عليه وتتناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، استمر عليه لمدة شهر، تناوله بعد الأكل، بعد ذلك ارفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، يمكن تناولها كجرعة واحدة أو كبسولة واحدة في الصباح وكبسولة واحدة في المساء، هذه الجرعة العلاجية يجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

يجب أن يكون هنالك التزام قاطع بجرعة الدواء، وإن شاء الله تعالى بعد أربعة إلى خمسة أسابيع سوف تحس أن الوساوس قد ضعفت تماما، ثم تبدأ في الانقشاع وتنتهي إن شاء الله تعالى.

أخي من المهم جدا أن تدير وقتك بصورة صحيحة، ولا تترك فراغا أبدا لهذه الوساوس، ممارسة الرياضة أيضا جيدة ومفيدة؛ لأن الرياضة تؤدي إلى الاسترخاء العضلي الداخلي، وهذا يزيد القلق، والقلق كثيرا ما يكون مرتبطا بالوساوس.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات