السؤال
أجد في نفسي دائما أني مقصر في أهلي وأجتهد في خدمتهم، وأرتاح نفسيا بعدما أخدمهم، فهل هو مرض أو كسل مني؟
أجد في نفسي دائما أني مقصر في أهلي وأجتهد في خدمتهم، وأرتاح نفسيا بعدما أخدمهم، فهل هو مرض أو كسل مني؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يرزقك بر والديك ورضاهما عنك، وأن يجعلك من صالح المؤمنين ومن سعداء الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك أقول لك أخي الكريم الفاضل: إن شعورك بأنك مقصر في خدمة أهلك شعور طيب؛ لأنه يدفعك دائما إلى أن تضاعف الجهد وأن تبذل المزيد من القيام بخدمتهم ورعايتهم، وهذا مما لا شك فيه يترتب عليه رضوان أكبر من الله تبارك وتعالى عليك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رضى الله من رضى الوالدين وسخط الله من سخطهما).
فأنا أقول بأنك رجل موفق، وشعورك بالتقصير هذه علامة صحة وليست علامة مرض، لأنك تشعر بأنك مهما قدمت لهما ما وفيت لهما حقا، وهذا سيدفعك إلى بذل المزيد من التضحية والجهد، وبالتالي أيضا سوف يترتب عليه المزيد من الرضى والمزيد من الحب والمزيد من الدعاء، وهذه كلها عوامل تؤدي إلى التوفيق في الدنيا والآخرة.
وإني لأعلم أناسا أخي الكريم الفاضل (زيد) حياتهم كلها قائمة على بركة دعاء والديهم؛ وذلك لأنهم كانوا في حال حياة والديهم أحرص الناس على خدمتهم ورعايتهم وإكرامهم والإحسان إليهم، فكان هؤلاء الأخيار الكبار يخصون هذا الولد بالمزيد من الدعاء والتوجه إلى الله تعالى، حتى إنهم رأوا ذلك بأعينهم وهم أحياء وما زال هؤلاء يتمتعون ببركة دعاء والديهم إلى يومك هذا، بل لعل بعضهم أصبح من أكثر الناس ثراء وشهرة، وبعضهم أصبح من العلماء المرموقين والدعاة الموفقين، بل إن بعضهم أصبح من المسئولين الكبار في بلادهم، وذلك كله ببركة دعاء الوالدين المترتب والناشئ عن الإكرام والإحسان لهما في حال الحياة.
فأنا أقول: ما دامت الفرصة أمامك متاحة الآن فلا تضيعها، واجتهد بارك الله فيك في بذل أكبر قدر ممكن من الوقت ومن الجهد لمساعدة والديك وإدخال السرور عليهما، واعلم أن ذلك سوف يترتب عليه أشياء عظيمة أنا لا أستطيع أن أحصرها لك الآن في هذه العجالة، وإنما أرى أنك ستكون من أسعد الناس في حياتك، وسيمن الله تبارك وتعالى عليك بأبناء يفعلون معك كما تفعل أنت الآن مع والديك، وإني ما زلت أذكر هذه القصة التي تدور حول شاب أنفقت عليه أمه عمرها كله في خدمته ورعايته وتعليمه، ثم لما أكرمه الله وتخرج وتم تعينه في إحدى الوظائف كان لا يألو جهدا في الإنفاق عليها وإكرامها ومساعدتها وفي إسعادها وإدخال السرور عليها، حتى لما مرضت كان يبيت ليله تحت قدميها، ومن المستشفى يذهب يوميا إلى العمل، وشاء الله تعالى أن تموت والدته، وأن يتقدم به السن، إلا أنه خلال هذه الفترة نذر نذرا أن يخرج ثلث راتبه في بر والدته، فكان لا يسمع عن مسجد يبنى إلا ويدفع فيه مبلغا بهذه النية، ولا يسمع عن بئر في حاجة لحفره إلا ويقوم بحفرها، ولا يسمع عن باب من أبواب البر إلا ويسارع بأن يدفع باسم أمه فيه طعما في أن يجعلها الله من أصحاب المنازل العالية، وكان عنده في حيهم مسجد، هذا المسجد كان يصلي فيه هذا الرجل كل الأوقات، إلا أنه لم ينتبه أن يضع فيه برادة ماء كما وضع في معظم مساجد المنطقة أو البلدة الذي يعيش فيها، وذات يوم بينما هو خارج إلى المسجد وجد عمالا يركبون هذه البرادة على باب المسجد فقال: (سبحان الله، أنا بعثت الأموال شرقا وغربا ونسيت المسجد الذي أصلي فيه) فتقدم إلى إمام المسجد وقال له (من الذي فعل هذا المعروف؟) قال: أنت. قال: كيف أنا؟ قال: هذا ولدك الأكبر جاء وقال: هذه من والدي. فعلم الوالد أن ولده فعل به كما كان يفعل بأمه، فلما عاد إلى البيت وسأل ولده: لما فعلت ذلك؟ قال: لأني وجدتك تحسن إلى أمك إحسانا عظيما فأردت أن أشعرك بأن معروفك لم يضع يا أبي.
فأنا أقول لك أخي الكريم (زيد) أبشر بفرج من الله عظيم ورائع في الدنيا والآخرة، واعلم أن من أعظم أبواب البر الذي يدخل العبد به الجنة بر الوالدين، ولذلك قرن الله تبارك وتعالى برهما وإكرامها والإحسان إليهما بتوحيده، كما لا يخفى عليك في القرآن الكريم، وأذكر لك آية واحدة، وهي قوله تعالى في سورة الإسراء: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}.
فأنا أقول بارك الله فيك: هذا ليس مرضا ولا كسلا أيضا، فاجتهد بارك الله فيك في إكرامهم والإحسان إليهم ولا تألو جهدا في ذلك ما دمت قادرا على ذلك، وما دامت ظروفك تسمح، واعلم أن من جد وجد ومن زرع حصد، واعلم أن البر لا يبلى وأن الذنب لا ينسى وأن الديان لا يموت، اعمل ما شئت فكما تدين تدان، واعلم أن الله بين في كتابه العظيم أن من يعمل خيرا يجزى به، وهكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يذكرنا: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم).
أسأل الله أن يقبل منك جهدك، وأن يعينك على مضاعفته وإكثاره وتحسينه أيضا، وأن يرزقك رضى والديك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم،
هذا وبالله التوفيق.