القدر سر الله تعالى في خلقه... وكيف يتعامل المؤمن مع أقدار الله تعالى؟

0 549

السؤال

السلام عليكم

سؤالي هو: لماذا يوجد أناس محظوظون أكثر من الآخرين؟ لماذا يخلق الله أناسا في بيئة عفنة فيظلمون فيها كثيرا، ومنها تتكون شخصيتهم ثم يحاسبون من عند الله، وفي المقابل يوضع آخرون في أماكن طيبة وبيئة ذات أخلاق، ومنها تتكون شخصيتهم وأعمالهم، لماذا هذا التفضيل بين الناس؟ وهل سيكون الحساب بينهم عادلا؟ لماذا نرى المعاناة مع أنه هنالك (99) رحمة؟

أرجو أن تجيبوني بالحجة؛ لأن هذه الأسئلة بدأت تؤثر على إيماني.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فمرحبا بك أيها الولد الحبيب في استشارات إسلام ويب، ونصيحتنا الأولى لك أيها الحبيب أن لا تتعب نفسك بالتفكر في القدر وتصرف الله سبحانه وتعالى بخلقه، فإن هذا لن يعود عليك بشيء، فإن القدر سر الله تعالى في خلقه، فاصرف عن نفسك التفكر فيه وفي دقائقه، وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، فقال: (إذا ذكر القدر فأمسكوا).

ومع هذا نقول أيها الحبيب بأن الأجوبة عما سألت عنه حاضرة سهلة يسيرة، فإن الله جل شأنه هو خالق الخلق ومالكه، وما دام ملكا له فإنه سبحانه وتعالى يتصرف فيهم كيف يشاء، لأنه يتصرف في ملكه، وقد قال سبحانه وتعالى عن نفسه: {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون} فهو سبحانه وتعالى المالك المتصرف، ولكنه مع هذا الملك والتصريف والتدبير لا يفعل شيئا سدى، ولا يظلم ربك أحدا، فإنه سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه، فقال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما) وأخبرنا في كتابه بأنه لا يظلم أحدا، وقال: {وما ربك بظلام للعبيد}.
وقال: {وما الله يريد ظلما للعباد}، فمع تمام وكمال ملكه وقدرته وتدبيره فإنه يقدر الأمور بعدل، وينفذ الأقدار بحكمة، فله سبحانه وتعالى الحكمة والحجة البالغة.

فلا يوهمنك الشيطان أن في أقدار الله تعالى ما هو على خلاف العدل، فإن الله عز وجل لا يقدر شيئا إلا وفيه خير للإنسان، وإن كان يتألم هذا الإنسان ببعض الأقدار المكروهة إلى نفسه، لكنها بعواقبها حسنة محمودة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لربه مناجيا له، قال: (والشر ليس إليك) يعني أنه سبحانه وتعالى لا ينسب إليه شر، بل ما يفعله سبحانه وتعالى كله خير، ولكن هذا الخير قد يكون مؤلما للإنسان عاجلا، لكن عواقبه حسنة حميدة له، وهذا ليس أمرا عجيبا، فإن الناس يألفون ويعتادون مثل هذا، وأقرب مثال يمكن تقريب المسألة إليك من خلاله هي تذكرك الأب الرحيم بولده، يجري له علاجا صعبا مؤلما وهو به رحيم وحريص على مصلحته، وما ذاك إلا لأنه يعلم أن في ذلك مصلحة للولد في آخر الأمر، فلله عز وجل المثل الأعلى، فإنه سبحانه وتعالى لا يفعل إلا ما فيه مصلحة للعباد.

وأما كونه يسوي بين من نشأ في بيئة صالحة وبيئة سيئة، فإنه سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا بعد بلوغ الحجة إليه، كما قال سبحانه وتعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} وهو سبحانه وتعالى يجزي من جاهد نفسه بقدر المشقة التي يجدها، فهذا الذي نشأ في بيئة فاسدة وجاهد نفسه على طاعة الله فإن أجره لا شك أنه يضاعف أضعاف ما يعطيه الله عز وجل لمن نشأ في بيئة صالحة ولم يبذل ذلك الجهد؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجرك على قدر نصبك) وهو يحدث عائشة، فالأجر على قدر المشقة، فأوجد هذا من وجد في هذه البيئة وطالبه بأن يجاهد نفسه ليعظم له الأجر ويكثر له المثوبة، وذاك قدر الله سبحانه وتعالى أن يوجد في هذه البيئة وأجره على قدر نصبه.

وأما الابتلاء ولماذا يعافي الله سبحانه وتعالى أقواما ويبتلي أقواما؟ فلله عز وجل الحكمة البالغة أيضا، فإنه يبتلي أقواما ليرفع درجاتهم أو ليكفر عنهم سيئاتهم ويجزل لهم الأجر والمثوبة في الآخرة، ويبلغهم درجات ما كانوا سيبلغونها بأعمالهم، فيبتليهم سبحانه وتعالى ليجري عليهم تلك الخيرات بسبب صبرهم، ويعافي أقواما آخرين لأنه يعلم سبحانه وتعالى أنهم لو ابتلوا لما صبروا، فله سبحانه وتعالى الحجة البالغة في كل ما يقضيه ويقدره على هذا الإنسان، وإذا أدرك الإنسان هذه الحقائق رضي بقضاء الله، وآمن بأنه سبحانه وتعالى حكيم خبير عليم لطيف بعباده، كما قال سبحانه: {الله لطيف بعباده}.

والنصيحة الإجمالية هي أيها الحبيب ما بدأنا به الجواب: أن يصرف الإنسان المؤمن نفسه عن التفكر في دقائق القدر، فإن القدر سر من أسرار الله سبحانه وتعالى في الخلق، وعلى الإنسان أن يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى يقدر للعبد ما فيه خير له، كما قال سبحانه: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات