السؤال
السلام عليكم..
لدي ابن عمره 17 سنة، وهذه الفترة فترة مراهقة، يعصي أمه ويستلذ دوما باستفزازها، واستفزاز أخيه الذي يصغره بثلاث سنوات، وعند تواجدي لا أرى منه عادة إلا الاحترام والتقدير لها.
اكتشفت أنه يقف دوما أمامي كالملاك، ومن خلفي تظهر المشاكل كلها، ومنها ( يحب نفسه فقط ولا يهتم إلا بنفسه، يفكر في المسائل الجنسية، ويهتم فيها، يتهاون في الصلاة أحيانا )، ما الحل لتربيته أولا بطريقة صحيحة؟ وما الحل لتتعامل أمه معه بطريقة صحيحة لتجنب المشاكل دوما؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد العزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح لك أبناءك وأبناءنا وأبناء المسلمين جميعا، وأن يهديهم صراطه المستقيم، وأن يجعلهم من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل - من أن لك ولدا وصل إلى السابعة عشر من عمره، إلا أنك لاحظت عليه أنه يخالف أوامر أمه ويعصيها، وفي نفس الوقت أيضا يتلذذ باستفزازها واستفزاز أخيه الذي يصغره بثلاث سنوات، إلا أنه أمامك يكون على خلاف ذلك.
وأنت تسأل كيف تتعامل معه؛ لأنك تلحظ فيه أيضا نوعا من الأنانية التي تبدو عليه، وكذلك أيضا ميله إلى الجانب الجنسي، وتهاونه في الصلاة، وتسأل ما هو الحل لتربيته أولا تربية صحيحة، وكيف تتعامل أمه معه لتجنب المشاكل؟
أما قضية التربية فاسمح لي أن أقول لك إنها انتهت، لأن التربية تبدأ منذ أن كان الولد في رحم أمه، وهذه تسمى بتربية مباشرة، وبعد أن يخرج إلى الحياة تسمى تربية تلقائية عن طريق السلوك الذي نريده نحن أمام أبنائنا دون أن نطلب منهم أن يلتزموا به، ولكنهم سوف يأخذونه منا بطريقة غير مباشرة.
فالذي يكون مهما بالنسبة لنا سيكون مهما بالنسبة لأبنائنا، والذي نحبه سيميل إليه الأبناء غالبا، وهكذا.
مرحلة الطفولة المبكرة هي مرحلة التربية التلقائية التي لا يحتاج فيها الأب إلى مجهود كبير لتوجيه أبنائه؛ لأنهم في هذه الحالة يكونون لم يصلوا بعد إلى درجة فرز المسائل أو معرفة الأسباب، وإنما يأخذون الأمور بطريقة تلقائية مسلمة، ونحن خلال هذه الفترة نزرع الذي نريده في أبنائنا، ماذا نريد من أبنائنا؟ نريد منهم مثلا أن يكونوا بصفة معينة، نزرع هذه الصفة فيهم في خلال هذه المرحلة، صفة الصدق، وصفة الشجاعة، وصفة المروءة، وصفة الكرم، وصفة التواضع، وصفة الأخلاق... هذه نررعها زرعا، لأن العلماء يقولون بأن التربية صناعة كأي صناعة من الصناعات، فالآن صناع السيارات يضعون لها مخططا أولا ثم بعد ذلك يبدؤون في التنفيذ، وكذلك يقولون أيضا: صناع التربية لابد أن يكون لهم شيء من هذا.
نحن مع الأسف الشديد - أخي الكريم عبد العزيز - لم نحسن إلى الآن تربية أبنائنا تربية موجهة، الناس الآن في معظم بلاد العالم على سبيل المثال كاليابان يريدون خمسين طبيبا يصنعون خمسين طبيبا لا يأتي أكثر من ذلك، ولا أقل منه، إلا إذا جاءت أمور قدرية، يريدون مثلا عددا معينا من المهندسين يخرج هذا العدد من المهندسين، يريدون عددا معينا من الأدباء والشعراء يخرج هذا العدد، أما نحن مازالت تربيتنا مع الأسف الشديد رغم أننا قد نكون على قدر من الثقافة والوعي إلا أنها تربية تلقائية تربية قائمة على الفوضى والعشوائية وعدم الدقة.
يترتب عليه أن ولدك قد يخرج قريبا مما تريد أنت، وقد يخرج بعيدا عن ذلك تماما، قد يوافقك في بعض المسائل التي تريدها ويخالفك في معظم المسائل، ولا نجد أمام هذا التحدي إلا أن نصبر، ونحاول أن نعالج أخطاء نحن قد وقعنا فيها سابقا ولم ننتبه لها، ولذلك عندما تقول هل توجد تربية صحيحة؟
لا توجد هناك تربية صحيحة الآن - اسمح لي - أنت الآن تحتاج إلى معالجة وحل مشكلات فقط، في هذه السن (سبعة عشر عاما) لا تصلح التربية، لأنه فاتك القطار بمراحل، وإنما الآن تحتاج إلى جلسات تعرف بالجلسات الحوارية الهادئة، ونوع من الإقناع، لأن ولدك الآن رجل كبير، مسألة المراهقة هذه كلام أوروبي لا أساس له من الصحة، نحن نعرف أن الإنسان منذ أن يبلغ هو رجل مكلف شرعا، فكونه مراهقا معناه أنه مجنون، ويستحيل أن يكون مجنونا وقد كلفه الله شرعا، فهو مسئول عن أعماله كلها صغيرها وكبيرها، ولذلك نحن نتكلم معه الآن على أنه رجل، مثل ولدك هذا قاد جيوشا كما تعلم في تاريخ الإسلام الأول، مثل أسامة بن زيد رضي الله عنه خرج على رأس الجيش الذي وجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام وكان عمره سبعة عشر عاما أو ثمانية عشر عاما، وكذلك غيره من هؤلاء الصحابة العظام.
إذن القضية قضية خلل في التربية، فأنا لا أقول الآن ما هي التربية الصحيحة أولا لأن هذا وقته قد انتهى - اسمح لي أن أقول لك ذلك- ولكن قل لي كيف نتعامل معه؟
أقول لك نعم، تبدأ أولا بأن تجلس مع ولدك بعيدا عن أمه، وأن تذكر له تلك السلبيات بهدوء، وأن تعطيه الثقة والأمان من أنك أولا لن تعاقبه على ما يقول، وثانيا سوف تحترم وجهة نظره، وثالثا سيكون الأمر سرا بينك وبينه.
وحاول أن تستمع له بكل إنصات إلى آخر كلمة ينطق بها، وأشعره بأن هذا الكلام لك وله هو، وأنه لن ينقل لأحد، وأعطيه الأمان، لأن ولدك عاش معك سبعة عشر عاما ويعرفك، وقطعا أنت لو قلت له: ثق أني لن أخبر أحدا فيفاجئ بأن إخوانه أو مثلا أمه تتكلم في الموضوع، يقول: إذن أبي غير مؤتمن على أسراري، ولذلك أنا لن أخبره بعد ذلك، ويحاول هو في هذه الحالة أن يجاملك فقط، ولكنه لا يتغير.
فهنا أقول لك: لابد كما ذكرت لك من جلسة حوارية بينك وبين ولدك، والإنصات إليه جيدا، وعدم مقاطعته حتى ينتهي من كلامه كله، وإشعاره بالثقة والأمان، إعطائه وعود بأنك لن تخبر بذلك حتى أمه أصلا، ثم بعد ذلك ابدأ معه في تحليل هذه المواقف: لماذا تفعل هذا؟ طيب ما رأيك لو حاولنا أن نغير هذه الطريقة؟ طيب هل تريد من أمك أن تتغير أو إخوانك حتى تتغير أنت؟
وحاول بارك الله فيك أن تحتويه من جميع الجهات، وأنا واثق أنك بإذن الله تعالى سوف تحد من هذه التصرفات المزعجة، أو على الأقل إذا لم تنتهي منها بالكلية سوف تقللها إلى الحد الأدنى، وبذلك ستكون سعيدا ويكون ولدك ولد موفق بإذن الله تعالى.
لا أريد حقيقة استخدام البطش أو العنف أو الوعيد أو التهديد، لأن هذه مرحلة فات وقتها، هو قد لا يرد عليك الآن ويناقشك فيما تقول من تهديد ووعيد، ولكنه في الواقع يغلي من داخله، ولذلك تعامل معه في غاية الاحترام والتقدير والشعور بالعطف، وأبشر بفرج من الله قريب.
هذا وبالله التوفيق.